ثقافة الدكتاتورية وحكاية حمار طاليس

الجمعة 2015/12/11

منذ مدة دار حوار بين المحلل النفسي اللبناني الراحل عدنان حب الله وبين المفكر والمحلل النفسي المصري مصطفى صفوان حول الثقافة والديمقراطية، ومشكلة التماهي مع الدكتاتور التي تعدّ بحق من أمهات المشكلات الكبرى في مجتمعاتنا وفي ثقافتنا المعاصرة.

وتتمثل هذه المشكلة في المجال العملي في تماهي الجماهير المطلق مع القادة السياسيين، والتشبث بهم مهما كان الحال، وحتى وإن كانوا دكتاتوريين. كيف يمكن لنا فهم هذه الظاهرة العجيبة؟ في هذا الخصوص قدّم صفوان وحب الله تحليلا طريفا لهذا التماهي المغلق، الأمر الذي يجعلنا نفهم أن التفسير النفسي الممكن لهذا التماهي في رأينا يتلخص بسرعة في أن البنية النفسية لهذه الجماهير هي بنية دكتاتورية، وأن تكوينها الثقافي لا يسلم من ظاهرة الدكتاتورية، ومن هنا ندرك بوضوح أن تماهي الجماهير مع القادة الدكتاتوريين هو مجرد تماهي الدكتاتوريات المشتركة بين القطبين معا.

فالأفراد غالبا ما يريدون -دون وعي منهم- أن يجدوا شخصياتهم منعكسة في هذا النموذج من الحكام، أو في ذاك النموذج من النظام السياسي، وهنا تكمن مشكلة عدم انتقال مجتمعاتنا إلی الديمقراطية. ولا شك أن هذه المسألة في حاجة إلی تحليل عميق، وينبغي أن يبدأ التحليل في تشريح نمط الثقافة السائدة في المجتمع، وكافة أشكال العلاقات الاجتماعية، ورموزها، فضلا عن تحليل ظاهرة السلطة بداخل العائلة، أو العائلات، باعتبارها المصدر الحقيقي والمركزي الذي يفرز السلطة العليا علی مستوی الحكم.

ويظهر من هذا التحليل أن ثمة علاقة تماه بين الذات الفردية، أو بين الذوات الجماعية وبين السياسة. وهكذا فإن تحليل طبيعة الاستبداد يتطلب تحليل اللاوعي الاجتماعي، والثقافي، والديني، والسياسي للأفراد كخطوة أولى على طريق اجتثاثه من العقول والنفوس.

في ذلك الحوار الذي دار بين الدكتورين حب الله وبين صفوان ورد مقطع في شكل نكتة ذكية جدا لها دلالات سياسية عميقة جدا ويمكن لنا أن نؤوّلها تأويلات تؤدّي بنا إلى فهم العلاقة القائمة بين الحاكم المستبد وبين المحكومين الذين يفتقرون إلى الوعي بالآليات التي يوظفها الدكتاتوريون بطرق شتى. لقد جاء في هذا المقطع أن هنالك حكاية تحكى عن أرسطو طاليس هكذا: كان هناك حمار يحمل عليه الملح وبينما هو في الطريق وقع الحمار في الماء، فذاب الملح وخفّ الثقل المضني علی ظهره، وبعد ذلك أصبح الحمار كلما رأی ماء، وهو يحمل حمولة على ظهره، رمى بنفسه فيه؛ فانتبه طاليس للقصة، فقام وحمله إسفنجة فأصبح كلما أوقع نفسه في الماء ازدادت حمولته، مما جعل الحمار يقلع عن هذه العادة السيئة.

كاتب من الجزائر مقيم بلندن

15