الطريق إلى حل المشاكل يبدأ من تضييق الهوة بين الواقع والهدف

الأربعاء 2014/09/24
يعاني بعض الناس من حل مشاكلهم بسبب عدم محاولة الخروج من نطاق التفكير الضيق

عندما يتعارض واقعنا مع أهدافنا الشخصية أياً كانت أبعادها وتوجهاتها، فهذا يعني ببساطة أننا نواجه مشكلة ما تعيق تحقيق التوازن بين الاثنين، فالرغبة في الوصول سريعاً إلى محل العمل قد يتعارض مع أي عطل يحدث في السيارة، وتحقيق حلم الثراء قد يتعارض مع الرصيد الباهت في البنك، وربما يقف المرض حائلاً بيننا وتحقيق قائمة طموحات دراسية لا حد لها.

حل المشاكل يعتمد في المقام الأول على تضييق الهوة بين الواقع والهدف، من خلال سلسلة من الإجراءات تبدأ من تعريف المشكلة مروراً بالخطوات اللازمة لغرض اجتياز العقبات، وصولاً إلى الهدف.

هذا التعريف النظري لا يمكن أن يطبق بهذه البساطة، إلا أنه قد يكون “المقود” الذي يحدد اتجاه الحركة، حيث يؤكد متخصصون على أن تعريف وتحديد المشكلة هو جزء مهم يسهم في حلها. ولكن المفارقة تقول بأن معظم المشاكل التي يواجهها الناس يصعب إيجاد حلول وافية وسريعة لها بسبب عدم وضوح الأهداف، حيث يقع صاحب المشكلة في هذا الفخ نتيجة تشوش أفكاره وعدم ثقته بقدراته وفي الغالب. يقع البعض ضحية لليأس أو الملل عند أول عقبة يصادفها في طريقه الطويل لتحقيق الهدف. في حين، يمثل خيار اللجوء إلى استراتيجية التجريب، خطأً فادحاً لأنه يعتمد على البحث السريع عن حلول ومحاولة “القفز” إلى الهدف من دون المرور بالخطوات الطبيعية المتعاقبة، إذ تتعرض المحاولة في الغالب إلى فشل سريع قد يمثل عائقا نفسيا آخر مضافا إلى المعوقات الأخرى التي تقف حائلاً بين الفرد وإمكانية تحقيق أهدافه.

مواجهة الصعوبات في حل بعض المشاكل يتطلب من المرء أولاً تحرير نفسه من الدائرة الضيقة لذاته والابتعاد مكانياً ونفسياً قدر الإمكان عن بؤرة الصراع

من جانب آخر، تمثل النظرة الثابتة، المتصلبة والصارمة لماهية الذات، أمر شائع يتشارك فيه معظم الناس؛ كيف ننظر إلى أنفسنا وكيف نتخيل شخصياتنا وردود أفعالنا تجاه مواقف الحياة المختلفة، بمقياس ثابت غير قابل للتغيير؟

هذه المتلازمة الشخصية ذاتها قد تكون عقبة أخرى كبيرة، تتسبب في إعاقة القدرات الشخصية، من بينها الأفكار والعواطف للخروج من إطار الحدود الضيقة، وهي المسؤولة بالتالي عن صعوبة حل المشاكل والمعوقات التي تواجهنا، بسبب عدم قدرتنا على تغيير أو تبديل زاوية نظرنا للأشياء.

يرى الدكتور دوغلاس لابير، وهو طبيب نفسي ومدير مركز التنمية التطويرية في واشنطن، بأن مواجهة الصعوبات في حل بعض المشاكل يتطلب من المرء أولاً تحرير نفسه من الدائرة الضيقة لذاته، والابتعاد مكانياً ونفسياً قدر الإمكان عن بؤرة الصراع، وبالتالي، محاولة النظر إلى مكونات هذا الصراع من مسافة بعيدة، حيث تتضح جميع الأجزاء والتفاصيل بصورة أكبر.

ويؤكد الدكتور لابير على أن الأبحاث التجريبية، تشير إلى أن الإنسان الذي ينظر إلى مشاكله من مسافة نفسية بعيدة “من خارج نفسه” بإمكانه أن يراها بوضوح أكبر، لذلك فهو يقيمها بموضوعية وحكمة الأمر الذي يسهم في إيجاد حلول منطقية لها بصورة أسرع، يحدث هذا من خلال توسيع زاوية نظره للأشياء.

الإنسان الذي ينظر إلى مشاكله من مسافة نفسية بعيدة "من خارج نفسه" بإمكانه أن يراها بوضوح أكبر

وفي هذا السياق، أوردت مجلة “العلوم النفسية” الأميركية، أن باحثين في جامعتي واترلو وميتشيغان الأمريكيتين، وجدوا بأن مدى قدرة الفرد على التفكير المنطقي والحكيم في مواجهة مشاكله، تعتمد على الطريقة التي ينظر من خلالها إلى هذه المشاكل، حيث تحقق نظرية مراقبة التفاصيل وتقييم المواقف عن بعد نتائج سريعة ومضمونة، يحدث هذا بعيداً عن التحيز الذاتي في النظر إلى مشاكلنا الشخصية.

ويرى الدكتور أجور كروسمان، المشرف على الدراسة في جامعة واترلو، بأن هذا النوع من التحيز في التفكير يدعي “مفارقة سليمان”، الملك الذي اشتهر بحكمته في تصريف الأمور، في الوقت الذي كان يخفق في اتخاذ قراراته الشخصية وحل المشاكل التي تتعلق به.

وفي تفاصيل البحث الذي أشرف عليه الدكتور كروسمان وزميله إيثان كروس، تم استطلاع آراء المشاركين ووجهات نظرهم حول مشاكل تتعلق بالخيانات الزوجية وكيفية التعامل معها، وأوضحت النتائج بأن طريقة نظر المشاركين لمشكلات الآخرين تتسم بنوع من الحكمة والموضوعية، على العكس تماماً من طريقة تعاملهم ونظرتهم لمشكلاتهم الشخصية التي سيطر فيها العنصر الذاتي المتحيز في الحكم عليها.

وشدد الباحثون على أهمية استخدام مفهوم “الشخص الثالث” في تحكيمنا لمشاكلنا الخاصة، حيث يتم تدخلنا نظرياً في بحث عناصر المشكلة وكأننا طرف ثالث ينظر للأمور بمنظار موضوعي.

وتكمن أهمية هذا النوع من الأبحاث في تقديمه أساساً نظرياً لتأكيد وجهة نظر علم النفس فيما يتعلق بالتقاليد الشرقية – تحديداً- في التعامل مع المشاكل، حيث يعاني بعض الناس في حل مشاكلهم بسبب عدم قدرتهم على توسيع مجال نظرهم للأحداث والأشياء وعدم محاولة الخروج من نطاق التفكير الضيق وتقبل الآخر.

21