عمل الأم يعزز نجاح أبنائها الصغار في مستقبل حياتهم

أثبتت دراسة حديثة أن عمل الأم من شأنه أن يعزز نجاح أبنائها الصغار وربما يسهم في تأسيس علاقات اجتماعية متينة في المستقبل بعكس ما هو متداول. وأشار باحثون في كلية هارفرد البريطانية للأبحاث، إلى أن الفتيات اللاتي ينشأن في كنف أمهات عاملات أكثر حظا في مستقبل حياتهن في الحصول على وظائف مرموقة وجني مزيد من المال، مقارنة بالفتيات اللاتي ينشأن في رعاية أمهات من ربات البيوت.
وكان الباحثون قد خرجوا بنتائجهم هذه اعتمادا على بيانات استطلاع برنامج المسح الاجتماعي الدولي، الذي قام بتحليل بيانات لأسر من مختلف دول العالم.
وأكدت النتائج على أن الفتيات لأمهات عاملات لا يعملن بالضرورة لساعات طويلة في المنزل لتلبية احتياجات الأسرة لتعويض غياب الأم -كما هو متوقع- بل على العكس من ذلك، حيث يقتصر عملهن على ساعات أقل لكون عمل الأمهات يضفي بعض التنظيم على إدارة الحياة اليومية في المنزل.
من جهة أخرى، لم يوضح الاستطلاع أي علاقة تربط بين عمل الأمهات ومستقبل أبنائهن الذكور فيما يتعلق بالعمل أو التحصيل الوظيفي والمالي، إلا أن الأبناء الذكور لأمهات عاملات يصرفون ساعات أطول في تأمين احتياجات المنزل ورعاية الأسرة من أبناء ربات البيوت.
وعموما فإن النتائج التي حللت بيانات أسر لأكثر من 24 بلدا في العالم، في أميركا، أوروبا، أستراليا، آسيا والشرق الأوسط، أكدت على أن عمل الأم من شأنه أن يخلق أدوارا اجتماعية غير تقليدية لأبنائها من الجنسين، حسبما نشرته العرب في عددها الصادر بتاريخ 2015/06/23.
الأبناء الذكور لأمهات عاملات يصرفون ساعات أطول في تأمين احتياجات المنزل ورعاية الأسرة من أبناء ربات البيوت
من جانب آخر، أشارت الأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني إلى أن عدد ربات البيوت قد انخفض بصورة ملحوظة في العقدين الماضيين بمعدل الثلث، وأن بيانات المسح الاجتماعي الدولي أكدت على أن هنالك ربة بيت واحدة من بين كل عشرة أمهات عاملات، لكن لا يقابلها أي حركة تعويض من قبل الآباء لخيار البقاء في المنزل وتعويض غياب الأم.
إلى ذلك، فإن عمل الأم يقدم مفهوم المساواة بين الجنسين باعتباره حق واجب وممارسة طبيعية، تفرض قيمها العادلة على مسار العلاقات في المنزل ويمتد تأثيرها إلى علاقات الأبناء بالمجتمع الكبير.
وترى دايان بارث، طبيبة ومحللة نفسية في إحدى المراكز العلاجية في مدينة نيويورك الأميركية، بأن الفكرة تتلخص في القرار الذي نتخذه لخلق مستوى مناسب من التوازن فيما يتعلق بالمسؤوليات التي تقع على عاتقنا في حياتنا اليومية، وهذا الأمر يشمل الأمهات العاملات وربات البيوت على حد سواء والآباء أيضا بوجود أبناء أو بعدم وجودهم، فطريقة إدارة هذه اليوميات هي التي تقرر نجاحنا أو إخفاقنا.
وتنصح المرأة العاملة -على سبيل المثال- أن تقوم بتخصيص وقت العمل لصب معظم تركيزها على الإنجاز الكمي والنوعي، فيما يخصص الوقت المتبقي من اليوم لأعمال المنزل وقضاء الوقت مع أفراد الأسرة خاصة الأطفال، في حين أن اقتطاع بعض الأوقات بعد نهاية ساعات العمل في محاولة لإنجاز بعض الأعمال المتراكمة قد لا يأتي بالنتائج المرجوة، حيث يصعب التركيز في أجواء المنزل في حين تخسر الأسرة حقها من الرعاية والعناية.
عمل الأم يقدم مفهوم المساواة بين الجنسين باعتباره ممارسة طبيعية، تفرض قيمها العادلة على مسار العلاقات في المنزل
وينصح متخصصون الأم العاملة وربة البيت، بأن السعي للكمال أمر مضر وغير واقعي عليها تجاوزه إذ يتوجب عليها بذل ما في وسعها لتحقيق العدالة بين واجباتها المهنية والمنزلية، من دون أن تضحي بحقوقها الشخصية حتى وإن كانت في حدود ضيقة، كاقتطاع وقت قصير لنزهة أسبوعية أو لممارسة الرياضة أو اللقاء بالصديقات. في حين، تستطيع الأم ربة المنزل أن تقتطع بعض الأوقات يوميا للابتعاد قليلا عن مسؤولياتها ولإتاحة الفرصة لأبنائها للاعتماد على أنفسهم تدريجيا لتطوير علاقات اجتماعية خارج أطر العلاقات الأسرية، ما يعزز من استقلاليتهم ويطور من شخصياتهم في اتجاه نجاح علاقاتهم الاجتماعية في المستقبل.
وتستطيع -وفق ذلك- الأم العاملة أن تتبع بعض الاستراتيجيات لتحقيق هذا التوازن بالاستعانة مثلا بالأصدقاء، حيث تتشابه ظروف بعض الناس بشكل يجعلهم يستطيعون تقديم بعض الدعم للآخرين في مقابل حصولهم على دعم مماثل، حيث تعمل الأم ساعات معينة لتترك صغارها في رعاية صديقتها أو زوجها أو المربية، ما يتيح لها الوقت الكافي لتنظيم مسؤولياتها وكذلك يمكنها الاعتماد عليهم في الحالات الطارئة.
في حين تتيح بعض الأعمال الفرصة للمرأة لتفضيل خيار العمل في ساعات معينة لا تتعارض مع وجودها في المنزل لرعاية أفراد أسرتها، إذ تختار بعضهن العمل لأيام محددة في الأسبوع أو العمل من المنزل وهو خيار معتمد في الكثير من المهن في الوقت الحاضر، فرضته وسائل التقنية الحديثة التي توفر الخدمات المتنوعة في إتاحة الفرصة للتواصل مع مواقع العمل الرئيسة بوساطة الإنترنت بصورة مباشرة أو غير مباشرة.