ضد التعددية الثقافية

الجمعة 2016/07/01

منذ سنوات طويلة والنقاش يدور حول التعددية الثقافية في المجتمع البريطاني وذلك في مختلف وسائل الإعلام وفي الندوات الثقافية والفكرية والسياسية، ويبدو واضحا الآن أن انتخاب أكثر من 17 مليون نسمة من مواطني هذا البلد ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي جرى في الأسبوع الماضي هو بمثابة وضع حد لهذا النقاش ورفض عملي صريح للهجرة والمهاجرين.

إن هذا الاستفتاء ليس مجرد سلوك سياسي عفوي حمال أوجه الخطأ في التقدير، وهو أيضا ليس ذا بعد واحد معزول بل هو ترجمة حرفية لأيديولوجيا متطرفة متكاملة تمارس منهجيا، وتغرس في وعي ولاوعي قطاع واسع من المواطنين البريطانيين. ما فعله هذا الاستفتاء هو أنه قد أخرج هذه الأيديولوجيا من دائرة الخطابات الشفوية والمكتوبة إلى دائرة أكثر خطورة حيث أصبحت الآن برنامجا انتخابيا نمطيا ومعاديا للآخر الأجنبي.

لا شك أن تنظيمات هذا اليمين قد وظفت ولا تزال توظف عدة أساليب لتمرير أيديولوجيتها هذه، كما أنها قد غطت ولا تزال تغطي أهدافها الحقيقية بأقنعة الدفاع عن السيادة السياسية والاقتصادية البريطانية، سواء إزاء أوروبا أو غيرها، ولكن هذا الاستفتاء قد كشف عن حقيقة تحول الخطابات المعلن عنها في مختلف نشاطات اليمين المتطرف.

إن هذه الأيديولوجيا اليمينية التي كانت تخبأ في الماضي في الخطابات هي في العمق رأسمال ثقافي وقيمي يميني متطرف. وهذا الاستفتاء ليس مفاجأة أو نزوة ذات طبيعة نفسية عابرة أيضا، بل هو إعلان صريح عن وجود قوى بشرية تحمل هذا الرأسمال الثقافي وتتمثل هذه القوى في تنظيمات وتجمعات بشرية لها برامج عمل ومخططات لتعميق عمليات نشر أيديولوجيا التطرف وتعبئة مشاعر كراهية الأجانب كما لها امتدادات وتحالفات في القاعدة الشعبية.

في هذا السياق ينبغي الإشارة هنا إلى أن هناك عددا كبيرا من الكتب والدراسات الصادرة ببريطانيا، كما هناك المئات من الندوات الثقافية والفكرية التي عرفتها الساحة البريطانية في العقود الأربعة الماضية وهي جميعا قامت بتشخيص آفة رهاب الأجانب وبرنامج تشويه قيمهم وأعرافهم وهوياتهم اللغوية والثقافية والدينية، كما حذرت أيضا من أخطار إمكانية وصول تحالف اليمين المتطرف إلى الحكم ليتسنى له بعدئذ اتخاذ قرارات تغيير وتشديد قوانين الهجرة، بما يبرر ترحيل المهاجرين المقيمين.

وزيادة على هذا فقد كشفت المناقشات التي دارت حول قضية التعددية الثقافية منذ سنوات أن شرائح لها تأثير في النسيج الداخلي للمجتمع البريطاني تتملص من الاعتراف بهذه التعددية حيث اعتبرتها ولا تزال تعتبرها تهديدا للهوية الوطنية.

كاتب من الجزائر مقيم بلندن

15