الصحافة الثقافية في الجزائر
منذ سنوات عديدة والثقافة في الجزائر تعيش ركودا كما يسجل الملاحظ غياب النقد الجاد والمستمر الذي يتابع بالتحليل ما يصدر من إنتاج في هذه الحقول الثقافية والفكرية سواء في الجزائر أو خارجه كما كان الأمر في فترة في نهايات الستينات، والسبعينات، والثمانينات من القرن العشرين. وبالإضافة إلى هذا الركود الذي استشرى ولا يزال يستشري هناك ظاهرة مقلقة جدا وتتمثل في غلق الجزائر لأبوابها أمام الإنتاج الثقافي والفني والفكري العربي والأفريقي والغربي والأسيوي بحيث يندر أن ترى في الأسواق الكتب الصادرة حديثا و المجلات الثقافية والفنية الجيدة التي تصدر بالمئات من العناوين في العالم.
أما معارض الكتاب ذات الطابع الدولي التي تشهدها البلاد من حين إلى آخر فيغلب عليها الفلكلور السياسي والارتجال. من العجيب والغريب أنه لا تصدر في الجزائر مجلة ثقافية أو فنية أو فكرية أو علمية لها قيمة أو تشكل إضافة نوعية في مختلف مجالات الإبداع والفكر، إذ أن معظم المجلات الثقافية والفنية والفكرية الجزائرية القليلة التي كانت تصدر في الماضي البعيد قد توقفت عن الصدور نهائيا، أما تلك التي لا تزال على قيد الحياة فهي لم تتطور بل بقيت نمطية ورديئة شكلا ومحتوى. أما المجلات التي تصدر عن مخابر الجامعات الجزائرية فهي، رغم كثرتها، نخبوية وشللية غالبا، وتتميز بأنها مجرد منابر لنشر المقالات الجافة الخالية من الابتكار والتجديد.
في هذا المناخ ظهرت إلى الوجود مجلات أسبوعية وجرائد يومية وذلك بعد فتح المجال الإعلامي للقطاع الخاص، ولكن هذه المنابر الأسبوعية واليومية تعتبر الثقافة شيئا ثانويا وفي الغالب تعامل الثقافة بطريقة سيئة للغاية ماديا ومعنويا. إن الأقسام الثقافية، التي لا تتجاوز صفحة واحدة أو صفحتين، تسند لصحافيين وصحافيات مبتدئين لم يتكونوا التكوين الثقافي والفني والفكري الذي يؤهلهم لخلق المناخ الإيجابي، واستقطاب الأقلام الجادة وطنيا وعربيا ودوليا والقيام بتحريك الساحة الثقافية والفنية والأدبية والفكرية، والإشراف على ما ينبغي أن ينشر من إنتاج راق إلا في حالات استثنائية ونادرا جدا.
إلى جانب هذا فإن عدم وجود قانون ينظم العلاقة المادية والأخلاقية بين الكتاب والمبدعين المنتجين وبين وسائل الإعلام التابعة للدولة أو للقطاع الخاص، ويحمي حقوقهم، قد أعطى الفرصة لملاكي هذه المنابر لممارسة أبشع أشكال الاستغلال وفي مقدمتها الاستخفاف بإنتاجهم وعدم منحهم مستحقاتهم، حيث أدى هذا السلوك ولا يزال يؤدي إلى عزوف هؤلاء عن النشر الذي يمثل أحد الشروط الأساسية للحياة الثقافية الإبداعية المزدهرة.
كاتب من الجزائر مقيم بلندن