وجها لوجه مع دولة الرقابة الشاملة
تناقلت وسائل الإعلام الجزائرية أول أمس خبرا مثيرا ومزعجا ومخلا بالحريات المدنية ويتمثل في توقيع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لمرسوم نشر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية يقضي بإخضاع مكالمات المواطنين والمواطنات الجزائريين والجزائريات سواء عن طريق الهاتف المحمول أو الثابت، وكذلك اتصالاتهم عن طريق الإنترنت، لرقابة النظام الحاكم.
ولكي يطبق النظام الجزائري هذا المرسوم فقد أعلن عن إنشاء هيئة كبرى وصفت بسلطة إدارية مستقلة كما ذكرت يومية “الشروق اليومي” في تقريرها المستند إلى معلومات مستقاة من مصادر رسمية.
ولكن هذه الهيئة ليست مستقلة بل هي تابعة للسلطات الحاكمة، والدليل أنها ستكون خاضعة على نحو مباشر للهيئة الوصية الممثلة لأجهزة النظام الحاكم مثل وزير الداخلية ووزير البريد وتكنولوجيا المعلومات، ووزارة الاتصال، وقائد الدرك الوطني، والمدير العام للأمن إلى جانب ممثل عن رئاسة الجمهورية، وممثل عن وزارة الدفاع ووزارة العدل.
المبرر الذي سوّغت به رئاسة الجمهورية موقفها من إنشاء هذه الهيئة هو المحافظة على الأمن العام ومحاربة الإرهاب، ومساعدة الدول الأجنبية التي طلبت من النظام الجزائري القيام بمثل هذه المهمة بالوكالة، وهي في آخر المطاف تعني التجسس على أسرار المواطنين والمواطنات.
لا شك أن الدولة الديمقراطية الحديثة، في الكثير من نماذجها الناجحة، تقيم وزنا لحياة المواطنين اليومية بما في ذلك علاقاتهم الحميمة وأسرارهم العائلية ومعاملاتهم التجارية.
من الناحية الأخلاقية فإن هذا الإجراء غير شرعي حتى إن صدر عن رئيس الدولة، لأن الدستور الجزائري الرسمي المعمول به حاليا ينصّ على عدم وجوب صدور أي قانون إلا بعد إحالته إلى المجلس الدستوري ومناقشته من طرف البرلمان ومجلس الأمة، ومن ثمة مصادقتهما عليه. وفضلا عن ذلك فإن الأحزاب الجزائرية، لم تستشر أو تشرّك، بشأن ضرب رقابة على مكالمات ومراسلات المواطنين، الأمر الذي يوضح بجلاء أن التعددية الحزبية في الجزائر ليست إلا حبرا على ورق.
ثم إن إنشاء هيئة الرقابة الشاملة، بعد المصالحة الوطنية ونزول الآلاف من المسلحين الإسلاميين من مواقعهم في الجبال وتسليم أسلحتهم للدولة، عدا أنفار قليلين لا يشكلون أي خطر إستراتيجي على ترسانة النظام الحاكم نفسه، يمكن أن يفسر تفسيرات أخرى تتعلق أساسا بمسألتيْن أساسيتين يخطط لهما النظام الجزائري بإحكام ليضمن البقاء في السلطة لسنين طويلة.
المسألة الأولى تتمثل في أن النظام الجزائري يدرك أن البلاد بدأت تخطو نحو الإفلاس المالي الذي تبدو ملامحه الأولى واضحة في رفع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية وأسعار العقار والبنزين وتذاكر السفر وغيرها، وفي إعلان الجهات الرسمية عن الشروع قريبا في الاقتراض من الدول الأجنبية، وفي مقدمتها الصين الشعبية، لتغطية نفقات ما يدعى بالمشاريع.
إن اللجوء إلى الاقتراض بعد تدمير مبلغ 1000 مليار دولار في ظرف 16 سنة يعني أن إعلان وزير المالية عمّا تبقى من احتياط الصرف الجزائري بالعملة الصعبة والمقدر جزافيا بمبلغ 123 مليار دولار، ليس سوى خرافة معدلة في شكل أسطورة.
ومن هنا فإن ضرب سور الرقابة الحديدية على اتصالات المواطنين هو ضربة استباقية للتجسس على أي جماعة رافضة للوضع الحالي، أو أي فرد يمكن أن ينتمي في المدى المنظور إلى بذور حركة تمرد شعبي ضد التقشف والوضع الاقتصادي الذي يشهد حاليا أزمة حادة.
أما المسألة الثانية التي حرّكت النظام الجزائري ليقوم بهذا النوع من الرقابة البوليسية، فهي تحصين عرينه استعدادا لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة الذي لم يبق وقت كثير على انتهاء عهدته الرابعة.
تحويل الجزائر إلى دولة بوليسية تراقب الحياة الخاصة للمواطنين يعني عمليا غياب الثقة بين المتحكمين في السلطة وبين ما يقرب من 40 مليونا من الجزائريين الذين يعاملون كرعايا جانحين، ويعني في الجوهر الفشل في خطو أي خطوة باتجاه بناء أركان دولة المواطنة التي هي الأساس الضامن لأي انتقال ديمقراطي في البلاد.
كاتب جزائري