المحطة الفنية في البحرين.. منصة معاصرة للإبداع والتواصل الثقافي

مشروع أسسه الفنان راشد آل خليفة ليكون تجربة فنية شاملة.
الثلاثاء 2025/05/20
مؤسسة فنية شاملة

الإنتاج الفني لا يقتصر على مشاريع محدودة في الزمان والمكان وإنما هو فعل ممتد، يضمن قدرته على التأثير والنجاح إن كان ضمن مشروع شامل تراهن عليه الأوطان ويراهن مؤسسوه على أوطانهم بصفتها نتاجا لحضارات متعاقبة ولفنون لا تنضب. ومن هذه الفكرة جاءت "المحطة الفنية"، وهي مؤسسة بحرينية تسعى لتكون فضاء فنيا شاملا يحتضن فناني البحرين في كل المجالات ويسهم في انفتاحهم على بقية العالم.

في قلب سوق المحرق العريق، وتحديدا في سوق القيصرية، تقع “المحطة الفنية” كفضاء إبداعي معاصر ينهل من روح المكان ويجدد نبضه الفني. ويشكل المشروع الطموح، الذي أسسه الفنان الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة تحت مظلة مؤسسة راشد آل خليفة للفنون، منصة ثقافية بارزة في البحرين، ويمثل رؤية واضحة لإعادة تعريف العلاقة بين الفنان والمجتمع، وبين الفضاء التراثي والفن الحديث.

تسعى “المحطة الفنية” إلى توفير بيئة متكاملة تُشجع على التعلم والتبادل والابتكار، وهي لا تكتفي بأن تكون معرضًا أو ورشة فنية، بل تُقدَّم كمنظومة متكاملة تُعنى بجميع مراحل العملية الإبداعية. فيما تدير المشروع لطيفة آل خليفة، الباحثة والقيّمة الفنية المتخصصة في ثقافات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي أضفت بلمستها خبرةً فنية وإدارية ساهمت في تحويل “المحطة الفنية” إلى منصة تفاعلية تواكب الحركة الثقافية العالمية.

مؤسسة لا تكتفي بأن تكون معرضًا أو ورشة فنية، بل تُقدَّم كمنظومة متكاملة تُعنى بجميع مراحل العملية الإبداعية

يستضيف المشروع سنويًا مجموعة من الفنانين المقيمين، يتم تمكينهم من خلال دعم مواردهم وتوفير الفرص التعليمية والتعاونية، دون اقتطاع أي عمولات من الورش التي ينظمونها، ما يعزز فرص التعليم المجاني والمستدام في المجتمع المحلي.

وتضم “المحطة الفنية” عددًا من المرافق المتخصصة التي تلبي احتياجات الفنانين بمختلف خلفياتهم. في أحد أركانها يقع أستوديو التصوير الفوتوغرافي الرقمي مجهزا بإضاءة احترافية وخلفيات متنوعة لتصوير الأعمال بدقة عالية، بينما يحتضن جناح آخر الغرفة المظلمة، التي توفر مساحة لمحبي التصوير التناظري لتظهير صورهم يدويًا بأسلوب فني كلاسيكي. في الجهة المقابلة يجد المصممون أستوديو التصميم ثلاثي الأبعاد، الذي يحتوي على طابعات ثلاثية الأبعاد وآلات قطع CNC عالية الدقة، ويشرف عليه تقنيون مختصون لمساعدة الفنانين على تحويل أفكارهم إلى مجسمات واقعية.

أما عشاق الأزياء فيجدون في ورشة تصميم الأزياء مساحة رحبة للعمل على النماذج والقصّات، مزودة بكافة الأدوات اللازمة لتجريب الأقمشة والرسم والتفصيل. إلى جانبها تقع ورشة المجوهرات، حيث يُتاح للفنانين تشكيل المعادن وصياغة القطع الفنية باستخدام أدوات دقيقة. وتتجلى روح الفن الحر في قاعة الفنون التشكيلية، وهي مساحة مضيئة وهادئة مجهزة بكل ما يلزم للرسم والتلوين، ومفتوحة أمام الفنانين من جميع المستويات.

وإيمانًا بأهمية التعبير الصوتي والوسائط الجديدة، تحتضن “المحطة الفنية” أيضًا أستوديو متكاملًا للبودكاست والتسجيل الصوتي، يتيح للمهتمين إنتاج حلقات إذاعية ومحتوى ثقافي بجودة احترافية. كما تضم المحطة مطبخًا تجريبيًا مجهزًا بالكامل، يشجع على التداخل بين فنون الطهي وفنون العرض والتوثيق البصري، ما يمنح تجربة فنية شاملة تتجاوز الحقول التقليدية.

الفن يصنع مساحات شاسعة للتعبير
الفن يصنع مساحات شاسعة للتعبير

ولا تكتمل التجربة دون الفضاءات التعليمية، حيث تحتضن المحطة قاعة دراسية متعددة الاستخدامات، تُعقد فيها ورش العمل والمحاضرات والندوات، إلى جانب مكتبة متخصصة تضم مجموعة واسعة من الكتب والمراجع في مجالات الفنون البصرية والتصميم والتصوير وصناعة الأفلام، وهي متاحة للفنانين والباحثين على حد السواء.

وبفضل هذه البيئة المتكاملة أصبحت “المحطة الفنية” حاضنة لإقامات فنية، استضافت خلالها فنانين من البحرين والعالم، مثل البروفسورة الأميركية كيلي أوبراين التي قدمت مشروعًا سينمائيًا حول علاقة البحرين بالماء، وكذلك مجموعة من الفنانين الجورجيين ضمن برنامج تبادل ثقافي مثمر مع مؤسسة “ريا كيبرية” في جورجيا. كما وفرت المحطة إقامة سنوية لعدد من الفنانين المحليين الذين يمثلون طيفًا واسعًا من التخصصات الإبداعية، وساهموا بدورهم في تقديم ورش عمل ودورات تدريبية، ضمن بيئة خالية من أي التزامات مالية على المدربين، دعمًا للفن والتعليم في آنٍ واحد.

وفي إطار شراكاتها الأكاديمية أبرمت “المحطة الفنية” مذكرة تفاهم مع الجامعة البريطانية في البحرين، لتوفير فرص تدريب عملي لطلبة الفنون، ما يفتح أمامهم أبواب الخبرة المهنية في مجالات الإدارة الثقافية والتصميم والإعلام الرقمي والتنسيق الفني.

كما تحتضن المحطة مقر جمعية البحرين للفنون التشكيلية -التي تهدف إلى دعم وتطوير الحركة التشكيلية في مملكة البحرين من خلال تنظيم المعارض والفعاليات الفنية، وتعزيز التواصل بين الفنانين والجمهور- ما يعزز مكانة المحطة كمركز ثقافي فاعل ومفتوح للمجتمع المحلي والدولي، معيدة تعريف المشهد الفني البحريني ليس فقط كمكان لإنتاج الفن، بل كمساحة للتبادل والتعلم والانفتاح على العالم.

Thumbnail
14