حروف تقصم ظهر الوطن

الجمعة 2016/05/06

تعاني الثقافة في الجزائر جمودا منقطع النظير حيث أصبحت مختزلة في بضع ندوات شعرية ونقدية مرتجلة وسطحية، لا يحضرها إلا عدد قليل من الناس جراء ضعفها وتكرار نفس القضايا والموضوعات وأسماء الكتاب والشعراء والقصاصين والروائيين. أما الملتقيات الأكاديمية النخبوية ذات الطابع الثقافي فإنها موسمية وتحدث في مدرجات الجامعات والمعاهد العليا موصدة الأبواب.

أما العروض المسرحية والسينمائية التي تقدم فلا جديد فيها، كما أنها نادرة وقليلة. نتيجة لكل هذا صارت الثقافة في المشهد الجزائري شاحبة وهزيلة.

في هذا المناخ الراكد برزت في هذه الأيام مشكلة خطيرة فعلا وتتمثل في الصراع الدائر حاليا بين تيار المعربين وبين التيار الفرانكفوني حول الحروف التي ينبغي أن تكتب بها اللغة الأمازيغية، بعد ترسيمها كلغة وطنية ورسمية. فالتيار المعرب يدعو إلى كتابة اللغة الأمازيغة بالحروف العربية وحجته في ذلك أن هذه الحروف تستوفي كل الشروط اللسانية من حيث اللفظ وسهولة التدوين، كما أن ذلك سيخلق وضعا نفسيا مريحا وموحدا للجزائريين. أما التيار الأمازيغي الفرنكوفوني المتطرف فيرفض كتابتها بحروف التيفيناغ الأصلية أو بالحروف العربية، ويصر على كتابتها بالحروف اللاتينية، علما أن هذه الحروف لا تتلاءم ألسنيا مع خصوصية التركيبة الصوتية للغة الأمازيغية.

إلى جانب هذين التيارين هناك دعوات متفرقة هنا وهناك يدعو أصحابها إلى كتابة اللغة الأمازيغية بحروف التيفيناغ الأصلية القديمة، ويستند أصحاب هذه الدعوة في ذلك إلى حجة تاريخية وهي أن هذه اللغة لم تكتب عبر تاريخ الجزائر القديم بالحروف العربية أو بالحروف اللاتينية، كما يرافعون بالقول بأن تجريد الأمازيغية من حروفها الأصلية يعني ضرب فرادة الهوية الثقافية الأمازيغية (البربرية) في الصميم. وفي الحقيقة فإن التيار الفرنكوفوني المدافع دائما عن التركة الاستعمارية الفرنسية قد عمل على مدى سنوات طويلة وتمكن فعلا من فرض الحروف اللاتينية على اللغة الأمازيغية، ورغم ذلك فقد فشل عمليا فشلا ذريعا في جميع المجالات وخاصة في جمع التراث الثقافي الأمازيغي الجزائري وتحقيقه ونشره وترجمته إلى اللغة العربية واللغات الحية الأخرى، كما لم يقم بتأسيس دور النشر، والصحف والمجلات ومراكز الترجمة المتخصصة جميعا في الشأن الثقافي الأمازيغي.

والأدهى والأمر هو أن هذا التيار لا تهمه الثقافة الأمازيغية وإنما يختبئ وراء المطالب الثقافية الأمازيغية لفصل المنطقة الأمازيغية وتأسيس دولة خاصة به وبأتباعه.

من الواضح هو أن فرض هذا التيار عن عمد، وذلك بمساعدة بعض المسؤولين الفرنكوفونيين الأقوياء في أجهزة النظام الحاكم، سيطرة اللغة الفرنسية على مكونات المحيط العام في المنطقة الأمازيغية لدليل ناصع على نيته المبيتة في ضرب اللغة العربية والأمازيغية معا والانتصار للغة الفرنسية ولمشروع الانفصال.

كاتب من الجزائر مقيم بلندن

15