ذكريات الطفولة القاسية.. الشفاء من الصدمة والتخلص من أعباء الماضي

يتذكر العديد من الناس مرحلة الطفولة باعتبارها مرحلة سعيدة وهانئة في حياتهم، مسكونة بمشاعر محبة وذكريات ناعمة مع الأهل والأجداد كما يتذكرها الآباء والأمهات باعتبارها أمتع الأوقات، حيث تشكل ولادة طفل جديد في الأسرة حدثاً في منتهى السعادة، والأجمل منه المشاعر المرتبطة برعاية هذا الطفل، ومتابعة نموه حتى يبلغ مرحلة الشباب.
تستعرض الدكتورة مارلين برايس ميشيل – الأستاذة في معهد الابتكار الاجتماعي ومتخصصة في التنمية البشرية في جامعة سانتا باربرا في ولاية كاليفورنيا الأميركية – نتائج دراسات حديثة تؤكد على أن معدلات الصحة النفسية لطلاب بعض الجامعات الأميركية قد سجلت أدنى مستوياتها من خلال النتائج التي استخدمت هؤلاء الطلاب فيها كعينات للبحوث المتخصصة، حيث سجلت زيادة مطردة في مستويات القلق والاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة.
وترى شارون ستانلي – وهي أستاذة في الطب النفسي – أن رفع أعباء الماضي بكل ما يحمله من ذكريات مريرة يعتمد على أهمية تبادل هذه الخبرات المؤلمة مع أولئك الذين لديهم استعداد نفسي لأن يسمعونا ويتواصلون نفسياً مع شكوانا وهمومنا.
متخصصون ينصحون الأهل والمربين بضرورة خلق طقوس وأماكن آمنة للأطفال للتعبير عن أنفسهم
هذا الكتاب الذي رُصد لاستخدام المتخصصين في العلاج النفسي، يذكرنا بالدور المهم الذي يلعبه الآباء والأمهات والمعلمون والمرشدون النفسيون في تقديم العون للأطفال، لانتشالهم من التأثيرات السلبية التي تتركها على أرواحهم أحداث وصدمات الطفولة.
وترى ستانلي أن الأطفال غالباً ما يربطون بين مشاعرهم وأجسادهم، ونحن عندما نخلق هذا النوع من الحوار المباشر مع الطفل فإننا سننظر إلى مشكلته عن كثب أكثر ونستمع له بشكل أكثر دقة، وعندما يصبح هذا الطفل واعياً بما يعانيه جسده، إضافة إلى أعراضه النفسية، ستصل رسائل الوعي هذه مباشرة إلى الدماغ ومن شأنها أن تدفع الدماغ إلى إرسال إشارات مقابلة إلى أجزاء الجسد لتستعيد نشاطها.
وينصح متخصصون الأهل والمربين بضرورة خلق طقوس وأماكن آمنة للأطفال للتعبير عن أنفسهم، واستكشاف مشاعرهم وذلك بتوجيههم إلى آفاق المعرفة والفنون والموسيقى والرقص والممارسات التأملية بشكل يجسد للطفل ما يعنيه أن يكون إنسانا، وهذه الأمور من شأنها أن تعمل على توظيف أجزاء المخ المسؤولة عن تحويل مشاعر مثل الخوف إلى حب وثقة وتسهل عملية النمو والتطور.
من ناحيتها، تتطرق الدكتورة مارلين برايس ميشيل في كتابها “صُناع التغيير” إلى أن الآليات الثلاث السابقة يمكنها أن تكون ممارسات يومية يتبناها الأهل والمربون، في محاولة لمساعدة الأطفال والمراهقين على تخطي الصدمات النفسية، ولكن يحتاج الطفل في بعض الأحيان إلى مساعدة يقوم بها متخصصون في المجال النفسي، إذا كانت تجربته عميقة ومعاناته كبيرة خاصة أن مدارس العلاج النفسي تعتمد في مثل هذه الحالات لغة التواصل والتفهّم الجسدي بين طرفي العلاج وهي طرق حديثة في هذا المضمار حققت نتائج جيدة وملموسة.
وتنصح ميشيل الكبار أيضا بمحاولة البحث عن علاج لتجاربهم الشخصية، فالأوان لم يفت بعد ويمكن لجروح الطفولة أن تلتئم بقليل من الوعي الاهتمام.