كيف يمكن أن نعلم أبناءنا أن يكونوا آباء صالحين

تعاملنا مع حاجات الطفل في السنوات الأولى من حياته بصورة خاصة، هي التي يتعرف من خلالها، وللمرة الأولى، على مشاعر متنوعة مثل؛ الشعور بالأمان، الحب، الاهتمام والدعم العاطفي. إلا أن المصادفة قد لا تجمعنا بشريك يكون قد غرف من الرعاية الأسرية والحنان الأبوي بصورة كافية ليشارك أبناءه ثمارها وريعها، لهذا تتطلب منا الظروف في بعض الأحيان أن نعمل كآباء وأمهات على رأب هذا الصدع ومحاولة ملء الفجوة العاطفية التي قد يتركها آباؤنا في مكان بعيد من سنوات طفولتنا وتجنيب أبنائنا الحرمان منها.
هنالك بالطبع، الحاجات الأساسية للطفل من طعام وشراب والحاجة إلى الرعاية الصحية والنظافة والمحافظة على اللياقة البدنية وغير ذلك من الأمور الروتينية التي يقدمها الأهل لأطفالهم الصغار في سنواتهم المبكرة، ولكن ماذا عن بقية الحاجات التي لا تقل أهمية عن ذلك؟
تؤكد دينا كوريمتز؛ وهي صحافية وكاتبة أميركية ولديها العديد من المؤلفات في ما يتعلق بتربية الطفل والقيم المتوارثة والحاجات غير التقليدية للصغار، تؤكد على أن من أهم القيم والمبادئ التي يمكن أن نعلمها لأبنائنا هي كيفية أن يكونوا بدورهم آباء صالحين لتنشئة جيل آخر، لكن في خضم متطلبات الحياة اليومية والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم لا ينظر الأبوان بعين الاعتبار إلى هذه الحاجة الملحة لصغارهم، ولكي يشعر الصغار بالأمان والدفء في بيئتهم المنزلية ينبغي على الأهل أن يقدموا لهم المزيد من الدعم العاطفي والمشاركة والمواساة متى احتاجوا إليها.
وهذا يعني أن يكون كلّ من الأب والأم نموذجا مثاليا يقتدي به الطفل، وهذا يشمل السيطرة على انفعالات الغضب والحزن والكراهية وغيرها من المشاعر السلبية خاصة، في ما يتعلق بتعاملهما معه في مختلف المواقف التي تواجهه سواء في المنزل أو في البيئة الاجتماعية الخارجية.
وترى كوريمتز أن الطفل يتلقى في سنوات طفولته المبكرة الكثير من الحب والحنان، إضافة إلى الرعاية الجسدية والصحية، حيث يسير الاثنان على خط واحد، لكن بتقدم السنوات يقل تدريجيا هذا الدعم العاطفي وتقل معه أيضا مظاهر الحب والاهتمام بين الأبوين، التي لا تقل أهمية عن إظهار الحب المباشر للطفل، حيث يمثل كل من الوالدين نموذجا حيا يتعلم منه الطفل كيفية الاهتمام بالمشاعر الإيجابية ورعايتها لتنمو في تفاصيل شخصيته وتكون جزءا لا يتجزأ منها.
أهم القيم والمبادئ التي يمكن أن نعلمها لأبنائنا هي كيفية أن يكونوا بدورهم آباء صالحين لتنشئة جيل آخر
ويظهر هذا جليا لدى الأطفال الذين يعانون من انفصال الوالدين في سن مبكرة، حيث يفتقدون إلى ذكريات سعيدة في حياتهم؛ حتى وإن كانت في نظرة حب أو مشاركة في لعب أو عناق أو حديث خاص عن المشاعر والمخاوف التي تنتاب الطفل في بعض مراحل حياته.
أما الكلمة السحرية التي تؤكد عليها كوريمتز في علاقة الأهل بأطفالهم، فهي تلبية حاجتهم إلى الاحترام الذي يعزز ثقتهم بأنفسهم وبأنهم جزء مهمّ في المجتمع الكبير.
فللوالدين دور مهم في بناء شخصية الطفل من خلال ثنائهم على سلوكه الجيد وتنمية حب الذات والقبول والصدق وتعزيز المواهب ودعمها في لحظات الإخفاق والفشل وعدم إظهار استخفافهما بهذا الفشل أو خيبة أملهم، إن وجودهما الدائم في لحظات السراء والضراء من شأنه أن ينمي احترامهم لذواتهم. الواجب الرئيس للأهل هو مساعدة الأبناء على اكتساب المعارف والشعور بالأمان والدعم.
من جانبه، يرى توم بون؛ وهو معالج نفسي أميركي أن بعض الآباء لا يظهرون هذا الاحترام الواجب لشخصية الطفل، وعندما لا يكون هذا المكون جزءا أساسا من شخصية الطفل فإنه سينشأ بشعور قاصر قد يسبب له الإخفاق في سنوات حياته المقبلة.
كما يكمن دور الأهل في تعليم الطفل كيفية تنظيم انفعالاته والسيطرة عليها في الحالات التي يتعرض فيها للضغط النفسي، حيث يحتاج الطفل إلى أن يكون هادئا في حضور الشخص الذي يقدم له الدعم والتعاطف، من دون أن يكون هذا الشخص مصدرا للوم أو العقاب بسبب ارتكاب الطفل السلوك الخطأ، ويفضل أن يكون هذا الشخص الأب أو الأم؛ لأن الطفل في هذه الحالة سيرتبط عاطفيا بالدعم الذي يتلقاه منهما واستخدامه بشكل فاعل في ترويض حالة الشد النفسي والانفعالي التي يتعرض لها، وهذا من شأنه أن يوفر ساترا ذاتيا من أمن وحماية نفسيين في المستقبل القريب والبعيد، يمكن أن يلجأ إليه الطفل عندما يكون وحيدا في مواقف قد لا يحظى فيها بوجود الأبوين، وربما سيصبح هذا الدعم بتقادم السنين مكونا نفسيا إيجابيا يعينه كشخص بالغ على تخطي العديد من المشكلات النفسية في المواقف العصيبة.