لماذا تفتقد المعارضة الجزائرية إلى الشرعية الشعبية
من حين لآخر يقرأ المرء تحليلات سياسية متسرعة وبعيدة عن حقيقة الواقع السياسي الجزائري، وفي هذا الأسبوع صدر عن المركز العربي للأبحاث والسياسات الذي ينشط في الدوحة بقطر تقرير من وضع الباحث ماهر قنديل يعترف فيه أن الجزائر “تشهد حراكا سياسيا مهما تؤدي فيه السلطة والأحزاب والمجتمع المدني والإعلام دورا مؤثرا، وقد يقود في آخر المطاف إلى العبور من السيطرة العسكرية إلى سيادة المجتمع المدني”.
من الواضح أن جل المعلومات التي تضمنها هذا التقرير قديمة ومستهلكة وهي في أغلبها من نشر الوسائل الإعلامية الجزائرية الموالية للنظام الحاكم وهي تخدم أهدافه وخططه المعلنة والسرية في آن واحد. إن مثل هذه القراءة لواقع سياسي شبه جامد تخفي حقائق كثيرة. وهنا نتساءل: أين هذا الدور الذي تؤديه المعارضة الجزائرية حتى تكون مؤهلة لقيادة المجتمع من جهة، ولتشكيل قوة ضاغطة فعلية بموجبها تكون بديلا لسياسات النظام وتطبيقاته، والذي أدخل الجزائر في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية بنيوية؟
ثم أين هذا المجتمع المدني الجزائري المستقل والفاعل والذي يملك القدرة المادية والرمزية التي تسمح له بممارسة الرقابة السياسية والتأثير في الانتخابات وفي القرارات التي تتخذها السلطة؟ وكيف يمكن لعاقل أن يستنتج من بعض التغييرات الطفيفة في جهازي الأمن والجيش، التي نفذت في الشهور الأخيرة لصالح النظام نفسه، أن الجزائر على طريق بناء الدولة المدنية التي تخلو من تدخلات هذين الجهازين في الشأن السياسي وحتى في الحياة العامة؟
لا شك أن جميع الدلائل تشير إلى أن النظام الجزائري في الوقت الراهن يتحرك بمرونة عن طريق “التجييش” اليومي المنهجي لوسائل الإعلام التابعة له ولتلك التابعة للقطاع الخاص المتناغمة معه، لتفنيد جميع الخطابات التي تقول بوجود الفراغ السياسي الناشئ جراء مرض رئيس الجمهورية الذي أبعده عن الإشراف على شؤون البلاد. وهكذا نجد هذه المنابر الإعلامية تشن الحملات المركزة وتتهم المعارضة بــ”فبركة” هذا الفراغ السياسي، وفي هذا المناخ تبرر كل من أحزاب الموالاة والحكومة التنفيذية هذا النمط من المنطق بعدة حجج منها استتباب الأمن في البلاد بنسبة معقولة، ونجاح المصالحة الوطنية، والتحكم في عاصفة الأزمة الاقتصادية علما أن النظام الجزائري يقدم نفسه كضحية، حيث يلقي اللوم باستمرار على الأسواق العالمية باعتبارها هي التي تسببت ولا تزال تتسبب في انخفاض أسعار المحروقات.
هذه التحركات التي يقوم بها النظام الجزائري ترمي إلى سحب البساط من المعارضة وإلى تقديم نفسه كحارس أوحد للمصلحة الوطنية. وفي التحليل الأخير فإن تكتيكه المضمر يرمي إلى كسب معركة الهيمنة عن طريق تلميع صورته أمام الرأي العام الوطني الذي لم يجد إلى يومنا هذا قيادة بديلة يثق فيها ولها مشروع وطني يضع المجتمع الجزائري على سكة التطور والتحديث في جميع المجالات الحيوية.
إن الذي لا تدركه المعارضة الجزائرية فعلا هو أن النظام الجزائري قد اختار سياسة امتصاص النقد الذي يوجه إليه بشكل محتشم وبطرق عشوائية لا تستند إلى الحجج العلمية وإلى قراءة صحيحة للمشكلات الكبرى التي تلحق الضرر بالمجتمع الجزائري. ومن المؤسف أن المعارضة الجزائرية تحصر نشاطها في إلقاء الخطب وفي المراهنة على التصريحات التي تدلي بها لوسائل الإعلام، حيث أنها لا تنزل إلى الميدان لمشاركة الشعب معاناته وفي رسم مستقبل البلاد. في ظل هذه السلبية نرى النظام الجزائري يعمل بطريقته الخاصة على إعداد المخططات على نار هادئة ووفق سيناريو محكم يضمن له إجراء الانتخابات التشريعية (البرلمانية) في عام 2017 بصورة تضمن لأحزاب الموالاة وللشخصيات المدنية المتحالفة معه الفوز بها بالأغلبية، ومن ثم يبني على نتائجها لتمرير الانتخابات الرئاسية على نحو يحقق له البقاء في الحكم بعد انتهاء العهدة الرابعة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
إن نقاط الضعف التي يستغلها النظام الجزائري تتلخص في عدة عناصر؛ منها غياب معارضة موحدة لها قاعدة شعبية في الجزائر العميقة تؤمن بها وتربط مصيرها بها. ولا شك أن الانتخابات السابقة قد بينت هذا الضعف، إذ لم تتمكن الشخصيات المرشحة من طرف أحزاب المعارضة من هز شباك السلطة، ولم يحقق رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس المرشح الحر، الذي ما فتئ يقدم نفسه باستمرار كحصان الرهان، أي اختراق يذكر في الانتخابات الرئاسية السابقة حتى في منطقة الأوراس التي ولد ونشأ فيها والتي يعتبرها حصنه الحصين.
بالإضافة إلى ما تقدم فإن أحزاب المعارضة التي يتكهن تقرير المركز العربي للأبحاث والسياسات بإمكانية فوزها بالانتخابات البرلمانية القادمة في 2017 لا يجمعها رابط عقائدي يمكن أن يكون قاسما مشتركا جامعا، وأكثر من ذلك فإن المشكلة الكبرى التي تعاني منها قيادات هذه الأحزاب ليست هينة، لأن معظم رؤساء الأحزاب المعارضين من إنتاج النظام حيث كانوا جزءا عضويا من تركيبته وشغلوا مناصب الحل والربط في مختلف أجهزته التنفيذية والسياسية في الماضي، وهو الأمر الذي يذكّر الشعب الجزائري بما ارتكبوه من فساد إداري وسياسي واقتصادي.
أما ما يسمى بالمجتمع المدني، الذي يتحدث عنه تقرير المركز العربي المذكور ويصفه باللاعب السياسي في الجزائر، فإنه من الناحية العملية معدوم كقوة ضغط فضلا عن تشتته وغرقه في العمل المناسباتي وهو غير منظم في جزئه الأكبر، وفضلا عن ذلك فإن معظم الروابط الثقافية والجمعيات ذات الطابع المهني غير مستقلة عن النظام ماديا وتنظيميا. علما أنه هو الذي أنشأها ليزين بها واجهته وليقدم نفسه كمناصر للتعدد السياسي والثقافي، ولكنه في الجوهر يوظفها بطرق ملتوية كما يتحكم في حركاتها ونشاطاتها ويستخدمها غالبا لتحقيق مآربه.
كاتب جزائري