موج يوسف تكشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب

المرأة الدينية - المرأة النسويّة.. خطاب نمطي يقيّد حضور المرأة في صور محددة.
السبت 2025/06/21
صورة مختزنة في الذاكرة المجتمعية (لوحة ماهر ناجي)

يكشف لنا الأدب الكثير عن المجتمعات، عن قضاياها، مشاكلها، وأبرز مراحل تاريخها، فما بالك لو تمت دراسة الأعمال الأدبية من مدخل علم الاجتماع، حينها قد تتكشف أمامنا مضمرات الخطاب الأدبي. ذلك ما عملت عليه الناقدة العراقية موج يوسف، في كتابها “المرأة الدينيّة – المرأة النسويّة: كشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب”.

كثيرة هي الأسئلة التي تطرحها وتحاول الإجابة عنها الناقدة والأكاديمية العراقية الدكتورة موج يوسف، في كتابها “المرأة الدينيّة – المرأة النسويّة: كشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب”، الصادر عن دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، والذي قدّم له الأكاديمي والناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي.

وكان السؤال الأول الذي حضر في ذهن المؤلفة وحاولت الإجابة عنه من خلال فصول كتابها: ما قيمة البحث العلمي والنقدي إن لم يضع علاجا للمرض وليس للأعراض؟ وأسئلة أخرى تنوّعت ما بين الفني والموضوعي، وكانت بداية الأسئلة الفنية من الرواية، وربما كان السؤال الأهم الذي أجابت عنه المؤلفة الدكتورة موج يوسف: هل استطاع الكاتب العراقي أن يُجاري التحولات الاجتماعية في العراق لاسيما في العقد الأخير ؟ وهل كل ما يكتب تحت مسمّى جنس الرواية هو كذلك؟ وهل حاول الكاتب أو الكاتبة اقتحام موضوعات اجتماعية على وفق تسمية المسكوت عنه؟

حضور المرأة في الأدب

عبدالله الغذامي: النص الأدبي تحول إلى نص اجتماعي يكشف صورا نمطية
عبدالله الغذامي: النص الأدبي تحول إلى نص اجتماعي يكشف صورا نمطية

من الواضح أن الأسئلة التي طرحتها مؤلفة الكتاب وسعت للإجابة عنها، قد جاءت منبعثة من مسؤولية حياتية ليست خاصة بالمرأة فحسب، وإنما تنطلق من واقع الدراسات الأكاديمية والنقد بعمومه الذي أصبح بشكل نسبيا “بعيدا عن معالجة واقعنا المعاصر الممتلئ بالمشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية، والسياسية،” وذلك بحسب قول المؤلفة.

تقول الدكتورة موج يوسف في مقدمة كتابها إن “حضور المرأة في الأدب كان ومازال يُؤثث المعنى ويُؤنث اللفظ فيحاول الأديب أن يسرق وصفها من الكتب، ويفتّش عن وعي يُبهرها.”

وذهبت المؤلفة إلى القول بأن “الكاتب العراقي وقع في مأزق ضعف الوعي بشخصية المرأة وعوالمها، وأن المرأة الكاتبة انزلقت كتابتها في بئر الفحولة، كأنها لا تعرف نفسها، وأن الدراسات النقدية والأكاديمية لم تستطع الكشف عن هذه الجوانب لولا مصطلح رؤية العالم، الذي بني عليه علم اجتماع الأدب، الذي كان الأقرب إلى هواجس المؤلفة التي ترى بأن “على الدراسة النقدية والأكاديمية أن تنزل من برجها العالي إلى البيت والشارع، والمقهى، ويقرؤها من يؤمن بسحر الكلمة التي تفتح أمامه صخرة علي بابا.”

وأثارت المؤلفة في مقدمة كتابها، قضية اللغة، حيث انشغلت بالتفكير في كيفية الموازنة بين لغة ترتوي من المصطلحات الكثيرة التي لا يفهمها إلا ذوو التخصص الدقيق، وبين لغة تمتزج مع الدقيق لتكون كقطعة خبز في كل بيت.

وفي ذلك تقول الدكتورة موج يوسف، إن محاولة التخلص من المصطلحات النقدية، والتحرر من لغة النقد كانت كالركض في حقل الألغام، مُتسائلة “كيف يتم تداول لغة تقترب من اليومي الحياتي في بحث رصين؟” وأقرت بأن “هذه إحدى أهم الصعوبات التي واجهتها،” وأنها لذلك “قرّرت أن تستعمل اللغة الأدبية التي يفهمها الجميع في البلاد العربية، فكتبت بلغة تشبهنا وجزء من شفاهنا، ومن كتبنا ومن جرائدنا.”

مهما تفردت الرؤية فإنها ستظل متلبسة بالمخزون الذهني ممّا نظنه تربية منزلية، ولكنه في عمقه تربية نسقية
مهما تفردت الرؤية فإنها ستظل متلبسة بالمخزون الذهني ممّا نظنه تربية منزلية، ولكنه في عمقه تربية نسقية

وعملت مؤلفة كتاب “المرأة الدينيّة – المرأة النسويّة: كشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب”، على تفكيك الخيوط المتشابكة في علم اجتماع الأدب، الذي تعددت آراء النقاد والفلاسفة ومنظري علماء الاجتماع فيه، كل واحد منهم يرى أنه ينتمي إلى تخصصه، وتمّ تضييقه بين النقد وعلم الاجتماع.

ومن هنا فقد جاء تمهيد الكتاب بعنوان “علم اجتماع الأدب بين النقد والسوسيولجيا”، وخصصت المؤلفة بابا حمل عنوان “رؤية الكاتبات للمجتمع”، وتكوّن من ثلاثة فصول، استعرضت رؤى الكُتّاب للمرأة والتي تنوّعت ما بين الفحولة الذكورية، ووعي الكاتب بالقيمة الوجودية للمرأة.

وجاء الباب الثاني بعنوان “رؤية الكتاب الشخصية للمرأة في الراوية”، وتوزّعت مادته على ثلاثة فصول تُنقّب بقضايا مختلفة بين الأديب ومجتمعه.

ونتعرف من الكتاب على أن الدكتورة موج يوسف تعاملت مع الرواية وتحديدا التي صدرت خلال العقد الأخير، على أنها ظاهرة اجتماعية، “لذلك لم تكن الاختيارات عبثية، وإنما قصدية شملت الجيد والرديء لعدة أسباب ومنها أن هناك نوعا من الاستسهال والجهل المعرفي بعوالم الرواية؛ وأنه من الصعب وصف كتابة أغلب الكتاب بأنها رواية وإنما تصنف ضمن السرد التاريخي أو السيرة،” وهذا ما أوضحته لنا المؤلفة في كتابها.

وترى الكاتبة أن الرواية العراقية بلغت مرحلة النضج في العقد الأخير، وأن روايات ما بعد عام 2003 “لم تكن سوى خواء كتابي،” حيث حاول الروائي أن ينتقم من حياة القمع التي عاشها في مرحلة النظام السابق فجاءت كتابته ملتهبة بالانفعالات العاطفية والأحداث التاريخية التي لم تغب عن كل عراقي، فتحول إلى مؤرخ.

ورصد الكتاب أغلب مواطن الخلل في تقنيات السرد الروائي، ورصد نقاط الضعف.

بحث فكري ومعرفي

المرأة الحديثة لم تعد كما كانت (لوحة وليد نظامي)
المرأة الحديثة لم تعد كما كانت (لوحة وليد نظامي)

جاء في مقدمة الكتاب التي كتبها الدكتور عبدالله الغذامي، أن المؤلفة اختارت أن تدرس ما جاء في كتابها من مادة بحثية من زاوية غير مطروقة، وهي زاوية علم الاجتماع الأدبي.

وبحسب مقدمة الغذامي، فإن الكتاب هو “بحث فكري ومعرفي يجعل الموضوع هو المرتكز في حين أن المنهجيات النقدية تنطلق من الخطاب نفسه وتستنبت مباحثها عبر مضامير الخطاب كما في النقد الثقافي، أو ثغرات الخطاب كما في النهج التشريحي الذي يعني التفكيك من أجل إعادة البناء، أو النهج التفكيكي الذي يعمد إلى تقوية بنية الخطاب وتعرية تمركزه المنطقي.”

وأشار الدكتور عبدالله الغذامي إلى أن “الدكتورة موج يوسف مالت في كتابها لسير الاجتماعيات الأدبية، بمعنى أن تعالج موضوع المرأة والأدب من حيث صورة المرأة في الفعل الأدبي فجاء كتابها ثريًا في مادته الأدبية التي اتخذت المرأة مركزا للخطاب وهذه من حيث المنهجية هي تحويل للموضوع من كونه خطابا إلى كونه مساحة لكشف صورة المرأة أدبيًا، ويتكشف ذلك من خلال الصور النمطية عن المرأة التي تفضح خطابً النمطية من حيث هو خطاب تقليدي، بمعنى أن الصورة يتم استنساخها وليس ابتكارها، وهنا لحظة الفضح والكشف،” بحسب قوله.

وهو يرى أن “الصورة التي تظهر فيها المرأة هي تلك الصورة المختزنة في الذاكرة الاجتماعية، ومن ثم فالنص الأدبي يصبح نصا اجتماعيا بما أن صورة المرأة فيه ليست ابتكارا فرديا، وإنما هي صور مختزنة أصلا في الذات المجتمعية وظلت تتوالد عبر الكتابات، ولهذا فهي استعادة لما هو مستقر في ذاكرة متوارثة وتظل في حال توارث مستمر، دون أن تتمكن الكتابة الأدبية من كسرها، ومن ثم تقديم صورة مستحدثة رغم أن المرأة ذاتها تغيرت عن تلك القديمة، والمرأة الحديثة لم تعد كما كانت من قبل واختلفت في المستوى الفكري والمعرفي والإبداعي، وهذا تحوّل ثقافي نوعي وجذري لكنه لم يتجذّر في نسق الخطاب، ولم يتطور الخطاب منه بشكل كاف ليقدم صورة المرأة الحديثة ويُهشّم الصورة النمطية القارة في مضمرات الخطابات، وإن تبدى ظاهر الخطاب حداثويا لكنه يظل نسقيا في مضمره.”

موج يوسف: روايات ما بعد 2003 لم تكن سوى خواء كتابي
موج يوسف: روايات ما بعد 2003 لم تكن سوى خواء كتابي

ورأى الدكتور الغذامي أن “ميزة علم اجتماع الأدب تأتي هنا من أنه يهتم بالواقع أكثر من اهتمامه بالنظريات، وكل نظرية فيه تكون نتيجة لملاحظة واقعية، ومن هنا – ووفقا لقوله – فإن توظيف علم الاجتماع في البحث الأدبي سيجعلنا أكثر قربا لملامسة مفعول الواقع المعاش في تشكيل صبغ ذهنية تكتسب مع الزمن قدرات على التسلط الذهني وتلبيسه على المجازات الإبداعية.”

ولفت إلى أنه مهما تفردت الرؤية كما هو المفترض إبداعيا فإنها ستظل متلبسة بالمخزون الذهني مما نظنه تربية منزلية، ولكنه في عمقه تربية نسقية، وهذا ما سعت المؤلفة إلى تلمسه عن صبغات صور المرأة التي تصدر من موروث اجتماعي ظل يظهر عبر الصيغ التعبيرية.

وقد جاء من بين عناوين الموضوعات التي تناولتها الدكتورة موج يوسف في كتابها “علم اجتماع الأدب وتداخل المصطلحات”، و”علم اجتماع الأدب بمفهومه العربي”، و”علم اجتماع الأدب في العراق”، و”المرأة بين المركز والهامش”، و”شخصية المرأة مركزا فنيا واجتماعيا”، و”جسد المرأة بين الانهيار الفني وغريزة المتلقي”، و”الجنس في الرواية بين غريزة الكاتب وإثارة المتلقي”، و”الجسد بين المقدس الاجتماعي والمدنس الفني”، و”التمييز الجنسي عقيدة المجتمعات الأبوية”، و”رؤية روائية نحو المرأة الشعبية والتقليدية”، و”المرأة الدينية: حضور اجتماعي بسلطة الدين”، و”المرأة النسوية حضور اجتماعي وعبث كتابي”.

يُذكر أن مؤلفة الكتاب الدكتورة موج يوسف، هي ناقدة وأكاديمية عراقية، حاصلة على درجة الدكتوراه في النقد الحديث وعلم اجتماع الأدب، وتعمل ضمن هيئة التدريس بكلية الآداب بالجامعة العراقية.

صدر لها “الذات والمجتمع دراسة في الأنساق الثقافية”، و”ألف ليلة وليلة النسخة الأصلية.. تحقيق وتقديم”، و”الأعمال الشعرية لقيس لفتة مراد.. جمع وتحقيق ودراسة”، وأخيرا “المرأة الدينية المرأة النسوية: كشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب”. إضافة إلى مجموعة من البحوث التي نذكر منها “العاهة والقبح في الشعر مقاربة بين الأعشى وبودلير” ( دراسة ثقافية)، و”نسقية الحب العذري والجنون الثقافي مقاربة ثقافية بين مجنون ليلى ومجنون ألسا”، و”علم اجتماع الأدب جدلية النقد والسوسيولوجيا”.

13