صقيع النسيان
لاشك أنَ الناقد السوري خلدون الشمعة يقف إلى جانب أبرز نقاد الأدب في مشهد النظرية النقدية العربية المعاصرة وتطبيقاتها، وهو أيضا من الأسماء السباقة للتنبيه إلى ضرورة الانفتاح على كنوز الثقافة الغربية -وخاصة النقد الأدبي الغربي الأكثر تطورا وحداثة- وإلى إقامة الحوار الخصب معها في إطار مشروع المثاقفة المبدعة، وقد بذل الكثير من الجهد لبلورته وتكريسه في مسرح النقد الأدبي العربي إلى جانب مساهمات كوكبة من المفكرين والنقاد العرب.
وفي هذا الخصوص فإن الناقد خلدون الشمعة يفهم المثاقفة على أنها ليست مجرد استعارة للنظريات وللمفاهيم وللمصطلحات ولطرائق التحليل، أو مجرّد استيعاب لكل هذه العناصر، بل إنه يراها بناء مستمرا للوعي الثقافي والفكري الحواري بين الثقافات والتجارب النقدية الأدبية الإنسانية، وأنها أيضا إعادة لرسم علاقتنا بالحساسيات الفكرية والأدبية العالمية في أفقها الحضاري، انطلاقا من عناصر وعينا بأنفسنا وبركائز ثرانا الثقافي النقدي المتحضر. فهو لم يكتف بالدعوة إلى أهمية جعل المثاقفة مشروعا حيويا فقط، بل إنه مارسها عمليا في سلسلة من مؤلفاته النقدية، التي أعتبرها من بين أثقف الكتابات النقدية في تجربة النقد الأدبي العربي، منها “الشمس والعنقاء”، و”النقد والحرية”، و”المنهج والمصطلح” فضلا عن دراسات منهجية ومقالات مكتنزة عديدة منشورة في الصحف والدوريات وهي لم تجمع بعدُ في كتب.
وفي السنوات الأخيرة أنجز الناقد خلدون أطروحة باللغة الأنكليزية عن مشكلات المركزية الأوروبية/ الغربية وتقدّم بها إلى جامعة لندن ونال عنها شهادة الدكتوراه بامتياز. وفي السبعينات من القرن العشرين نال جائزة مجلة الآداب البيروتية كأفضل ناقد أدبي.
لقد تابعت التجربة النقدية لهذا الناقد المهم على مدى سنوات وقبل أن ألتقي به في عام 1975 بمناسبة انعقاد مهرجان الشعر ومؤتمر الأدباء العرب بالجزائر حيث شاركنا معا في فعاليات ذلك الفضاء الثقافي. وتشاء صدف الدنيا أن يجمعنا في عام 1986 سقف مجلة “الدستور” الأسبوعية.
واصلت متابعة كتابات الدكتور خلدون التي لم تنقطع أبدا، وهنا أطرح هذه الأسئلة: لماذا لم يتمّ تكريم كتابات هذا الناقد اللامع من طرف المؤسسات الثقافية والأكاديمية العربية إلى يومنا هذا؟ ولماذا لم تمنح له الجوائز التي منح عدد منها لأسماء أقل منه موهبة وكفاءة نقدية؟ ثم فهل سيعلق عرابو الثقافة العربية عرجون الاعتراف بإنجازاته على كتفيه بعد فوات الأوان فقط؟ ولماذا كل هذا الإجحاف المدجج بحجب صقيع النسيان؟
كاتب من الجزائر