"سيكو سيكو" ينبه إلى تجارة المخدرات عبر التطبيقات

فيلم مصري يحذر من إحباط الشباب قبل انحرافهم ووقوعهم في أنشطة خطرة.
الثلاثاء 2025/06/10
قضايا الشباب مختلفة عما قدمته السينما سابقا

ما الذي قد ينجر إليه الشباب إذا أغلقت في وجوههم كل الأبواب؟ ما الذي يرمي بالشباب في أحضان المخدرات؟ وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح سلاحا ذا حدين؟ أسئلة كثيرة يناقشها الفيلم المصري "سيكو سيكو" الذي نجح بتوليفية تجمع بين الدراما والكوميديا، مسلطا الضوء على مشكلات منتشرة بين شباب اليوم.

القاهرة - يضع عدد كبير من صناع السينما المصرية شباك التذاكر نصب أعينهم من أجل تحقيق أكبر نسبة إيرادات، وهم يخاطبون بذلك شريحة عريضة من رواد السينما من الشباب والمراهقين، من خلال تقديم “فورميولا” أي توليفة ثابتة لا تتغير، تتكون من مشاهد عنف وجريمة وحركة وإثارة وأجواء شبابية معززة بعلاقات عاطفية.

لكن صناع الفيلم المصري “سيكو سيكو”، الذي طرح في دور العرض الأسابيع الماضية، حاولوا كسر هذه التوليفة النمطية، عبر طرح جاد ينبه بشدة إلى خطورة تحول إحباط الشباب المصري إلى انحرافات خطرة، وتحول نبوغهم واختراعاتهم التي كانوا يحلمون أن تقودهم إلى مستقبل أفضل إلى أداة لتسهيل الأعمال غير الشرعية، ومنها تجارة المخدرات التي تناقش قصة الفيلم أبعادها الخطيرة والكارثية.

أكثر من مفاجأة

فيلم نجح لكونه يمس أحلام الشباب وإحباطاتهم، راميا الكرة في ملعب صناع السينما ليعبروا عن هموم الشباب
فيلم نجح لكونه يمس أحلام الشباب وإحباطاتهم، راميا الكرة في ملعب صناع السينما ليعبروا عن هموم الشباب

متبوعا بالنجاح الكبير الذي حققه عمله الدرامي “بالطو” الذي أخرجه عمر المهندس عام 2023 وغامر فيه بتقدم الفنان الشاب عصام عمر في أول بطولة له وهو العمل الذي استعرض بجرأة شديدة المآسي التي تواجه شباب الأطباء عند تكليفهم للعمل بقرى نائية في محافظات مصرية، كرر المخرج الشاب عمر المهندس مغامرته بتدشين أول أعماله السينمائية فيلم “سيكو سيكو” مسندا بطولته لاثنين من الفنانين الصاعدين، هما: عصام عمر، وطه دسوقي الذي تألق في أداء دور مفتاح الشاب اليتيم في مسلسل “ولاد الشمس” والذي حقق نجاحا عند عرضه رمضان الماضي لتناوله المسكوت عنه من الخفايا المؤلمة في دور الأيتام.

فجّر الفيلم مفاجأة كبيرة عند عرضه مكتسحا إيرادات شباك التذاكر محققا أكثر من 180 مليون جنيه مصري أي ما يعادل نحو 3 ملايين و600 ألف دولار منذ بدء عرضه خلال الأسابيع الماضية، إلى الدرجة التي دفعت صناعه إلى دخول حلبة منافسة أفلام موسم أفلام عيد الأضحى، في مواجهة بعض الأفلام، في مقدمتها فيلم من العيار الثقيل وهو “المشروع إكس” بطولة كريم عبدالعزيز، وتأليف وإخراج بيتر ميمي، وهو من أضخم الإنتاجات في تاريخ السينما المصرية، إضافة إلى فيلم “ريستارت” للمطرب تامر حسني والفنانة هنا الزاهد، كما دفع النجاح الكاسح للفيلم منصة “يانجو بلاي” إلى عرضه خلال عيد الأضحى.

عززت المفاجأة في إيرادات الفيلم، مفاجأة أخرى تتمثل في دعم مكانة الفنانين الصاعدين طه دسوقي وعصام عمر خلال الفترة المقبلة، وهي مكانة مستحقة، لموهبتهما الكبيرة كرقمين جديدين في عالم نجوم السينما المصرية، وكبار النجوم المتربعين على عرش السينما في العقدين الماضيين.

حاول المخرج عمر المهندس والمؤلف محمد الدباح تقديم فيلم شبابي حقيقي من خلال طرح مشكلات وآلام الشباب في مقتبل حياتهم، ما كان عاملا مهما للإقبال الجماهيري على مشاهدة الفيلم، ممهورا بطرح جديد، يتمثل في جوهر فكرته التي تدور حول مبرمج شاب يتميز بحدة ذكائه يصنع تطبيقا جديدا للجوال يسمى “سيكو سيكو” يتم استخدامه من قبل رواد التطبيق في بيع وتجارة المواد المخدرة.

خمسة فصول

Thumbnail

تتمحور قصة فيلم “سيكو سيكو” حول سليم ويحيى البحيري ابني عم، وهما شابان في مقتبل حياتهما العملية يواجهان صعوبات جمة في التغلب على هذه المشاكل والحصول على وظيفتين لكل منهما تمكنهما من تحقيق دخل مناسب، على صعيد آخر تتسم علاقة ابني العم بالتوتر والخلافات المتجذرة منذ طفولتهما، إلا أنهما يفاجئان بأحد المحامين ويجسده الفنان الراحل سليمان عيد يخبرهما بوفاة عمهما تاركا لهما مناصفة ميراثا يبلغ 15 مليون جنيه مصري (حولي 300 ألف دولار) يحاول سليم ويحيى تجاوز خلافاتهما السابقة من أجل الحصول على الثروة التي ستغير حياتهما للأفضل على أمل الانفصال مجددا بعد اقتسام الثروة، لكن سرعان ما تأخذ الأحداث منحى مختلفا عندما يكتشفان أن الثروة، ليست أموالا بل مخدرات.

عمد المؤلف محمد الدباح إلى تقسيم الفيلم إلى خمسة فصول مختلفة بمدد متفاوتة، نشاهد خلالها التغيرات في حياة الشابين وطموحاتهما، حيث أطلق سليم الذي يجسده عصام عمر وهو مبرمج ذكي وماهر تطبيقا إلكترونيا على الجوال يسعى إلى تسويقه، ويواجه صعوبات في إيجاد الحماس له حتى بين أصدقائه، الذين يقررون التخلي عنه وإجباره على ترك السكن المشترك معهم بسبب تأخره في سداد الإيجار.

في المقابل، يعاني يحيى ويجسده طه دسوقي، من صعوبة العثور على وظيفة، ويفشل في التأقلم مع بيئات العمل المختلفة، وينتهي به الأمر إلى الاعتداء على مديريه لأسباب متباينة، ما يؤدي إلى فصله بعد فترات قصيرة من كل وظيفة.

سليم ويحيى البحيري شابان في مقتبل العمر يواجهان صعوبات جمة في التغلب على هذه المشاكل والحصول على وظيفتين

تدفع الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة الثنائي إلى قبول التحدي وخوض مغامرة بيع المخدرات التي تركها لهما عمهما عبر التطبيق الإلكتروني “سيكو سيكو” الذي ابتكره سليم، ما يضعهما في العديد من المواقف الصعبة والكوميدية بسبب قلة خبرتهما في هذا المجال، وفي الوقت ذاته يؤثر نشاطهما الجديد في بيع المخدرات على حياتهما الشخصية، خصوصا علاقاتهما العاطفية بشكل سلبي.

تسوق سردية الفيلم مفارقة تتمثل في كون والد خطيبة سليم والذي يلعب دوره الفنان باسم سمرة يعمل لواء شرطة في جهاز مكافحة المخدرات، ويكتشف عبر رصد ضباط إدارته وجود نشاط لتهريب المخدرات عبر تطببق “سيكو سيكو” وعبر تتبع خيوط القائمين على إدارة هذا التطبيق يصل إلى أنهما ابنا العم سليم ويحيى، وبالفعل يلقي القبض عليهما ومعاونيهما، كما تتمكن الشرطة من إلقاء القبض على حرفوش زعيم مافيا المخدرات ولعب دوره الفنان خالد الصاوي.

مثّل التناغم الواضح بين بطلي العمل طه دسوقي وعصام عمر أحد أهم أسباب نجاح الفيلم، في الوقت الذي جاءت فيه معظم المشاهد متماسكة تعبر عن القضية التي يطرحها العمل باستثناء إقحام إسكتشات غير مبررة، تهدف إلى افتعال الضحك.

 كما أهدر صناع العمل فرصة وجود اثنين من أهم فناني مصر وأكثرهم موهبة وهما خالد الصاوي وباسم سمرة ليظهرا في مشاهد قليلة لم تتح لهما الفرصة المناسبة لإظهار طاقتهما الإبداعية.

نجح فيلم “سيكو سيكو” لكونه يمس أحلام الشباب وتطلعاتهم وإحباطهم، راميا بذلك الكرة في ملعب صناع السينما الشبابية للخروج من نفق تلك التوليفة التي لا تتغير وتعديل حكاياتهم المقبلة إلى حكايات جادة تعبر عن هموم جيل الشباب، وهذا التعبير وإن جاء صادقا بحق سوف يقود هؤلاء الصناع إلى نجاح محقق في أعمالهم، وبكل تأكيد إلى أرباح وإيرادات كبيرة. فقط إن فكروا في تغيير رؤيتهم التقليدية.

14