الحرام والحلال بين أبوتريكة وفيدال

تابعت مثل غيري تفاصيل الحادث الذي تعرض له لاعب يوفنتوس التشيلي أرتورو فيدال وتهشم سيارته الثمينة، خلال وجوده مع منتخب بلاده للمشاركة في نهائيات كوبا أميركا التي تستضيفها تشيلي حاليا.
الحقيقة أنني توقفت طويلا أمام مفارقة قد تبدو غريبة للبعض بين ما فعله فيدال وما تعرض له وموقف عموم جماهير الكرة في تشيلي منه، وبين ما فعله لاعب الأهلي والمنتخب المصري المعتزل محمد أبوتريكة وما تعرض له وموقف جماهير الكرة المصرية منه.
ففي سانتياغو، وبعد أن تعرض فيدال الذي يعتبر مع زميليه سانشيز والحارس برافو من أيقونات الكرة في بلادهم لحادث السيارة، انشغل الجميع في تشيلي لمدة يوم واحد بتفاصيل الحادث والاطمئنان على لاعب يوفنتوس الإيطالي الذي يعد مفخرة وطنية هناك، مع زميليه المحترفين في أهم الأندية الأوروبية (برشلونة ومانشستر)، لكن في اليوم التالي مباشرة بدأ الإعلام التشيلي والمسؤولون هناك في الحديث عن مخالفة فيدال لقانون المرور وقيادته سيارته وهو في حالة سكر، والعقوبات التي يستحقها جراء جريمته.
لم نسمع أحدا هناك (وقد تابعت صحف تشيلي على مدى أيام) يتحدث عن ضرورة الصفح عن اللاعب ونسيان ما فعله من أجل المنتخب الذي ينافس في البطولة القارية ويأمل في الفوز بلقبه الأول فيها، ولا طالب أحد بتأجيل الحديث عن عقوبة فيدال حتى لا يؤثر ذلك على تركيز زملائه في البطولة، ولم نر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي بعناوين براقة مثل “فيدال لينيا روخا” وترجمتها “فيدال خط أحمر”.
كذلك لم يتهم أحد من مشجعي الكرة هناك، وهم بالمناسبة أكثر جنونا بنجومهم من المشجعين العرب، وزير الداخلية التشيلي بتلفيق التهمة لفيدال، ولم يظهر صوت واحد يتحدث عن ضرورة العفو عن اللاعب الذي قدم الكثير لمنتخب بلاده، ولم يطلب أحد من رئيس تشيلي الذي استقبل لاعبي المنتخب وبينهم فيدال بعد أدائهم المشرف في مونديال البرازيل قبل شهور قليلة، أن يتدخل لإغلاق المحضر الشرطي بحق اللاعب حتى لا يؤثر على مستقبله.
الفارق بين تعامل مشجعي الكرة في مصر وتشيلي من أزمتي أبوتريكة وفيدال، هو نفسه الفارق بين البلدين
أما في مصر فقد عشنا كالعادة واحدة من الميلودراما الكروية العنيفة قبل أن تبدأ دراما رمضان بأيام، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي عندما أقدمت السلطات المصرية على اتخاذ قرار بتجميد أموال لاعب الأهلي ومنتخب مصر السابق محمد أبوتريكة إلى حين انتهاء التحقيقات في اشتراكه في تمويل جماعة الإخوان من خلال شركة صغيرة للسياحة هو أحد المشاركين فيها.
ورأينا عشرات الآلاف من مشجعي الأهلي يلعنون اليوم الذي اكتسب فيه أبوتريكة جنسية بلد لا تقدر مواهبه، ويلعنون الحكومة التي أقدمت على الحجز على أمواله متناسية الإنجازات العملاقة التي قدمها لبلاده ممثله في مشاركته مع زملائه في الفوز بثلاثة ألقاب لكأس الأمم الأفريقية ما بين 2006 و2010، بخلاف الإنجازات الهائلة التي حققها مع الأهلي باسم مصر.
قبل أن يسمع الكثيرون منهم أي تفاصيل عن أسباب الحجز على أموال النجم الكروي الشهير، وبالتالي يستطيعون تبين الحقيقة من الادعاء في القضية برمتها، نصبوا أنفسهم قضاة وحكموا ببراءة اللاعب وإدانة من جمّدوا أمواله، رغم أن اللاعب نفسه لم ينكر يوما ولاءه لجماعة الإخوان، مثلما لم ينكر عقب القرار الأخير تورطه في تمويل أنشطة الجماعة الإرهابية وإنما كتب تغريدة مقتضبة على تويتر قال فيها “نحن من نأتي بالأموال لتبقي في أيدينا وليست في قلوبنا، تتحفظ على الأموال أو تتحفظ على من تتحفظ عليه لن أترك البلد وسأعمل فيها وعلى رقيها”.
الفارق بين تعامل مشجعي الكرة في مصر وتشيلي مع أزمتي أبوتريكة وفيدال، هو نفسه الفارق بين بلادنا العربية و”بلاد بره”، فعندنا يختلط الدين بالسياسة والكرة، ويحوّل البعض الحرام من وجهة نظر القانون إلى حلال في غيبة معايير مجتمعية واضحة وصارمة، ووعي إنساني يفرق بين الديني والدنيوي.