العربية أكثر لغات المجموعة السامية انتشارا

تعليم اللغة العربية الذي يمر عبر بوابة المناهج الأوروبية التي يدرسها الطفل في مدرسته اليومية، سيجعل تعليم العربية للأجيال الجديدة أكثر قرباً من الطفل الذي يكون أيضاً أكثر استعداداً لتعلُّمِها واستخدامها بشكل يومي.
الخميس 2019/12/19
اهتمام متزايد بتعلم العربية

انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقبال الرئيس التركي لنظيره الإيراني، حيث تخاطبا باللغة العربية عند بداية اللقاء بينهما، العنوان الأفضل لهذا الفيديو هو “اليوم العالمي للغة العربية”، فالثقافات واللغات التي لعِب التاريخُ دوراً بأن تكون العربية إحدى أهم ركائزها؛ تدرك أنها إذا خرجَت من عباءة الثقافة العربية “الإسلامية” ستشعر بالبرد.

هذا ليس تضخُّماً في الأنا وإنما هو إدراك مباشر لقيمة اللغة العربية وما قدَّمته للشعوب غير الناطقة بها، باعتبارها أكثر لغات المجموعة الساميّة انتشاراً في العالم بحسب موقع الأمم المتحدة عبر الإنترنت الذي يشير إلى أنَّ هناك أكثر من 422 مليون متحدث بهذه اللغة، ولا شكَّ أن العبادات التي أقرَّها الدين الإسلامي بصورة يومية أدَّت إلى ترسيخ استخدام العربية عند غير الناطقين بها من الشعوب المسلمة، لكنَّنا هنا أمام دخول تدريجي لمفردات اللغة العربية إلى اللغات الأخرى باعتبارها لغة تتم ممارستها يومياً؛ حتى وإن كان هذا التواجد على صعيد روحاني يتصل بالشعائرية الدينية.

واقع اللغة العربية في السنوات الأخيرة يشبه إلى حد كبير حال أمتنا من المحيط إلى الخليج، لكنني هنا سأتحدث عن اللغة العابرةً للجغرافيا والبحار، فمنذ خمس سنوات صار الحضور العربي ملحوظاً في شوارع المدن الأوروبية، نتحدث هنا عن جيل جديد ينشأ في هذه المدن ومعه قطيعةٌ تعزَّزَت بفعل تسارع الأحداث وتعقيداتها على الضفة الأخرى من المتوسط، هذا الحال دفع بكثيرين للتفكير بتأسيس مدارس لتعليم اللغة العربية لأبناء اللاجئين الواصلين خلال السنوات القليلة الماضية.

فكرةٌ جاهزةٌ للبدء في هذا المشروع ضمن أي تجمُّع “غيتو” عربي في المدن الأوروبية، رغم أن المساجد التي تم تأسيسها مع وجود الجالية العربية في وقتٍ سابق لموجات اللجوء الأخيرة تقوم بتقديم هذه الخدمة ضمن برنامج تعليم الشعائر الدينية الإسلامية، لكن ما فعلته جامعة بروكسل الحرة كان مختلفا حيث أعلنت عن تنظيم برنامج لتعليم الأطفال اللغة العربية عبر ثلاثة مراكز أساسية في العاصمة البلجيكية.

تقوم فكرتها على تأسيس منهاج تعليمي متطابق مع المنهاج التعليمي في بلجيكا، بمعنى أن يتعلم الطفل طيلة الأسبوع معاني كلمات وتراكيب وأساليب حسابية باللغة المستخدمة في مكان الإقامة، ليأخذ ذات الجُرعة التعليمية عبر منهاج حمل اسم “ألف” باللغة العربية مع نهاية الأسبوع ضمن مدارس جامعة بروكسل الحرة الثلاث.

مناهج تعليمية مختلفة
مناهج تعليمية مختلفة

هذا المشروع مرَّ على تأسيسه الآن ثلاث سنوات ولم يقتصر على استقبال الطلبة من عائلات العرب المقيمين في بلجيكا، بل وضع ضمن أهدافه الرئيسية استقطاب الأطفال البلجيكيين ليكونوا ضمن الطلاب باعتبار اللغة العربية لغة عالمية، ومشروع المدارس هذا تم تطبيقه العام الحالي في إقليم فلاندرز البلجيكي بالتعاون مع منظمة “فرص اللاجئين” في مدينة “خِيل” البلجيكية، حيث تم افتتاح مدرسة آفاق للغة العربية التي انطلقت بثلاثة صفوف في خطوتها الأولى، وهناك مشاريع أخرى مشابهة شاهدتها في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن وعلى أطراف العاصمة الهولندية أمستردام.

إن تعليم اللغة العربية في القارة الأوروبية للأطفال يجب ألا يتم بمعزل عن الثقافة المحلية لبلد الإقامة الجديد، فمراعاة ذلك يضمن التصاقا بين الطفل وبين اللغة ليس باعتبارها لغة لممارسات دينية فقط، خاصة أن الطفل – من خلال مشاهداتي اليومية – يتشرَّبُ الثقافة الجديدة في كل لحظة من المجتمع المحيط حتى وإن مارست العائلة ضبطا لاستعمال العربية في المنازل، لتكون عنده  اللغة العربية، في مرحلة ما، هي لغة محصورة بين جدران بيت العائلة.

والعائلة العربية في أوروبا تدرك أكثر من غيرها أهمية تعليم اللغة العربية لأطفالها باعتبارها ليست فقط أبجدية يرسمها الطفل أو حروف ينطقها بغرائبية تتصل مباشرة بالحروف اللاتينية، وإنما باعتبارها تشكِّلُ الذهنية التي تنبعُ منها ردود الأفعال على الأشياء وباعتبارها الفضاء الذي تحدِّثُ به العائلة نفسها بمختلف أفرادها.

أعتقد أنَّ تعليم اللغة العربية الذي يمر عبر بوابة المناهج الأوروبية التي يدرسها الطفل في مدرسته اليومية، سيجعل تعليم العربية للأجيال الجديدة أكثر قرباً من الطفل الذي يكون أيضاً أكثر استعداداً لتعلُّمِها واستخدامها بشكل يومي، رغم أن الوجبة التعليمية في المدارس العربية تقتصر على يومٍ واحد في الأسبوع.

العالم يحتفي بيوم 18 ديسمبر من كل عام باللغة العربية باعتبارها من ضمن اللغات الرسمية للعمل في الأمم المتحدة، وأبناؤها يبحثون عن آليات جديدة للحفاظ عليها لدى أجيالهم القادمة في بلدان انتشارهم التي فرضتها الأقدار عليهم تحت ظروف الحياة وتكاليفها القاسية.

21