توسيع الحرب إلى الخليج يهدد مصالح الجميع

كلام الشيخ محمد بن زايد يؤكد أن الخليجيين يقفون ضد الحرب ويعارضون استهداف إيران وضرب مقدراتها ويتضامنون معها في المحنة، وهذا عكس ما يشتغل عليه جزء من إعلام إيران وحلفائها.
الخميس 2025/06/19
الحرب ستغيّر الإيرانيين حتى وإن لم يتغيّر النظام

يتزايد الوعي إقليميا ودوليا بخطر تمدد الحرب وخروجها من المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل خاصة بعد تلميحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن  دخول بلاده على خط الحرب لإسناد إسرائيل وإجبار إيران على “الاستسلام”، والتسريبات التي صدرت بعد اجتماع ترامب مع مجلس الأمن القومي ونقل أعداد من مقاتلات إف – 16 وإف – 22 وإف – 35. يضاف إلى ذلك تهديدات إيرانية باستهداف قواعد أميركية في الخليج.

ويعرف الخليجيون أن اتساع دائرة الحرب سيجعل بلدانهم في مرمى المواجهة العبثية الاستعراضية للأطراف المشاركة، ولذلك يتحركون على أكثر من مستوى لوقف الحرب والتشجيع على الحوار لتجاوز عناصر الخلاف بشأن النووي الإيراني واستعادة مسار مسقط الذي خرجت من اللقاءات السابقة تصريحات أميركية وإيرانية متفائلة بقرب التفاهم وأن تفاصيل خلافية صغيرة تؤجل التوصل إلى اتفاق نهائي، وهو ما يعني أن الحل ممكن ويحتاج إلى المزيد من الوقت والتنازلات المتقابلة، في حين أن خيار الحرب سيفضي آليا إلى إنهاء هذا المسار، وإن عاد فسيكون بصعوبة وبتعقيدات جديدة.

والسعي الخليجي للتهدئة ووقف الحرب بدا أكثر وضوحا في حديث رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان حيث قال رئيس الإمارات إن بلاده “تواصل الاتصالات والمشاورات المكثفة مع الأطراف المعنية بهدف تهدئة الأوضاع وخفض التصعيد، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.”

◄ التلميحات التي تصدر عن مسؤولين إيرانيين باستهداف القواعد الأميركية في الخليج تثير المخاوف وتظهر أن القرار الإيراني بدأ ينزلق ليكون بأيد فئة من القيادات المشحونة بالشعارات

وأكد الشيخ محمد بن زايد “دعم الإمارات لأيّ خطوات تصب في هذا الاتجاه،” معربا عن “تضامن الإمارات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها خلال هذه الظروف.”

ويؤكد كلام رئيس الإمارات أن الخليجيين يقفون ضد الحرب ويعارضون استهداف إيران وضرب مقدراتها وهم يتضامنون معها في المحنة، وهذا عكس ما يشتغل عليه جزء من إعلام إيران وإعلام حلفائها في المنطقة، الذي يحاول تحميل الخليجيين مسؤولية الحرب دون مسوغات واقعية ويطلق الإشاعات ويحرض على الانتقام في تناقض مع التوجهات المعلنة للقيادة الإيرانية، ولجوء طهران إلى دول الجوار طلبا للوساطة ومخاطبة ترامب بضرورة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وهي تعرف أن الرئيس الأميركي يستمع لقادة الخليج ويأخذ بنصائحهم بمفعول تأثير الشراكة الآخذة في التوسع بين أميركا ودول الخليج.

لو لم تكن القيادة السياسية في إيران تثق بالخليجيين أو تنظر إليهم كشركاء في الحرب ما الذي يدفعها لطلب وساطة الخليج والأمل في أن تفضي إلى نتائج عملية؟

ولا يجب أن ينظر إلى التحرك الخليجي نحو التهدئة على أنه تحرك لحسابات ذاتية لكل دولة لتأمين النأي بالنفس عن الحرب، فهذا عنصر فقط من المخاوف الخليجية. ويعرف الخليجيون أن اتساع الحرب سيضر بمصالح الجميع بما في ذلك أميركا وإيران وإسرائيل، وسيخلق مناخا للتوتر تتضرر منه مصالح العالم شرقا وغربا.

هناك نتائج مباشرة وسريعة، وتهم استهداف تصدير النفط من الخليج، المنطقة الأكثر أهمية لاقتصاديات العالم. وتعطيل التصدير لن يتضرر منه المنتجون فقط، وعلى العكس سيضرب قدرات المستهلكين في الشرق والغرب ويلهب الأسعار ويدفع الكثير من الشركات إلى الإفلاس.

وهناك مشكلة أخرى أكثر أهمية أن الحرب إذا اتسعت دائرتها فلا أحد سيتحكم بدرجة الاتساع، أو قائمة الأطراف المشاركة فيها، ولا في نوعية السلاح، حيث تنشط السوق السوداء وتتسلل جماعات شغلها الشاغل الاستثمار في الحروب. وليس ثمة ما يمنع تنظيمات مثل داعش أو القاعدة من أن تجد ضالتها في حرب إقليمية جديدة وتظهر أنها ما تزال موجودة رغم مقتل قادتها. ستوفر لها الحرب فرصة لإعادة الاستقطاب “والاحتطاب”، ومن السهل تجيير عملياتها لفائدة هذا الطرف أو ذاك.

◄ الحرب ستغير الإيرانيين حتى وإن لم يتغير النظام وثقافة الانتقام التي زرعها بين أنصاره ضد الجوار الخليجي

كما أن الحرب المفتوحة ولا شك توفر الفرصة لخلايا إيران النائمة في الخليج والشرق الأوسط وأوروبا وأميركا اللاتينية لتنفيذ عمليات ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية تعيد إلى الأذهان مناخ الثمانينات والتسعينات وتفجيرات بيروت والخبر وغيرهما.

الحرب ليست فقط قرارا بإعلان إطلاق الصواريخ والمسيّرات، فهذه أسهل الخطوات، لكن الأصعب هو اتخاذ قرار وقفها في اللحظة المناسبة بعد أن تكون قد أدت ما خطط لها. هل يقدر ترامب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن على اتخاذ قرار وقف الحرب؟ طبعا لا، لأن إيران التي توقّعا أن تستجيب سريعا لشروطهما لم تفعل واستمرت بمغامرة إطلاق الصواريخ.

وحتى لو انتهت الحرب على وضع لا غالب ولا مغلوب فستكون لها نتائج وتأثيرات كبيرة على المديين القريب والمتوسط داخل إسرائيل وإيران وفي المنطقة ككل.

ولأجل هذه المخاطر الإستراتيجية جاء التحذير الصادر عن الإمارات ليقول لمختلف الأطراف أن تتريث وألا تنساق للشعارات أو تخضع لحماس قادة سياسيين يعتقدون أن القوة يمكنها أن تفرض خياراتهم على أيّ دولة في العالم، أو لمن يؤمن أن الله يقاتل بدلا منه، وهو حماس سيؤدي بالتأكيد إلى نتائج عكسية.

وحذر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الثلاثاء، من مخاطر أيّ خطوات متهورة تتعدى حدود إسرائيل وإيران، داعيا إلى الحكمة وتحرك منسق عاجل إقليميا ودوليا لتجنب مخاطر توسيع الصراع واحتواء انعكاساته على سلم وأمن المنطقة والعالم.

وحث الشيخ عبدالله بن زايد على “ضرورة التحرك السريع نحو غاية واضحة، وهي الوقف الفوري لما يجري قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.”

◄ الخليجيون يعرفون أن اتساع دائرة الحرب سيجعل بلدانهم في مرمى المواجهة العبثية الاستعراضية للأطراف المشاركة، ولذلك يتحركون على أكثر من مستوى لوقف الحرب والتشجيع على الحوار

وينتظر أن تظهر مواقف خليجية أخرى وخاصة من السعودية لتحذر من الانزلاق إلى توسيع دائرة الحرب. فالذين يتحمسون لبطولات الحرب وهم في أماكن أخرى بعيدة ليس من حقهم أن يلقوا بمزايداتهم أوراق ضغط على من هم على تخوم الحرب.

السعودية أو الإمارات أو قطر دول لديها مشاريع واستثمارات ومقاربات للمستقبل من حقها أن تتحرك لحمايتها، ولن يفيدها التصفيق لإيران أو لأميركا، فللطرفين مصالح وحسابات يدافعان عنها ليس بشرطه أن يكون الخليجيون في قلبها، ولذلك فهم لا يعلنون مساندة أميركا رغم أنها شريك اقتصادي ودفاعي كبير.

والخليجيون واقعيا أقرب إلى إيران لأنها شريك بالجغرافيا والتاريخ، ولأن قيادتها عرفت أخيرا، وإن كان متأخرا، أن دول الجوار عمقها وشريكها الإستراتيجي خاصة بعد أن تعطلت محركات الحرب بالوكالة التي زرعتها طهران في الإقليم، وبان للسلطات الإيرانية أن معارك التاريخ والأوهام القديمة لن تؤدي إلى أيّ نتائج. صحيح أن التغيير في إيران ما يزال غير ملموس، وقد يكون مقاربة ظرفية من القيادة لتجنب العزلة دوليا، لكن سيكون مسارا اضطراريا وأحد نتائج الحرب الجارية التي ستدفع إيران إلى الانكفاء على ذاتها والتحرك في مربع محدود، وسيكون الخليجيون بوابتها على العالم كما كانوا في سنوات الحصار والعقوبات الدولية.

التلميحات التي تصدر عن مسؤولين إيرانيين باستهداف القواعد الأميركية في الخليج تثير المخاوف وتظهر أن القرار الإيراني بدأ ينزلق ليكون بأيد فئة من القيادات المشحونة بالشعارات والعداء لدول الجوار العربي. فبعد مقتل نخبة القيادات العسكرية اضطرت القيادة السياسية الإيرانية (المرشد الأعلى علي خامنئي ومن بقي من مستشاريه) إلى سد الشغور بالرتب الموالية من مساعدين وتقنيين في المؤسسات المستهدفة مثل قيادة الأركان أو القيادة الجوية وقيادة الحرس الثوري.

الفئة الجديدة من القادة الاضطراريين تعيش على الشعارات القديمة، شعارات تصدير الثورة، ولا يتم تأهيلها لتكون في مستوى ما تريده القيادة السياسية، المنفتحة على الخليج، والساعية لإنهاء حالة الشك بين إيران ومحيطها الإقليمي.

الحرب ستغير الإيرانيين حتى وإن لم يتغير النظام وثقافة الانتقام التي زرعها بين أنصاره ضد الجوار الخليجي.

8