النساء غير القادرات على الإنجاب عرضة للاكتئاب

لأسباب مختلفة، تخفق بعض السيدات في تحقيق حلم الأمومة في الوقت المناسب، وفي أحيان كثيرة يكون سبب الإخفاق هذا اختياريا؛ حيث يؤجل هذا (الهدف) في سبيل تحقيق أهداف أخرى قد تستحق الاهتمام أكثر من وجهة نظر المرأة، خاصة في ما يتعلق منها بالحياة المهنية. أما الأسباب غير الإرادية فيكون مردها في الغالب وجود موانع صحية تمنع المرأة من الإنجاب لسنوات عدة وربما تحرمها من ذلك إلى الأبد، على الرغم من الاستعانة بخيار العلاج الطبي. ونتيجة لذلك، تصبح المرأة عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.
أشارت دراسة حديثة إلى أن النساء غير القادرات على الإنجاب أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب، خاصة بعد مرورهن بعمليات إخصاب فاشلة ومتكررة، في إشارة إلى أن معظم الاضطرابات العقلية سببها امتلاكهن “لرغبات مكبوتة” لتكوين أسرة لم تتح لهن الفرصة لتحقيقها، في حين بإمكان بعض النساء اللاتي يتجاهلن حلم الأمومة التغلب على هذه المشاعر، وبالتالي التمتع بحياة صحية أكثر توازنا.
وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها، في متابعتها وتقييمها للصحة العقلية لأعداد كبيرة من النساء، واجهن الفشل في عمليات التخصيب الاصطناعية على مدى عقد من الزمن؛ حيث رصدت الدراسة عيّنة مكونة من 7 آلاف سيدة كن قد خضعن لعمليات تخصيب وتلقيح اصطناعية مختلفة منذ 10 سنوات، في مستشفيات متخصصة في هولندا بين عامي 1995 و2000.
وأشارت الدكتورة صوفيا جاميرو، المشرفة على الدراسة في جامعة كاردف، إلى أنه معروف مسبقا أن النساء اللاتي يخضن تجارب تلقيح اصطناعي فاشلة بغرض الإنجاب، أكثر عرضة للمعاناة – فيما بعد- من اضطرابات الصحة العقلية من الأخريات اللاتي يحققن النجاح في إحدى مراحل العلاج.
كما أن معظم الدراسات السابقة، أكدت على أن هذه الاضطرابات العقلية مرجعها عدم تحقيق حلم الإنجاب، فيما أهملت تأثير عوامل أخرى قد تكون بذات الأهمية؛ مثل سن زواج المرأة وعدد المحاولات الفاشلة ومدى سلامة الزوج من الناحية الصحية.
وأكدت الدكتورة جاميرو على أن السيدات اللاتي مازلن يطاردن حلم الأمومة برغبة جارفة على الرغم من فشل المحاولات الطبية، هن أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات العقلية وخاصة الاكتئاب بمعدل ثلاثة أضعاف، مقارنة بالسيدات اللاتي تجاوزن هذه المعضلة وتقبّلن الأمر الواقع.
|
وأشارت نتائج الدراسة، أيضا، إلى أن السيدات اللاتي بدأن العلاج في سن متقدمة أكثر تجاوزا لتجارب التخصيب الفاشلة من السيدات اللاتي يبدأن العلاج في سن مبكرة، حيث تتكرر لديهن المحاولات الفاشلة بصورة أكثر، كذلك الحال فيما يتعلق بالمستوى التعليمي والثقافي؛ حيث تتجاوز النساء المتعلمات تعليما رفيعا أزمة تأخر سن الإنجاب أو الحرمان منه بصورة أسرع مقارنة بالنساء اللاتي لم يكملن تعليمهن ولا يتمتعن بثقافة عالية.
ومن الملفت للنظر، بحسب ما ذهبت إليه الدراسة، أن الأمهات اللاتي رزقن بأطفال مسبقا يعانين من اعتلال واضح في الصحة العقلية في حال فشل محاولاتهن ورغبتهن في الإنجاب مجددا، بصورة أكثر وضوحا من السيدات اللاتي لم يتح لهن الإنجاب مطلقا وبائت جميع محاولاتهن السابقة بالفشل؛ حيث تتقبل الشريحة الثانية من السيدات الأمر الواقع بروح معنوية عالية ومرونة واضحة.
ومع ذلك، فإن الأسباب ما زالت خفية فيما يتعلق بعدم قدرة بعض النساء على تجاوز هذه المحنة. أما النظريات النفسية فقد تحمل بعض التفسيرات، حيث تذهب إلى أن أهمية الهدف الذي يسعى الإنسان إلى تحقيقة هو الذي يحدد مستوى وشدة استجابته للنتائج، في حال إخفاقه في تحقيقه، كما أن وجود أهداف أخرى مصاحبة له؛ مثل النجاح المهني، تسهم في تخفيف وقع الصدمة في حالة الإخفاق في تحقيقه؛ فوجود مجموعة من الأحلام أو الأهداف في حياة الفرد يعني منحه مزيدا من الفرص والبدائل لمواجهة فشل إحداها. وهذا الأمر ينطبق على السيدات اللاتي أخفقن في تحقيق حلم الإنجاب، حيث يمثل تحويل دفة الانتباه إلى هدف آخر قابل للتحقيق، بمثابة صمام الأمان للحماية من مشاعر الإحباط التي يسببها الفشل.
من ناحية أخرى، أشارت الدكتورة جاميرو إلى أن مجموعة من الأبحاث السابقة التي أكدت على أن وجود أطفال في الأسرة قد يكون بدوره أمرا مرهقا من نواحي عدة؛ سواء ما يتعلق منها بالتربية والرعاية أو بالنواحي المالية، وهذا ما يجعل الحمل كبيرا بالنسبة إلى البعض مقارنة بالمتزوجين الذين حرموا من نعمة الإنجاب. إلا أن الأمر لا يبدو في هذه الصورة في معظم المجتمعات، التي تنعكس صورة الأسرة السعيدة في مرآتها اعتمادا على عدد الأطفال فيها، ولهذا يجد البعض صعوبة في التعامل مع الحرمان من هذه السعادة التي يصورها له المجتمع، بينما يلجأ البعض إلى تحويل دفة مشاعرهم إلى أبناء الأخ أو الأخت أومحاولة تبني أطفال لتعويض الشعور بالحرمان.