الاكتئاب اضطراب نفسي يمكن أن ينتقل بالعدوى

هل يمكن أن ينتقل مرض الاكتئاب بالعدوى؟ على الأرجح، ستكون الإجابة عن هذا السؤال أكثر تعقيدا مما نظن؛ من بين مسببات الاكتئاب هي العوامل الوراثية وهي تنقل بوساطة جينات معينة، فالاكتئاب مرض يحدث فجأة ودون سابق إنذار أو أعراض في بعض الأحيان.
الأربعاء 2016/06/22
الاكتئاب يقتل الدافع إلى الحياة والأمل بالغد

حسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن بعض الأفراد قد يكونون من ناحية بيولوجية معرضين للمرض بينما آخرون يصابون بالاكتئاب نتيجة عوامل بيئية أو نفسية أو كليهما معا وبالتالي، فهي لا تشبه العدوى التي تنتقل من خلالها بعض الأمراض من شخص إلى آخر، كما أن الحزن الشديد وهو أهم أعراض الاكتئاب قد يكون قاسما مشتركا وعارضا يتعرض له العديد من الأشخاص، وقد يكون حالة عابرة لا تمت بصلة للاكتئاب النفسي فليس من السهل التفريق بين الاكتئاب النفسي كمرض وبين سوء مزاج عادي.

ولهذا، فإن احتمال إصابتنا بالاكتئاب أو انتقال عدواه لنا من خلال صديق يبث شكواه إلينا ليل نهار، أو زميل في العمل يرتدي قناع التجهم يوميا كجزء رئيس من ملامحه، هذا الاحتمال يبقى ضعيفا إذا ما تأكدنا من حصانة أرواحنا؛ مورّثاتنا، تاريخنا الصحي ومستوى الإجهاد النفسي الذي نتعرض له بسبب ضغوط الحياة اليومية.

وكما هو متعارف عليه في الأوساط العلمية، فإن السلوكات الصحية وغير الصحية تنتقل بوساطة العدوى بين الأصدقاء، كالتدخين وزيادة الوزن وربما اتخاذ قرار الانتحار حيث يفضل البعض اصطحاب أصدقائهم إلى مصير مجهول لخوفهم من الوحدة.

وتؤكد الدكتورة إلين هاندري كيزن؛ وهي طبيبة نفسية في جامعة بوسطن الأميركية، على أن الاكتئاب يحدث في العادة إلى جانب مجموعة من العوارض النفسية والسلوكية منها، التشاؤم، انتقاد الناس، الإخفاقات الاجتماعية وانتشار المعتقدات السلبية التي تتسبب في شيوعه بحيث يصبح من السهولة انتقال هذه الظواهر من شخص إلى آخر، عبر المنظومات الاجتماعية والدينية والثقافية فيشيع بين التلاميذ في المؤسسات التعليمية الواحدة وشركاء السكن، إضافة إلى أطفال من والدين مصابين بالاكتئاب النفسي، اعتمادا على التقارب المكاني والاجتماعي حيث تحدث للآخرين أعراض مشابهة من الاكتئاب.

وفي دراسة سابقة على ذلك، وجد باحثون ظهور أعراض اكتئاب على تلاميذ، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط، على مشاركة زملاء لهم في السكن الجامعي مصابين سلفا بالاكتئاب ويمكن أن تتطور هذه الأعراض لاحقا للإصابة بالمرض وخاصة إذا كانوا متأثرين بأساليب تفكير زملائهم المكتئبين وطريقة رؤيتهم للعالم والأحداث المحيطة بهم.

العدوى لا تقتصر على الأفكار السلبية المسببة للاكتئاب، بل إن المشاعر الإيجابية قد تنتقل بالعدوى من شخص إلى آخر

في حين أمكن إثبات حدوث حالات من الاكتئاب بالعدوى في دراسة أجريت العام 2015 في جامعة بوسطن، على فئران تجارب تم تعريضها على مدى أسابيع إلى ضغوط غير متوقعة وغير مسيطر عليها؛ مثل الاحتفاظ بالأضواء مسلطة عليها لمدة 48 ساعة متواصلة وإراقة المياه على مكان نومها، وبعد أن أصيبت الفئران بأعراض تشبه الاكتئاب بعد تراجع نشاطها الطبيعي وكميات الطعام التي تستهلكها، وفي مرحلة ثانية من التجربة، تم نقل بعض الفئران المصابة بالمرض إلى غرف جديدة نظيفة ومضاءة بصورة جيدة لمشاركتها مع فئران آخرى جديدة لم تتعرض لظروف المرحلة الأولى من التجربة، وفي غضون أسابيع قليلة أظهرت الفئران الجديدة أعراض اكتئاب مشابهة نتيجة لمشاركتها الفئران القديمة العيش في مكان واحد.

وعلى الرغم من أن التجربة على الفئران لا يمكن أن تطبق على الإنسان، إلا أنها تجربة تستحق الاهتمام وفيها بعض المنطق ومع الوقت يمكن أن تثبت جدواها، فالسلبية التي تولد شعور الاكتئاب يمكن أن تنقل تأثيرها إلى الشريك أو الصديق الذي يتبنى السلبية ذاتها.

هل يعني هذا أن ننهي علاقتنا فورا بالصديق أو الشريك الذي يحمل أعراض الاكتئاب، لحماية أنفسنا من العدوى؟. ترى الدكتورة كيزن بأن سؤالا من هذا النوع لا يمكن أن يجيب عليه إلا الشخص نفسه، فهو الذي يستطيع تحديد ماهية علاقته بالآخرين وخاصة المقربين منهم، وجدوى الانفصال أو البقاء ضمن حدود هذه العلاقة.

ومن ناحية أخرى، ينصح متخصصون بضرورة مفاتحة الشخص المقرب المصاب بالاكتئاب لغرض طلب المساعدة، مع ما تتطلبه هذه الخطوة من شجاعة لا يمتلكها البعض ولهذا فإننا قد نقع في حيرة بشأن من سيكون الأجدر بالإنقاذ؛ قريب أو شريك لا يمكنه مساعدة نفسه أو طلب المساعدة من المتخصصين أم إنقاذ أنفسنا من الوقوع في شرك هذه الأعراض المزعجة التي يمكنها أن تتحول بالفعل إلى مرض قد نعاني منه ولا نجد من يمد لنا يد المساعدة، فالاكتئاب قد يقتل الدافع إلى الحياة والأمل بالغد والرغبة في العمل ويصرفنا عن ممارسة يومياتنا الطبيعية ويمنعنا من طلب المساعدة.

ويرى متخصصون بأن العدوى لا تقتصر على الأفكار السلبية المسببة للاكتئاب، بل إن الأفكار والمشاعر الإيجابية قد تنتقل بالعدوى من شخص إلى آخر والأمثلة على ذلك كثيرة، فالاندفاع والحماس اللذان يصيبان جمهورا رياضيا يشاهد مباراة كرة قدم نهائية ينتقلان بسرعة البرق من شخص إلى آخر يجلس إلى جانبه، كذلك الحال مع متابعين لحفل موسيقي، الهدوء الذي يعم أفرادا جالسين في قاعة رياضية يمارسون فيها اليوغا والابتسامات المتبادلة بين الغرباء التي يبدأها في العادة أحدهم، هذا الأمر ينطبق بالتأكيد على زملاء العمل الذين يسعون للتفكير بدافعية وإيجابية أكثر، والذي يبدو تأثيره واضحا في دافعية زملائهم الجدد وحماسهم ونشاطهم للعمل والإبداع.

وفي النتيجة، تؤكد العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية على أن المشاعر والأفعال الإنسانية معدية بصورة كبيرة، سواء أكانت سلبية أو إيجابية وإذا كانت الإيجابية منها تمثل قوة دفع وحث للجماعة، فإن السلبية منها تمثل قوة تعطيل ومنع لممارسة الحياة بكل أشكالها؛ على مستوى العمل والأسرة وفي محيط اجتماعي ضيق أو على نطاق أوسع.

21