سامح مهران نجل رئيس محكمة النقض الذي يضرب بمطرقته على خشبة المسرح

عمّان- في أثناء تولي الدكتور شاكر عبدالحميد حقيبة وزارة الثقافة بحكومة كمال الجنزوري، في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي، طالب في رسالة بعثها إلى رئيس الوزراء عام 2012 بتدخل المجلس العسكري لإقالة الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون من منصبه، وإحالته للمساءلة القانونية بتهمة السب والقذف، اعتمادا على تقارير للجان خاصة جرى تحويلها إلى النيابة العامة.
زعمت تلك التقارير أنه ارتكب مخالفات قانونية. وادّعى عبدالحميد في رسالته أن مهران أفسد الحركة التعليمية في الأكاديمية، ونال من كرامة أعضاء هيئة التدريس بالتجريح والتشهير، مما أساء إلى سمعة الأكاديمية. وتعرض مهران آنذاك إلى اعتداء من شخص قفز على سيارته، بعد خروجه من الأكاديمية، وقام بكسر زجاجها. ووصف مهران ذلك الشخص بأنه “بلطجي” مدفوع من الأساتذة المعارضين له، وحرر بلاغاً لدى الشرطة ضده.
قائمة مهران الإخوانية السوداء
في منتصف العام 2013 تفاجأ الوسط الثقافي المصري بقرار وزير الثقافة الدكتور علاء عبدالعزيز إحالة مهران إلى النيابة الإدارية. وسوّغ وزير الثقافة هذه الخطوة في بيان صحفي، بأن مهران استخدم قاعة سيد درويش في مبنى الأكاديمية في غير الأغراض المخصصة لها. وكان يقصد عقد مهران لمؤتمر صحفي فيها. وجاء ذلك القرار بعد هجوم لاذع شنه مهران على وزير الثقافة في برنامج إذاعي بثّته “سي بي سي”، كشف فيه أنه يمتك قائمة من شخصيات إخوانية ينوي الوزير تعيينها في الوزارة بدلاً من القيادات التي جرت إقالتها.
مسرحية "حباك عوضين ثامر" الكوميدية، التي أخرجها جلال عثمان وعرضت على مسرح السلام بالقاهرة عام 2010، يفضح فيها سامح مهران صور الفساد في المجتمع المصري أيام حكم الرئيس مبارك، من خلال شخصية شاب صعيدى اسمه "حباك"
قال مهران إنه التقى تنظيمات من حركات الجهاد تريد تكفير الفن والباليه لتعود مصر إلى الجهل والتخلف. وأشار إلى وجود مخطط لتدمير الثقافة المصرية وتجريفها. وأضاف أنه بالفعل تم تصعيد قيادات إخوانية في الوزارة وأن الوزير لديه في مكتبه “كتائب حرب إلكترونية من الإخوان والحرية والعدالة، وقائمة بتعيين أسماء ستظهر قريبا”.
قبل مثول سامح مهران أمام النائب العام علّق على قرار الوزير قائلاً “أنا ابن رئيس محكمة النقض وشربت القانون في بيت أبويا كويس، وهأعرف إزاي أدافع عن نفسي أمام النائب العام”.
وكشف للإعلام أن في حوزته أسطوانة مدمجة تثبت تورط الوزير، يوم كان مدرساً بمعهد السينما، في فضيحة أخلاقية”. وأشار مهران حينها إلى أن استقالته في يده ومستعد للرحيل عن الأكاديمية، لكنه لن يرحل قبل أن يبرئ نفسه من كل التهم المنسوبة ضده بالفساد. وطالب بإقالة وزير الثقافة في مؤتمر نظمته الأكاديمية للمثقفين المصريين تحت عنوان “ضد العدوان على الثقافة”. كما قدم نسخة من الأسطوانة لوزير الثقافة السابق الدكتور صابر عرب، ونسخة أخرى للرقابة الإدارية لإيصالها إلى رئيس الجمهورية محمد مرسي.
رافق تلك الأزمة انقسام الأساتذة في الأكاديمية بين مؤيد ومعارض لمهران في المؤتمر الذي عقدوه لمناقشة موقفهم منه. وحدثت نتيجة لهذا الانقسام مشادة بين الطرفين وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بينهما. وأصدر مؤيدو مهران بيانا ذكروا فيه إنجازاته داخل الأكاديمية، وأكدوا أن حملة التشهير التي تعرض لها كانت ظالمة ومبيّتة.
|
أما المعارضون فقد أبدوا استياءهم من ذلك البيان، وعبروا عن أسفهم من انتماء أصحابه إلى هيئة التدريس في الأكاديمية. وإثر وصف مهران لهؤلاء المعارضين بـ”الأساتذة المتحجّرين” نظموا اعتصاماً أمام مكتب وزير الثقافة طالبوا فيه باستقالة رئيسهم. لكن مهران، الذي يصفه بعضهم بأنه “من جيل المتمردين”، انتصر في الأخير، وبقي في منصبه رئيساً للأكاديمية إلى أن أحال نفسه على التقاعد عند بلوغه السن القانوني العام الماضي.
ومع عودة الدكتور جابر عصفور إلى وزارة الثقافة عام 2014 عيّنه رئيساً لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، الذي يفترض أن يستأنف دورته الثالثة والعشرين أواخر العام الحالي بعد انقطاع دام أربع سنين إثر الأحداث التي شهدتها مصر، وأدت إلى إنهاء حكم الرئيس حسني مبارك في ثورة 25 يناير. إلا أن مهران واجه أزمة طاحنة محرجة له ولأنصاره كادت تحول دون انعقاد المهرجان، وهي أزمة عدم اعتماد ميزانية للمهرجان لأسباب عديدة منها البيروقراطية التي تحكم عمل وزارة الثقافة وما تلى ذلك من تداعيات.
الحرب في المسرح
سامح مهران، الحاصل على درجة الدكتوراه في الدراما أواخر الثمانينات عن “مفهوم الحرب في المسرح العربي”، ولد عام 1954، وعمل أستاذا للدراما وعلوم المسرح، وشغل مناصب عديدة منها، رئيس قسم الإعلام التربوي في كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، ومستشار رئيس جامعة القاهرة للفنون، ومدير مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة، ورئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، ورئيس لجنة المسرح في المجلس الأعلى للثقافة، ورئيس أكاديمية الفنون في الفترة من 2009 إلى 2014.
سامح مهران يؤكد أنه التقى تنظيمات من حركات الجهاد تريد تكفير الفن والباليه لتعود مصر إلى الجهل والتخلف مشيراً إلى وجود مخطط لتدمير الثقافة المصرية وتجريفها تأسس أيام الإخوان
كتب مهران نحو عشرين نصاً مسرحياً، أثار بعضها جدلا واسعا خلال عرضها، كان منها “الشاطر.. ست الحسن”، الذي نال به جائزة التأليف المسرحي الأولى من المجلس الأعلى للثقافة، “الطوق والأسورة” الذي فاز بجائزة المهرجان التجريبي، “الاستجواب”، “أيام الإنسان السبعة”، “المراكبي” الذي تُرجم إلى الإنكليزية والدانماركية، ومثّل عرضه مصر في مركز يوجين أونيل المسرحي بالولايات المتحدة الأميركية، وله أيضا أعمال عديدة غيرها.
كما أخرج بضع مسرحيات، ونشر العديد من الدراسات والأبحاث حول “المسرح بين وظيفتي الإرسال والاستقبال”، “الجسد في نظريات الإخراج المعاصر”، “مسرح توفيق الحكيم”، “سيميوطيقا المسرح”، “النقد النسوي والمسرح”، “حداثة المسرح”، “ما بعد الحداثة.. البعد النقدي”، “قراءة في مسرح الحرب الإسرائيلي”، و”مداخل نظرية معاصرة في تحليل النص”. وصدرت له مجموعة كتب منها “المسرح بين العرب وإسرائيل”، “السرقة الكبرى”، وكتب أخرى عديدة.
الوزير المرشح
في مسرحية “لير.. بروفة جنرال”، التي عرضت في مهرجان القاهرة التجريبي عام 2002، وأتيحت لي فرصة مشاهدتها حين أعيد عرضها في المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر عام 2011، حاول سامح مهران، نقض شكسبير من خلال فكرة الوحدة. فالملك في النص الأصلي يقوم بتفتيت مملكته والشعب الذي يقوده، في عصر التوحيد الذي ساد أوروبا آنذاك، الأمر الذي يؤدي إلى هلاك الشعب، وخسارة الملك نفسه أمام مطامع ابنتيه.
أما مهران فقد عكس الصورة حين جعل أحداث العرض (الذي يقوم على الفرجة الشعبية) تجري في واقع مفتت يقوم بفضحه من أجل دعوة غير معلنة إلى الوحدة، وذلك بالسخرية من الواقع العربي القائم، وتعرية الفساد والدكتاتورية التي تمارسها الأنظمة العربية.
واستطاع مهران، من خلال تقنية المسرحية داخل المسرحية، والانتقال بين النص الشكسبيري والنص المحلي، ضمن مستويين هما مستوى العرش ومستوى القاعدة، بما يحمله هذا الانتقال من سخرية، أن يصل في النهاية إلى القضاء المبرم على البراءة والروح الإنسانية، التي ثبتها شكسبير في المسرحية عبر شخصية أصغر بناته “كورديليا”، بتحويلها إلى فتاة شوارع.
|
في مسرحية “بازل وان”، التي أخرجها بنفسه أيضاً، فكرة تحول ثوة 23 يوليو 1952 من حلم إلى كذبة، مشككا في مشروعها ورموزها بحسّ ساخر طال الحياة المصرية، بما فيها من حبّ وسياسة ومشاعر ومواقف، وتكثيف الإحساس بزيفها. وأثار عرض المسرحية على المسرح العائم الصغير بالقاهرة الكثير من الجدل، خاصة في الندوة التي عقدت لمناقشته في المركز القومي للمسرح، وتراوحت ردود فعل النقاد بين الإعجاب به ورفضه بشدة بسبب تعرضه لرموز يعتبرها الكثيرون فوق النقد، مثل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
وفضح في مسرحية “حباك عوضين ثامر” الكوميدية، التي أخرجها جلال عثمان وعُرضت على مسرح السلام بالقاهرة عام 2010، صور الفساد في المجتمع المصري أيام حكم الرئيس مبارك، من خلال شخصية شاب صعيدي اسمه “حباك” توفي والده دون أن يترك له ميراثاً يعينه على الحياة هو وأمه، لكن تلك الأم الصعيدية القوية لم تُرد لابنها الاستسلام لعجزه وإدمانه على المخدرات، فتطالبه بالعمل، وفي الوقت نفسه تطالبه حبيبته “مهرة” بإتمام مراسم الزواج، بيد أنه يرفض طلبها لعجزه عن توفير متطلبات الزواج. وفي خضم ذلك يظهر الشيطان له ويعرض عليه صفقة، وهي أن يمنحه جميع الأموال التي يريدها مقابل أن يكون من أتباعه. وفي لمح البصر يخطف الشيطان “حباك” إلى سجنه لتغيير عقله وقلبه، وهناك يقابل رجل أعمال متهما بالعديد من قضايا القتل والفساد، ويحاول إقناعه بأن طريق إبليس جميل.
ويعيش “حباك” صراعا داخليا بين الخير والشر، ويستطيع أن يتغلب على الشر، ويقرّر ضرب الظالمين بالظالمين عن طريق استخدام ذكائه ودهائه في حيل يقوم بتمثيلها -مع والدته وحبيبته وأبناء القرية- على العمدة وشيخ البلد، مستغلاً طمعهم وغباءهم. ويتمكن بالفعل من الحصول على أموال كثيرة منهم، ويوزعها على أهل القرية، فيثير ذلك غضب العمدة ويأمر بقتله، لكن “حباك” يهرب، وتُختتم المسرحية بزواجه من حبيبته.
في شهر آب الماضي تداولت وسائل إعلام مصرية عديدة أخبارا عن احتمال تولي الدكتور سامح مهران، منصب وزير الثقافة، خلفا لعبدالواحد النبوي، عقب تقديم حكومة إبراهيم محلب استقالتها، لكن المنصب أسند إلى الكاتب حلمي النمنم، رئيس الهيئة العامة للكتاب، وبقي مهران رئيساً لمهرجان القاهرة المسرحي.