"الوجهة الأخيرة".. سلسلة أفلام أميركية تطرح أسئلة وجودية

فيلم "خط الدم" يحصد 230 مليون دولار في أول أسبوع من عرضه.
الاثنين 2025/06/16
لا مفر من الموت

"الموت لا يمكن خداعه" هذا ما تؤكده سلسلة أفلام "الوجهة الأخيرة" التي تواصل في جزئها السادس تفكيك مفهوم الموت وكيف تتعامل معه الأساطير والشعوب، عبر حكاية متخيلة لحادث تسبب في تعطيل خطة الموت داخل عائلة، إلا أنه يعود مجددا ليبدأ في القضاء على أفرادها بطرق بسيطة لكنها أيضا معقدة ومروعة.

تحتل أفلام الرعب موقعا متقدما في دائرة اهتمامات صناع السينما العالمية، حيث تمثل رهانا مضمونا لتحقيق إيرادات كبيرة عند عرضها، بسبب قدرتها على جذب شرائح عريضة من المشاهدين الشباب والمراهقين، باعتبارهم الفئة الأكثر إقبالا على مشاهدة الأعمال السينمائية.

هناك أعمال تعرض قصصا تتناول بيوتا قديمة مهجورة مسكونة بالأشباح العنيفة، مثل الفيلم الشهير “المسكون” The Haunting وكان مقدمة لانطلاق النجم ليام نيسون كواحد من أهم نجوم هوليوود خلال الثلاثة عقود الماضية، وأخرى تتناول الشياطين التي يقال إنها تسكن أجساد البشر، مثل سلسلة الأفلام ذات الإيرادات الكاسحة “الشعوذة” The Conjuring بأجزائها الأربعة، وآخرها الجزء المنتظر إطلاقه في سبتمبر المقبل بعنوان “الشعائر الأخيرة” The last rite وثلاثية أفلام Insidious  أو “ماكر”، وثالثة تقدم مسارات دموية مرعبة لبعض القتلة المتسلسلين السيكوباتيين وأهمها سلسلة saw أو “منشار” وأخرى تقدم خيالا علميا مرعبا مثل سلسلة  Alien.

ويوجد مسار من مسارات أفلام الرعب الهوليوودية اتخذته سلسلة Final destination أو “الوجهة الأخيرة” واستقى صناعه سردياته من الحكايات الإغريقية، كما في ملحمة “أوريستس” لإسيخليوس وتتناول تحدي الإنسان للقدر المتمثل في آلهة الأوليمب الأغريقية التي تغضب بشدة وتنزل عليه لعنات وكوارث نتيجة هذا التحدي.

كوارث دموية

طرحت هذه السلسلة القضية بشكل بسيط، يتناسب مع العصر الحالي، وفي كل جزء من أجزاء السلسلة الستة ترى إحدى الفتيات كارثة دموية مروعة تحصد عشرات الأرواح قبل وقوعها، شأنها في ذلك شأن عرّافات دلفي اللاتي كن يتنبأن بالكوارث في اليونان القديمة، ويحذرن الفتيات من الكوارث قبل وقوعها، إلا أن القليل منهن يستمعن ويستجبن، وتقع الكوارث وتنجو من يستمعن للنصائح، ويبدأ القدر في تنفيذ خطته، ويحصد الموت أرواح هؤلاء الناجين واحدا بعد الآخر.

واستثمارا للنجاحات وضخامة الإيرادات التي حققتها الأجزاء الخمسة السابقة، عاود صناع السلسلة الكرة ليطلقوا مجددا الجزء السادس الذي جاء تحت عنوان Final Destination Bloodlines أو “الوجهة الأخيرة- خط الدم”، وبلغت ميزانية إنتاجه 50 مليون دولار، وحصد خلال الأسبوع الأول من عرضه إيرادات بلغت 235 مليون دولار، وسط إشادات نقدية عالمية بالمستوي الفني للفيلم، خاصة السيناريو السريع والقوي المحكم، وكتبه جاي بوسيك ولوري إيفانز تايلور، والإخراج عال التقنية والمليء بالمفاجئات غير المتوقعة للمشاهدين، لزاك ليبوفيسكي وآدم شتاين.

استكشاف الأساطير

أشاد النقاد بتعمق الجزء السادس من السلسلة المعنون باسم Bloodlines أو “خط الدم” واستكشاف الأساطير القديمة والمفاهيم الميتافيزيقية التي تقف وراء مفهوم القدر والموت المحتوم، ما أضفى على الفيلم طابعًا فلسفيًا نادرًا في أفلام الرعب التجارية.

وقدم ثنائي الإخراج زاك ليبوفيسكي وآدم شتاين المعروفين بأسلوبهما البصري المبتكر الذي قدماه في فيلمهما الشهير “غريب الأطوار” Freaks وصدر عام 2018، في فيلمهما “خط الدم” معالجة أكثر جدية ورعبًا نفسيًا من مجرد عرض دموي لطرق الموت، مع الحفاظ على التقاليد التي أحبها الجمهور، مثل تسلسلات الموت المعقدة والمؤثرة بصريًا، وقالا في مقابلة مشتركة مع موقع “كولايدر” الإلكتروني العالمي “لقد أردنا أن نُظهر كيف يتفاعل الإنسان مع قدره، لا أن نعرض فقط عمليات قتل بطرق ذكية.”

ومن أبرز نقاط القوة في الفيلم، كيفية تصميم لحظات الرعب، بحيث لا تعدو قفزات مفاجئة، لكن تسلسلا تصاعديا للتوتر، يعتمد على المؤثرات البصرية والصوتية والإيحاء أكثر من الدماء. كل مشهد موت تم تصميمه كأنه “لوحة مصير”، فيها تفاصيل خفية تنذر بالموت قبل وقوعه، ما زاد التوتر والاندماج لدى المشاهدين.

في مقابل كوارث انفجار إحدى الطائرات وانهيار جسر عملاق على المحيط وتحطم لعبة القطار الأفعواني بمدينة الملاهي وغيرها من الكوارث الدموية التي تنبأت بها الفتيات في الأجزاء الخمسة السابقة وصدر الجزء الأول منها عام 2000. قدم الجزء السادس حلما متكررا للطالبة الجامعية ستيفاني، ترى فيه فتاة تدعى إيريس التي جسدت دورها الممثلة الأميركية بريك باسينجر تحتفل بخطبتها إلى أحد الشباب أثناء احتفال جرى بافتتاح برج “سكاي فيو” العملاق في ستينيات القرن الماضي، حيث تشاهد كابوسا مروعا لانهيار البرج الشاهق خلال افتتاحه ليلقى كل الموجودين بمطعمه الفاخر المقام على قمته مصرعهم، في حادث دموي مروع، باستثناء إيريس التي تنجو بسبب حدسها الذي نبأها بانهيار البرج.

ومع تكرار الكابوس تتحرى ستيفاني عن واقعة انهيار البرج ليخبرها والدها أن جدتها إيريس كانت الناجية الوحيدة من الانهيار، وتقيم في منزل منعزل حتى تتجنب وصول الموت، لأنها خالفت خطة الموت لحصد كل الموجودين بالبرج.

وفي اللحظة التي تصل فيها الحفيدة ستيفاني لمقابلة جدتها إيريس يحصد الموت حياة الجدة بعد أن تخبر حفيدتها بأنها كانت حاملا لحظة انهيار البرج عام 1968 وتبدأ خطة الموت في تخطي إيريس بعد موتها إلى سلالتها.

الموت المحتوم

تنطلق الحفيدة ستيفاني ولعبت دورها الفنانة الكندية كايتلين سانتا جوانا لتحذير أفراد عائلتها من سيناريو الموت المحتوم عليهم ووجوب اتخاذهم تدابير تأمينية قصوى لمنع المصير الأسود، لكنهم ينعتونها بالجنون ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي.

وعبْر العديد من حبكات الرعب المصنوعة بحنكة وبراعة، يحصد الموت أفراد عائلة الجدة إيريس تباعا، وتتسبب أحداث بسيطة، مثل وقوع كأس يحوي أحد المشروبات أثناء حفل شواء عائلي، في تفاعل متسلسل، مع مقتل هوارد ابن إيريس بجزازة عشب.

وتتابع خطط الموت لتحصد الأحفاد تباعا حسب أعمارهم من خلال تفاعلات متسلسلة لتموت الابنة الكبرى سحقا في سيارة لجمع القمامة والابن في تفاعل آخر، حيث يخرج جهاز رنين مغناطيسي عن السيطرة ليكون حقلا مغناطيسيا هائلا يحصد في النهاية الابن الأوسط، وصولا بالطبع إلى ستيفاني بطلة العمل التي تذهب ضحية تفاعل متسلسل ناجم عن انفلات عملة معدنية صغيرة من يد إحدى العجائز لتستقر بين قضبان أحد القطارات، وتتسبب في خروجه عن مساره ليضرب أعمدة كهربائية ضخمة تحصد حياة الحفيدة ستيفاني.

تقوم الملاحم الإغريقية الخالدة على فكرة تعظيم إرادة الإنسان في مواجهة الكوارث والمهالك، وظهر الأمر جليا في ملحمة الأوديسة للشاعر والكاتب الإغريقي هوميروس عبر تصدي بطل الملحمة أوديسوس للأهوال والمخاطر القدرية، إلا أن ثلاثية “أوريستيس” الكاتب المسرحي الإغريقي إيسخليوس تعد نموذجا لقوة إرادة الإنسان في مواجهة كوارث القدر، مهما كانت تبعات وتكلفة هذه المواجهة.

وهو أمر دفع فيلسوف فرنسا الوجودي الأشهر جان بول سارتر إلى استلهامها في مسرحيته “الذباب” وكتبها أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، محملا إياها إشارات رمزية قوية تحث الفرنسيين على مقاومة الاحتلال وسلطة الماريشال بيتان الفرنسي الخائن العميل للنازية.

نجحت سلسلة “الوجهة الأخيرة” في تضفير عنصري تشويق سردية الرعب والإثارة مع طرحها الأعمق لكيفية تفاعل الإنسان مع قدره، وهو طرح ممتد بلا نهاية يسكن الوعي البشري منذ نشوء الإنسان على كوكب الأرض.

◄ لا أحد يريد أن يموت
لا أحد يريد أن يموت

 

14