الجزائر: تعديل وزاري لإدارة الأزمة المركبة
التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة السبت الماضي يكشف عن إفلاس النظام في تسيير البلاد من جهة، وعن مواصلته التخطيط لتنفيذ سيناريو البقاء في السلطة من جهة أخرى.
لا شك أن الوزراء القدامى، الذين احتفظوا بحقائبهم الوزارية في هذا التعديل، وكذا الوزراء الجدد، ينتمون جميعا إلى أجهزة النظام الحاكم ولا توجد بينهم شخصيات خارج سربه أو محسوبة على ما يسمى بالمعارضة المعتدلة أو على المجتمع المدني المحايد. وهكذا يبدو واضحا أن معايير الجهوية والولاء المطلق للرئيس بوتفليقة وجماعته لا تزال سيدة الموقف في المشهد السياسي الجزائري، وهذا يعني في الأخير أن السياسة الجزائرية لم تتقدم منذ عقد ونصف خطوة واحدة باتجاه تغليب شرعية الوازع الوطني والشراكة في إدارة شؤون الدولة على منطق الشللية والعصبية الذي يتناقض مع مبدأ التعددية السياسية ومع شعار المصالحة الوطنية المرفوع منذ سنوات، والذي بموجبه ينبغي التخلي عن الانقسامات التي تعتبر عرضا ونتيجة العشرية السوداء.
وهنا نتساءل: لماذا هذا التعديل الوزاري الجزئي النمطي الذي لا يعني في الجوهر أي تغيير حقيقي سواء في أساليب التسيير لمحاربة الفساد المالي والإداري، ولاحتواء الأزمة المركبة التي تعصف بالبلاد أو في التوجه السياسي داخليا وخارجيا؟ ولماذا تعيين بوعلام بسايح، البالغ من العمر 86 سنة، وزيرا للدولة ومستشارا خاصا وممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية علما أن هذا الرجل لم يعد قادرا على العمل بحكم شيخوخته، وفضلا عن ذلك فهو من الأشخاص الذين تولوا منذ الاستقلال مناصب عليا في البلاد وشاركوا فعليا في معاداة التعددية الحزبية، وفي التنكر لحقوق البربر (الأمازيغ) الثقافية واللغوية، وفي خلق وتكريس مختلف الأزمات التي عمقت التخلف في الجزائر، وأشعلت فتيل الصراعات التي أدت إلى الغرق في وحول العشرية الدموية؟ إن المجيء بهذا الرجل إلى أعلى موقع سياسي في أروقة الرئاسة بقصر المرادية وإسناد منصب كبير له كممثل لرئيس الدولة ستكون له تداعيات كثيرة على المسار السياسي الجزائري راهنا ومستقبلا.
ولتوضيح الأمر فإنه من الضروري تقديم سيرة سياسية للسيد بوعلام بسايح الذي ينتمي إلى الغرب الجزائري الذي أخذ ولا يزال يأخذ حصة الأسد في المشهد السياسي الجزائري منذ تولي الرئيس بوتفليقة الحكم في البلاد، فقد عمل سفيرا في العديد من الدول الأوروبية والعربية كالقاهرة وأبوظبي والكويت بعد الاستقلال، وبعد ذلك تقلد منصب الأمين العام للخارجية الجزائرية سنة 1971 حتى سنة 1979 ثم شغل عدة مناصب حكومية كوزير للتكوين المهني وبعدها وزيرا للثقافة ووزيرا للبريد ووزيرا للخارجية سنة 1988، وفي عام 1997 أصبح عضوا بمجلس الأمة ثم سفيرا للجزائر بالمغرب حتى سنة 2005، كما تمَ تعيينه رئيسا للمجلس الدستوري أعلى هيئة قضائية بالبلاد.
القراءة الهادئة لتعيين بوعلام بسايح في منصب مثلث الأضلاع، أي كوزير للدولة وكمستشار خاص وممثل شخصي لرئيس الدولة، يمكن أن تكشف عن عدة سيناريوهات مخططة بإحكام، منها تقليص نفوذ أحمد أويحيى الذي يشغل منصبين في آن واحد وهما الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومدير ديوان الرئيس بوتفليقة. لا شك أن تقليص نفوذ أويحيى يمثل بداية لتحجيمه خاصة وأنه يقدم نفسه بشكل غير مباشر في الغالب أنه يجمع بين خاصيتين وهما الولاء للرئيس بوتفليقة، والطموح البراغماتي المتستر للوصول إلى منصب رئيس الجمهورية مستقبلا في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2019.
تفيد التحليلات السياسية أن هناك عوامل أخرى تكمن وراء تحجيم أحمد أويحيى في مقدمتها الخلافات الحادة التي بدأت تطفح على السطح بينه وبين عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يعتبر من المقربين للرئيس بوتفليقة وحاشيته، وفي المقدمة سعيد بوتفليقة الذي يحرك خيوط الرئاسة من وراء الستار. وهناك احتمال آخر يبدو في الأفق ويتمثل في إمكانية تعيين بوعلام بسايح في المستقبل كوزير أول محل الوزير الأول الحالي عبدالمالك سلال الذي يتوقع أن يقدم في المستقبل كمرشح النظام الحاكم للانتخابات الرئاسية القادمة بعد فشل أجهزة النظام في تسويق صورة شخصية سياسية أخرى ليكون صاحبها خليفة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
يمكن للنظام الحاكم في الجزائر أن يراهن على عبدالمالك سلال لضمان سيطرته على الحكم بعد انتهاء ولاية الرئيس بوتفليقة لأسباب كثيرة، منها أنه شخصية غير حزبية مثقلة بالولاء الحزبي والعقائدي كما أنه ينتمي إلى الإثنية الأمازيغية التي توظف، باستمرار، في الحياة السياسية الجزائرية، وإلى جانب ذلك فقد تولى عدة مرات إدارة الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة وأثبت خلالها ولاءه له، وفضلا عن كل هذا فإنه قد تقلد منذ العام 1975 مناصب حساسة في أجهزة النظام منها منصب وزير لعدة وزارات من 1998 لغاية 2012 ثم منصب الوزير الأول منذ 3 سبتمبر 2012 إلى يومنا هذا.
السبب الحقيقي الذي كان وراء الاستغناء عن عبدالرحمان بن خالفة كوزير للمالية في هذا التعديل الوزاري، يتمثل في عدم رضى النظام عن تخليه عن بزة الوزير الذي يبرر ويسوغ الوضع واستبداله بدور المحلل الاقتصادي من خلال تصريحاته المتكررة التي يدلي بها لوسائل الإعلام الجزائرية عن حقيقة الأزمة الاقتصادية التي تهدد وجود النظام الجزائري. أما إقالة عمار غول من منصبه فإن التسريبات تؤكد أنه سيعين قريبا سيناتورا في مجلس الأمة، ومن المحتمل أن يخلف عبدالقادر بن صالح الرئيس الحالي لهذا المجلس والذي يعاني من الأمراض المزمنة، علما أن هذه التسريبات تنطلق من أن عمار غول المدعو بعميد الوزراء الجزائريين هو ابن مدلل للرئيس بوتفليقة ويرأس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) الموالي للنظام.
كاتب جزائري