الشاعر العراقي كاظم خنجر: القاتل ضحية أيضا

نحن الضحايا الذين نرى أنفسنا في فضاءات القص الشعري الذي تمارسه نزهة الشاعر كاظم خنجر، هكذا أطلق اسما لديوانه الأول “نزهة بحزام ناسف”، من هذا المدخل الإشكالي اتخذ الشاعر عتبة يأوي إليها في سخرية واضحة من الموت وفي ذات الوقت هناك إجلال له رغم أنه فقد هيبته في البلاد كلها، المجموعة التي يقول عنها كاظم خنجر المولود في بابل بالعراق عام 1990، إنها حصيلة العمل في مشروع “ميليشيا الثقافة” الذي يقوم على الشعراء مازن المعموري، وعلي ذرب، ومحمد كريم، بالإضافة إلى ضيفنا.
يقول ضيفنا “يعمل الأصدقاء في هذا المشروع على تحويل الشعر إلى لغة متداولة في الحياة اليومية، فذهبوا معا إلى أماكن القصف وحقول الألغام والمقابر الجماعية والسيارات المفخخة والمفاعل النووي وأقفاص مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش، معاينة للجرائم اليومية التي يقترفها القاتل بعد أن يجد ضحية أبطأها المسير، تلك المعاينات التي أنتجت اليوم “نزهة بحزام ناسف” وستنتج قريبا مجاميع تغلق الدائرة المفتوحة لميليشيا الثقافة”.
ويتقن الشاعر كاظم خنجر التربص بالموت المجاني والمقصود في سردِه العفوي، من خلال لغة عارية إلا من الموت الذي سكن البلاد، آخذا من كل الأبواب المشرعة مدخلا بعد انهيار العقد الاجتماعي الذي لا يخشى الشاعر محاكمته في متن الديوان.
قصة الرحيل المعلن بصور شتى استحضرتها المجموعة، الصادرة عن دار خطوات في هولندا، ويتحدث كاظم خنجر عن رحلة لاختيار عنوانها والمفاضلة بين “تاجر أعضاء بشرية” و”منذ شهور لم تنفجر سيارة مفخخة” وغيرها، حتى حط به القرار في منزله ليكون العنوان النهائي “نزهة بحزام ناسف”، في ظل العيش اليومي تحت رحى المجازر والخراب والقتل، فالانتحاري وحده من يستطيع إيجاد توازن ذاتي داخلي في ظل توقع الموت من كل اتجاه، في السوق، وفي البيت، وفي الجامعة، وفي العمل.
كاظم خنجر يقدم عرضا لمشهد الخراب الكلي، مع محاولته ترك مسافة واضحة بين "الدمار" وبين الحالة السياسية شعريا
تفاصيل قاسية
يبحر خنجر في تفاصيل يومية باعتياد الأشياء فيها، فيعمل على إعادة إنتاجها بقالب ساخر، وهنا نسأله عن رؤيته لتحول تفاصيل الموت إلى مفردات شعرية، ليقول “عندما لا يرى الشاعر في حياته غير تفاصيل الموت وأنواعه وأشكاله، عندها سيكون شاذا أو مريضا نفسيا إن لم يكتب عن كل هذا”، فالمعادلة هنا- كما يراها ضيفنا- عكسية.
ويتابع “الكاتب الذي لم يشاهد جثة مفتتة أو تلالا من الرؤوس المقطوعة في حياته، سيكون شاذا إن تحدث عنها ووصفها، كذلك الكاتب الذي يرى الجثث المفتتة وتلال الرؤوس سيكون شاذا إن تحدث عن الوردة أو النافذة وغير ذلك من مفردات الحياة الطبيعية التي لم يصادفها في حياته أبدا، يصف كاظم هذه الحالة بأدب الحقيقة الذي قدمت له مجموعة ميليشيا الثقافة من خلال نصوص المجموعة عبر وثائق ومشاهدات ومعايشات يومية لما يحدث من مجازر مفتوحة وطرائق موت عجائبية في العراق”.
البحث عن ضحية
في البحث ضمن بنية النصوص يلاحظ أن ارتكاز الموسيقى عند الشاعر ناجم عن تكرار مفردات معينة في نصوص عديدة، أو في ذات النص، مما يغذي إحساس التوقع الشعري لدى المتلقي، وهذا ما يقودنا لسؤال كاظم خنجر عن تأثره بالشعر العربي القديم رغم كتابته الحداثية التي يحاول من خلالها التمرد، ليقول إن كل ذلك قائم على الصدفة البحتة، خلقه الانتصار للموضوع ووحدته الكاملة من خلال نبذ الشكل التقليدي، لأن ضيفنا يعتقد أن الشكل الذي يكتبه هو القادر على حمل الخطاب الذي يود إيصاله من خلال القصيدة.
|
رغم كل تلك التفصيلات إلا أن البحث عن ضحية، هو العنوان الأبرز لكل نصوص الديوان، ورغم وجود الضحية إلا أنها غير واضحة المعالم، فهل جاء هذا الأمر مقصودا؟ وهنا يرى ضيفنا أن عدم الوضوح في معالم الضحية ناجم عن كون القاتل ضحية أيضا لفكرة الإجرام، فثنائية القاتل والضحية غير موجودة لدى خنجر، الذي يؤمن بوجود قاتل وقاتل آخر فقط، يعزو ذلك إلى حالة الديكتاتورية والطائفية التي اشتغلَت على تحويل الجميع إلى قتلة دون شعور جمعي مباشر، فالكل غارق في الدم وفي ذات الوقت الكل يردد في نفسه أنه ضحية.
سخرية من الخراب
يقدم كاظم خنجر عرضا لمشهد الخراب الكلي، مع محاولتِه ترك مسافة واضحة بين الحدث “الدمار” وبين الحالة السياسية شعريا، وهذا ما يقودنا لسؤاله عن الفصل -كشاعر- بين الحدث ونتائجه أو مسبباته؟، ليقول “إنه لا توجد حالة سياسية يمكن نقدها أو معالجتها في العراق”، يختصر ضيفنا المشهد على اللصوص والقتلة من الطوائف والديكتاتوريين الصغار غير القادرين على إيجاد حالة سياسية، وفي ظل هذا الذي يعيشه المواطن هو حضور متواز للحدث ونتائجه ومسبباته، وهو -المواطن- يدور بالنتيجة وسط خليط من الفوضى بحيث لا يمكنه الفصل بين الحدث والسبب والنتيجة.
وبكثير من التهكم يتابع ضيفنا أن الحياة تسير بسرعتها القصوى في العراق، بحيث لا تترك مجالا لكل تلك التفاصيل، فكاظم خنجر لم ينه السادسة والعشرين عاما، وقد شهد الدخول إلى الكويت وحرب الخليج، سنوات الحصار، الاحتلال الأميركي عام 2003، والاقتتال الطائفي، ودخول مقاتلي داعش إلى المدن العراقية، كل هذا فقط حدث في 26 سنة، ولكل حدث من هذه المراحل مجازره الخاصة وتفاصيله القاتلة وأسبابها ونتائجها.