محمد بدران الفتى المدلل الذي تفوق على الكبار

القاهرة - عندما يتردد تعبير أرض الأحلام تقفز إلى الأذهان مباشرة الولايات المتحدة الأميركية، حيث الفرص المتاحة للثراء والشهرة أمام الجميع والتي يمكن أن تحول حياة إنسان بسيط إلى مليونير في غمضة عين.
لكن في مصر عندما تذكر عبارة أرض الأحلام فإن المرادف الوحيد لها ولأي أحلام في السنوات الأخيرة، هو السياسي الشاب محمد بدران، رئيس حزب «مستقبل وطن».
فخلال أقل من 3 أعوام تحول بدران من طالب جامعي طموح يدرس في كلية التجارة بجامعة إقليمية متوسطة، ما يعني ببساطة أنه واحد من 10 ملايين شاب جامعي على الأقل يبحثون عن فرصة لتحقيق ذواتهم بما تتضمنه من تفاصيل مثل التخرج وإيجاد عمل مناسب يؤمّن له دخلا مناسبا، وفي غمضة عين، كما يقال، غادر بدران مكانه في آخر “طابور” الشباب الحالمين، ليتصدر المشهد السياسي في مصر دون سابق إنذار.
ورغم أن نظرة إنصاف لا يمكن أن تتجاهل اجتهاده الشخصي، وتخطيطه الناجح لحياته، لكن نفس النظرة يصعب عليها تجاوز فكرة أن تجتمع ظروف الحياة بكاملها في ظرف زماني واحد لتحقق للشاب الواعد أقصى ممّا كان يتمناه.
فقد ظهر بدران في عز حملة الاستقطاب التي عاشتها مصر شتاء عام 2013 بين جماعة الإخوان الطامعين في التمكين خلف الرئيس محمد مرسي المنتمي إليهم، وبين بقية النخب السياسية وقطاعات عريضة من الشعب ممن لاحت أمامهم أشباح المستقبل المظلم الذي ينتظر البلاد على أيدي الإخوان.
وفي وقت كان الناس يلتمسون فيه بادرة نجاح واحدة لهز عرش الإخوان وكسر سطوتهم، ظهر بدران الذي كان رئيسا لاتحاد طلاب جامعة بنها الإقليمية (شمال القاهرة) لينافس على منصب رئيس اتحاد طلاب مصر، حيث نجح في إلحاق الهزيمة بمرشح الإخوان للمنصب في أول صفعة شعبية لافتة لحكم الجماعة.
منذ تلك اللحظة حظي بدران بشعبية مضاعفة، لكونه نجح في هزيمة الإخوان، ولأنه بات أول من ينتخب للمنصب المجمّد منذ فترة، خاصة أن هذا الموقع له ذكريات تاريخية، حيث قام الرئيس الراحل أنور السادات بحل اتحاد الطلاب عقب مشادة شهيرة مع حمدين صباحي عام 1977 حينما كان صباحي نائبا لرئيس الاتحاد، وأبدى اعتراضا صارخا على سياسات الرئيس الراحل أنور السادات.
قصة مبادرتين
رغم الجدل الكبير حول شخصه، فإن أحدا لا يمكنه تجاهل الذكاء الكبير الذي أدار به محمد بدران طموحاته، حيث كان دائما يقوم بالخطوة المناسبة في التوقيت المناسب، ثم يتراجع خطوة إلى الوراء تاركا من بيدهم القرار سحبه مجددا إلى الأمام.
فعلها حينما كان مجرد طالب عادي في كلية التجارة بجامعة بنها. وحينما أسس مبادرة “ميرز” التي حولت مسار حياته من عضو باتحاد طلاب الكلية، ليصبح العقل المفكر لأستاذه الدكتور علي شمس الدين الذي كان يستعد للمنافسة على منصب رئيس جامعة بنها، عندما كان المنصب بالانتخاب عقب ثورة 25 يناير 2011.
ذكاء محمد بدران يتجلى في أدائه السياسي الذي تلا نجاح السيسي، حيث لم يسع لتقديم نفسه في الفضائيات متحدثا عن دعمه للرئيس، ولم يكرر خطأ شباب حملة تمرد الذين تصدروا المشهد عقب الإطاحة بالإخوان
عرض بدران على أستاذه أن يتولى إدارة معركته الانتخابية، ونجح في توصيله إلى مقعد الرئيس. ما دفع شمس الدين إلى أن يعانقه في أول كلمة له بعد ظهور النتيجة ويعترف بفضله أمام الجميع، من أساتذة وطلاب.
لم يتأخر رد الجميل كثيرا، حيث دعم رئيس الجامعة الجديد ترشح بدران رئيسا لاتحاد طلابها، ثم المنافسة في أول انتخابات تجرى على رئاسة اتحاد طلاب مصر عام 2013، بعد توقفها لفترة طويلة.
نفس المبادرة كررها بدران لاحقا بشكل أوسع، عندما دشن حملة «مستقبل وطن» لدعم ترشح عبدالفتاح السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، وبعد نجاحه حوّل بدران الحملة لحزب يحمل نفس الاسم وتولّى رئاسته.
وقيل وقتها إن المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت هو من اقترح ذلك، ثم اختير عضوا بلجنة الخمسين لكتابة الدستور، ونائبا لرئيس لجنة الصياغة ممثلا للطلاب.
ذكاء بدران تجلّى في تصرفاته التي تلت نجاح السيسي، حيث لم يسع لتقديم نفسه في الفضائيات المختلفة متحدثا عن دعمه للرئيس، ولم يكرر خطأ شباب حملة تمرد الذين تصدروا المشهد الإعلامي، عقب الإطاحة بالإخوان في العام 2013، فحرقوا أنفسهم مبكرا وغرقوا في صراعات بينية أو مع قطاعات أخرى من النخب استكثرت عليهم النجومية فبدأوا يحاربونهم.
على العكس من ذلك، بدأ في القيام بما شعر أن السيسي يريده، فأنشأ حزبه ليكون وعاء شرعيا للشباب، وهمزة وصل بينهم والرئيس الذي يبدو حرصه واضحا على التقرب منهم دون أن يجد حتى الآن الشيفرة السرية لفك طلاسمهم.
كل هذا فعله بدران بعيدا عن الإعلام، الذي لم يظهر فيه إلا مرات نادرة، لأن النجومية التليفزيونية تخلق مناخا محيطا من الصراعات والنميمة، كما أن الكاميرا تأكل النجوم حسبما يؤمن، لذلك يتكلم عندما يكون لديه رسالة يحرص على توصيلها لمن يهمهم الأمر، دون ثرثرة فيما لا يفيد.
استفاد من التجربة الحزبية في مصر، حيث تجنب أخطاء الأحزاب القديمة بالانعزال في أبراجها العاجية، واستنساخ الخلطة السرية للإخوان في الوصول للجماهير في مناطقهم، فحاول ايجاد وسائل للتواصل المباشر مع الناس في مختلف القرى والنجوع، بعيدا عن الإعلام ووسائله التقليدية، حتى بلغ عدد أعضاء الحزب من الشباب 150 ألفا يمثلون أكثر من 60 بالمئة من العدد الكلي للأعضاء.
|
كذلك نجح الحزب في حصد 53 مقعدا في البرلمان الجديد متفوقا على عشرات الأحزاب العريقة في مصر مثل التجمع اليساري والوفد الليبرالي.
وحتى عندما أصبح حديث الناس في مصر عقب ظهوره مع الرئيس السيسي على ظهر اليخت المحروسة خلال حفل افتتاح القناة في أغسطس الماضي، لم يسع لاستغلال المناسبة وإنما ردّ على من سألوه بتواضع مصطنع مفاده أنه كان واحدا من بين 15 شابا وفتاة على ظهر اليخت يمثلون الطوائف المختلفة.
عداء جماعي
أكثر ما يلفت النظر في محمد بدران، والذي أصبح أصغر رئيس حزب ربما في العالم كله، بعدما أسس حزب «مستقبل وطن» عام 2013 وهو دون الرابعة والعشرين من عمره، أن علاقته بالرئيس المصري تتناسب عكسيا مع علاقته بكل من عداه.
فأي تحليل مضمون لما يكتب عنه في الصحف وما يقال عنه في وسائل الاعلام، سيخلص بالتأكيد إلى رصد المشاعر غير المرتاحة التي يحملها له الإعلاميون، بسبب قربه من الرئيس. وصعوده الهرم السياسي والاجتماعي بسرعة، مقابل العناء الذي يتكبده الشاب المصري العادي في حياته حتى يحصل على عمل مناسب، ناهيك عن رئاسة حزب والتواصل المباشر مع رئيس الجمهورية.
في المقابل، لا يوفر بدران الجهد في إبداء عدم رضاه عن أيّ مسؤول مصري، سواء في الحكومة أو المعارضة. الأمر الذي يعيد شحن بطاريات حملة الهجوم عليه، حتى أطلقت عليه الصحف لقب “فتى السيسي المدلل” و”الطفل المعجزة”. وهو اللقب الذي كان يحظى به من قبل الراحل أشرف مروان زوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. والذي كان أحد أهم مساعدي السادات المقربين، قبل أن يتحول إلى عالم المال والأعمال في أوروبا حتى مصرعه في حادث غامض بلندن.
علاقته العدائية مع الصحافة ظهرت بوضوح في أزمة وقف طباعة صحيفة الصباح المستقلة محدودة التوزيع، بسبب مقال ينتقده، والحكاية بدأت بإرسال الصحيفة إلى مطبعة مؤسسة صحفية حكومية كبرى، وفي صفحتها الأولى مقال بعنوان “كيف تصبح طفلا للرئيس في 9 خطوات”.
لكنّ مسؤولي المؤسسة الحكومية رفضوا طبع الجريدة ليتحول الموضوع إلى أزمة فاقت في تداعياتها حجم ما كان يمكن أن يثيره المقال لو تمت طباعة وتوزيع الصحيفة.وتردد وقتها أن جهات سيادية (أمنية) أمرت مسؤولي المؤسسة الصحفية بمنع طباعة الجريدة تأديبا لها على انتقاد بدران، وهي شائعات غير موثقة حتى الآن، خاصة أن بدران نفسه نفى علمه بالأمر أو تحريضه على وقف طباعة الجريدة، فيما التزم طرفا الأزمة في جريدة الصباح والمؤسسة الصحفية الصمت التام.
على جانب آخر، يطلق بدران أحيانا تصريحات تثير الآخرين، وتعكس شعوره بالفوقية، ربما نتيجة تواصله المباشر مع رئيس الجمهورية. مثل قوله إن المنصب الذي يتطلع إليه هو رئيس الوزراء، وهو منصب كبير على شاب في الرابعة والعشرين من عمره.
التجربة الحزبية المضطربة في مصر تغني وعي بدران الذي يحاول تجنب أخطاء الأحزاب القديمة بالانعزال في أبراجها العاجية أو استنساخ الخلطة السرية للإخوان في الوصول للجماهير في مناطقهم
اتهامات مجانية
أغلب الاتهامات التي تكال لمحمد بدران لا تخرج في مجملها عمّا يطلق عليه في القاموس الشرطي “بلاغات كيدية” مثل تقرير صحفي في جريدة التحرير المستقلة عدّد التصريحات التي وصفها بـ”الساذجة” للفتى المدلل بدران بحسب ما جاء في عنوانه. رغم احتواء التقرير على انتقادات حقيقية لما يمكن وصفه بزلات لسان السياسي الشاب، مثل تصريحه بجلب مليار سائح سنويا لمصر. وهو رقم خارج على أي حوار منطقي في دنيا السياحة.
حسام مصطفى عضو الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي الذي كان بدران عضوا فيه قبل إنشاء «مستقبل وطن»، ذكر أن بدران بعدما نجح في الوصول إلى منصب رئيس اتحاد طلاب مصر بمساندة باقي الأحزاب المدنية، لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه وهو الدفاع عن الطلاب ومصالحهم، بل استغل ما حدث للإخوان لينفرد بقرارات الاتحاد وحده.
أما عصام الشريف المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمى فقد قال إن بدران عندما جاء إليهم طالبا مساندته في انتخابات اتحاد الطلاب كان في غاية الود والأدب ويفيض بالأحلام التي أجبرت الجميع على التعاطف معه ودعمه.
لكن بعد توليه المنصب اكتشف الشريف وجبهته أن مؤسسات الدولة تدعمه في كل شيء (دون أن يذكر معلومة واحدة عن شكل وكيفية هذا الدعم)، بينما تخلّى هو في المقابل عن الثورة والطلاب الثوريين وبدأ ينادى بسجنهم، وله موقف شهير في ذلك أثناء اجتماعه مع السيسي عندما طلب رؤساء الأحزاب المدنية الإفراج عن الطلاب المعتقلين، فغضب بدران وقال للرئيس إن من في السجون ليسوا طلاب مصر.
الشيء الأهم الذي يمكن أن يؤخذ على بدران تصريحاته المبهمة عن وسائل تمويل حزبه، حيث ذكر في أكثر من مناسبة أن عددا من رجال الأعمال يتولون ذلك، مثل أحمد أبو هشيمة وهاني أبو ريدة وكامل أبو علي وفرج عامر. ورغم شجاعته الأدبية في الكشف عن مموليه إلا أنه من غير المنطقي تصديق ما عقّب به على الأمر بأنه اشترط على رجال الأعمال الذين يدعمونه ألا يتدخلوا في قرارات الحزب ولا يتحدثون عنه في الجلسات العامة أو الخاصة وليس لهم علاقة سياسية به، وهو أمر لم يحدث من قبل في تاريخ العمل الحزبي ليس في مصر وحدها وإنما في العالم كله.
وهذا ما يجعلنا أمام واحد من تفسيرين لالتزام رجال الأعمال بذلك، إما أن الشاب يملك كاريزما سياسية خارقة، أو أن رجال الأعمال يدعمون حزبه وفقا لتوجيهات يهمها استمرار بدران والحزب في بؤرة النشاط السياسي.