أبومازن ودعم القيادة السّورية واللبنانية على أراضيهما

من الملاحظ النشاط الدبلوماسي الفلسطيني للرئيس محمود عباس، وهو في عقده التاسع، بزيارته دول الجوار التي خرجت حديثًا من العباءة الإيرانية. تجلّى هذا النشاط بزيارة الرئيس كلًّا من دمشق وبيروت، للقاء الرئيسين السوري واللبناني، المدعومين أيضًا من المحيط العربي والشرعية الدولية، في إطار السعي لكسر النفوذ الإيراني.
من المؤكد أن سوريا نجحت في تحرير ذاتها من الهيمنة الإيرانية بشكل حازم وحاسم، ما انعكس إيجابًا على لبنان واللبنانيين، من خلال تقليص سيطرة حزب الله، التابع الوفي للولي الفقيه في طهران. سيطرة حزب الله على لبنان، وواجهته مطار رفيق الحريري، كانت منافية للطبيعة؛ فهي تعني سيطرة الفرع على الأصل، كما تعني هشاشة هذه السيطرة، وسقوطها عند أول هبّة ريح، وهو ما حدث مؤخرًا.
لو فرضنا جدلًا أن حزب الله لم يخض أي حرب ضد إسرائيل، ولم يتعرض لأي خسارة تُذكر، وحافظ على قوّته وقواته، دون فقدان أيٍّ من قياداته، بدءًا من حسن نصر الله، ونزولًا إلى قيادات الصف الخامس والسادس، ولو افترضنا أن كلّ ما تقدم لم يحدث قطّ، لاختنق حزب الله أيضًا وانكمش، بسبب سقوط النظام البائد في سوريا، فهو رئته وشريان الحياة الوحيد له. وهذا ما يفسّر قتال حزب الله في سوريا بشراسة إلى جانب النظام المخلوع، منعًا لسقوطه، أو تأجيلًا لهذا السقوط، بمعنى أدق.
◄ حركة حماس انصاعت لشروط الدولة اللبنانية، تجنبًا للمواجهة، وهي مواجهة قد تفضي إلى ترحيل قيادتها عن الأراضي اللبنانية
ومن جانب آخر استبشرت القيادة اللبنانية خيرًا بقرار الأميركيين والأوروبيين برفع العقوبات عن سوريا، ما سيؤثر إيجابًا على الاقتصاد اللبناني الهزيل، ويؤكد عمق الارتباط بين الدولتين الجارتين. هذه العقوبات ما كان لها أن تُرفع لولا الجهد الذي بذلته دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى تركيا.
زار الرئيس الفلسطيني كلًّا من دمشق وبيروت، وهو على دراية تامة بالتغييرات الحاصلة في كلٍّ منهما، وهي تغييرات تصب في مصلحة السلطة الوطنية الفلسطينية، كونها ملتصقة أيضًا بعمقها العربي. لقد عانت السلطة الأمرّين من صواريخ حماس العبثية، والتدخل الإيراني السافر في فلسطين، وهناك العديد من بيانات حركة فتح التي تهاجم التدخل الإيراني في القضية الفلسطينية.
محور الزيارتين تمحور حول مساعدة النظامين العربيين في بسط شرعيتهما على قضية شائكة، وهي قضية الفصائل الفلسطينية المسلّحة على الأراضي السورية واللبنانية، وهي قضية لها رمزية خاصة في الدولتين. الرابط الوحيد بين هذه الفصائل أن مرجعيتها السياسية وتمويلها المالي قادمان من طهران.
هذه القضية لا تعني فقط بسط العهد الجديد في لبنان لسيطرته على كلّ الجغرافيا السياسية والعسكرية، ومنع النشاط العسكري غير اللبناني، وتطبيق القرار الأممي 1701، بل إنها مقدمة لنزع سلاح حزب الله. فلا يمكن بأي حال من الأحوال ترك المخيمات الفلسطينية كغابة من السلاح غير الشرعي، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود فصائل أصولية لا تقلّ تسليحًا عن كلٍّ من فتح وحماس، وبالأخص في مخيم عين الحلوة. ولذلك، يتوجب نزع سلاح المخيمات، ومن ثمّ تجريد حزب الله من سلاحه.
◄ القيادة اللبنانية استبشرت خيرًا بقرار الأميركيين والأوروبيين برفع العقوبات عن سوريا، ما سيؤثر إيجابًا على الاقتصاد اللبناني الهزيل، ويؤكد عمق الارتباط بين الدولتين الجارتين
فهمت حركة حماس التوجه الجديد للقيادتين، فلم يكن هناك أيّ ظهور إعلامي لمسؤوليها في سوريا، ولا يمكن الحديث عن أيّ نشاط سياسي واضح لها، أو قرب من القيادة السورية، مما جاء على عكس توقعاتها، فقد راهنت على الخلفية الإسلامية للرئيس السوري، وقربه من القيادة التركية. وحينما فرّ بشار الأسد بارك خالد مشعل للشعب السوري نجاح ثورته، وبعد فترة قصيرة خرج أسامة حمدان ليعتبر سقوط النظام السوري خسارة لمحور المقاومة، وهو ما عبّر بجلاء عن خيبة الأمل التي أصابت حركة حماس بسبب عدم تجاوب القيادة السورية معها.
أما في لبنان فقد انصاعت حركة حماس لشروط الدولة اللبنانية، تجنبًا للمواجهة، وهي مواجهة قد تفضي إلى ترحيل قيادتها عن الأراضي اللبنانية. وقد خسرت الحركة الرجل الثاني فيها، صالح العاروري، في منطقة حزب الله، ثم لاحقًا خسرت الرجل الأول فيها، إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري الإيراني في طهران. ورغم كلّ ما تقدم، استمرت في الدوران داخل الفلك الإيراني، دون اتخاذ أيّ ردّ فعل تجاه اغتيال أهمّ قادتها داخل قلاع إيران.
قامت حماس بتسليم مطلقي الصواريخ المنتسبين إليها للحكومة اللبنانية، ومن المعروف أن هذه الحادثة دفعت إلى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، الذي رفع توصية للحكومة اللبنانية، ما أدى إلى توجيه تحذير شديد اللهجة لحركة حماس، من القيام بأيّ عمل يمسّ الأمن القومي اللبناني، أو يعطي الذرائع لإسرائيل لممارسة هوايتها المفضلة في القتل والتدمير والتشريد.
يعوّل الكثير من الفلسطينيين، وأنا منهم، على تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في المخيمات، بعد زيارة الرئيس محمود عباس للعاصمة بيروت، واجتماعه بالرئيس جوزيف عون. هذه الزيارة حملت رؤى متطابقة حول ضرورة نزع السلاح من المخيمات، وهو سلاح له سلبيات لا تُحصى، دون أيّ إيجابيات تُذكر. فقد استُخدم هذا السلاح في تدمير المخيمات، كما حدث في مخيم نهر البارد عام 2007، وفي مخيم عين الحلوة العام الماضي، ما زاد من معاناة الفلسطينيين وكرر نكباتهم المتتالية.