القصاص المثالي
يرغب بعض هواة الأدب في كتابة القصة القصيرة، مثلما يرغب آخرون في كتابة الشعر أو في ممارسة أحد أنواع الفنون. لكن القليل منهم على دراية بأسس أو بتقنيات هذا الشكل السردي، أو طرق وأساليب كتابته، رغم أنهم قادرون على صنع حكايات واقعية أو فانتازية.
القاص الأرجنتيني هوراثيو كيروغا، صاحب المجموعات القصصية الثلاث “قصص الحب والجنون والموت” و”أناكوندا”، و”المنفيون” يقدّم وصايا ذهبية لمن يريد أن يكون قصاصا ناجحا ومثاليا، وهي وصايا استخلصها من تجربته الطويلة في كتابة القصة، ومعاينة إبداعات أساتذة وآباء القصة القصيرة الحديثة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مثل إدجار ألان بو، جوزيف روديارد كيبلينغ، وجي دي موباسان.
خلاصة تلك الوصايا: قاوم التقليد ما استطعت، لكن قلّد إذا كان التأثير قويا جدا. خلافا لكل شيء يتطلب تطوير الشخصية صبرا طويلا. يجب أن يكون لديك إيمان أعمى ليس بقدرتك على النجاح، بل بحماس رغبتك فيه. اعشقْ فنّك كما تعشق حبيبتك، وهبه كل قلبك. لا تبدأ الكتابة دون أن تعرف منذ الكلمة الأولى أين تسير. في قصة جيدة يكون للسطور الثلاثة الأولى نفس أهمية السطور الثلاثة الأخيرة. حين تصبح متمكّنا من كلماتك لا تشغل نفسك بملاحظة إن كانت ذات أصوات ساكنة أو متجانسة. لا تضع النعوت دون حاجة.
لقد أوحت لكيروغا معاشرته الطويلة لأشخاص يتعاطون كتابة القصة، والتجربة الشخصية في هذا الميدان، أنه إذا لم تكن توجد أسرار لهذه الحرفة، أو وصفات سهلة الاستعمال ومضمونة النتائج، فإنها يمكن أن توضع لتكون تسلية للعديد من الناس الذين تمنعهم انشغالاتهم الجدية من تحسين أدائهم في مهنة لا يُجازى عنها كما ينبغي، ولا تحظى بسمعة جيدة.
وفي هذا الصدد يقول ما نصه “إنّ معاشرة القصاصين، والتعليقات التي أسمعها، وكوني أتقاسم معهم صراعهم وهواجسهم ويأسهم، شجعني على الاقتناع بأنه، فيما عدا بعض الحالات التي تنجح فيها القصة دون وسائل، تنجز كل القصص بوساطة وصفات وأساليب عمل في متناول الجميع، شريطة أن نعرف موضعها والهدف من استعمالها”.
ويعبّر كيروغا عن قناعة في غاية الطرافة مفادها أن القصة، كما هو الشأن بالنسبة إلى السونيتة، تبدأ من النهاية. لا شيء أسهل من إيجاد جملة نهائية لحكاية انتهت منذ قليل، لكن لا شيء أصعب من إيجاد جملة النهاية لحكاية لم تبدأ بعد. ويروي أنه وجد مرة صديقا له، معروفاً في إجادة كتابة القصة، يبكي وهو منكبّ على كتابة قصة لم يستطع أن يضع لها نهاية. كانت تنقصه فقط الجملة الأخيرة، لكنه لم يكن يراها، كان يبكي ولم يستطع أن يهتدي إليها.
كاتب من العراق