متحف كانو.. رحلة عبر تاريخ عائلة تجارية وإسهاماتها في نهضة البحرين

يضاف متحف كانو إلى قائمة المتاحف البحرينية الحديثة التي تهتم بسرد أجزاء مهمة من تاريخ المملكة وتاريخ منطقة الخليج عامة عبر استرجاع ذكرى أشخاص دعموا نهضة المنطقة تاريخيا عبر التجارة والفنون والعلم، ما يؤهلها لتلعب دورا مهما في تعزيز الهوية والانفتاح بها على العالم الخارجي.
ظهرت المتاحف العائلية والشخصية كنوع جديد من المؤسسات الثقافية التي تبرز أهمية الحفاظ على التاريخ والتراث العائلي، فهي أكثر من مجرد مقتنيات قديمة، بل حكايات وقصص تروي تاريخ وثقافة هذه العائلات والأشخاص، وتسهم في الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وتعزز الهوية الثقافية والترابط الاجتماعي.
في قلب السوق القديم في العاصمة البحرينية المنامة، يجري العمل على قدم وساق على متحف عائلة كانو، وهو مشروع رائد في منطقة الخليج العربي، يوثق تاريخ عائلة يوسف بن أحمد كانو – وهي عائلة بحرينية تجارية عريقة – وإسهاماتها في نهضة البحرين اقتصاديا واجتماعيا على مدى أكثر من 130 عام، إلى جانب استعراضه لمراحل من تاريخ البحرين.
وتأسست مجموعة يوسف بن أحمد كانو عام 1890 كشركة عائلية صغيرة لأعمال التجارة والشحن، ونجحت في التطور لتصبح واحدة من أكبر الشركات العائلية متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط. وتمتلك محفظة من الأعمال التجارية في مختلف القطاعات في الشرق الأوسط وخارجه.
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى الوجيه خالد كانو، رئيس مجلس إدارة المجموعة، الذي أراد للمشروع أن يعكس قيم وتطلعات العائلة التجارية، ونقلها إلى الأجيال القادمة. فيما من المزمع افتتاح المتحف مطلع العام المقبل.
ويتألف المتحف، الممتد على مساحة سبعة آلاف متر مربع، من ثمانية أقسام موزعة على ستة طوابق بالإضافة إلى مقهى على السطح يوفر إطلالة بانورامية على مدينة المنامة. ويضم نحو 400 قطعة من مقتنيات العائلة، من بينها صور ووثائق قديمة، وسيارات كلاسيكية، ومقتنيات تراثية شخصية، مع أدوات عرض تفاعلية بتقنيات حديثة، وقاعة للورش والمحاضرات، بالإضافة إلى مقهى على السطح يتيح لمرتاديه رؤية العاصمة القديمة من جهة، والعاصمة الحديثة بأبراجها ومعالم الحياة العصرية من جهة أخرى.
ويقول خالد كانو، رئيس مجلس إدارة مجموعة يوسف بن أحمد كانو في حديثٍ مع “العرب”: “يندرج هذا المشروع ضمن مبادراتنا في سياق المسؤولية الاجتماعية، ونتوقع له أن يصبح وجهة هامة لمرتادي باب البحرين، أحد أشهر الوجهات السياحية، حيث يقع على مقربة منه، وأن يسهم في تنشيط السياحة الثقافية في البحرين، حيث سيتيح للزوار فرصة استكشاف قصص وأحداث شكلت تاريخ البحرين والمنطقة”.
ويتابع: “يمثل المتحف مصدر فخر واعتزاز بجذورنا العائلية حيث يربط الماضي بالحاضر، ونأمل أن يقدم تجربة ملهمة الزوار، ويعزز من قيم الإبداع والتميز في المجتمع، فالمتحف يسلط الضوء على الإنجازات التي حققتها العائلة عبر أجيال متتالية”. فيما يشير إلى الدعم الذي حظي به المشروع من القطاع الحكومي ومؤسسات القطاع الخاص، حيث جرى العمل بشكل وثيق مع هيئة البحرين للثقافة والآثار، ووزارة السياحة، ومؤسسة راشد آل خليفة للفنون وغيرها من الجهات ذات الصلة.
في هذا المشروع، تمت الاستعانة بمزيج من الخبرة الدولية التي تعمل وفق معايير عالمية، والمتمثلة في شركة “الابتكارات الثقافية” ومقرها لندن، وخبرات محلية تدرك السياق الثقافي والمجتمعي للبحرين والمنطقة.
وحول النهج المتبع في إنشاء المتحف، يؤكد خالد كانو “لم نستعجل العمل على المتحف. بدأنا بتحديد الشركات ذات الخبرة في تصميم المتاحف ثم قمنا بتطوير ميزانية للمشروع. وبما أنه مشروع شخصي، فقد كان لدينا ترف استثمار رأس المال الصبور، مما يعني أننا لسنا مدفوعين بمكاسب مالية فورية، وهو نهج يختلف عن المشاريع التجارية التي تكون مدفوعة بتحقيق عوائد مالية سريعة. التحلي بالصبر أمر هام لنجاح المشاريع الشخصية، وهو ما أتاح لنا أن يكون المشروع مبينا على أسس متينة، وموثقا بشكل جيد يتماشى مع قيم المجتمع البحريني”.
ويوضح: “إنشاء متحف هو عملية طويلة، لاسيما عندما يتعلق بشركة عائلية تمتد عبر ستة أجيال. لذا أخذنا الوقت الكافي للنظر بعناية في كل جانب. كما أخذنا بعين الاعتبار جميع العناصر التي تضمن للزائر تجربة ممتعة ومؤثرة، من بينها القطع المعروضة والتدفق والعناصر الجمالية”.
واجه مشروع المتحف تحديات جمة، من بينها الحفاظ على شكل المبنى، وهو مقر الشركة القديم، بحيث يصبح في صورته النهائية كما كان عند الانتهاء من بنائه عام 1960.
ويستطرد خالد كانو: “كان الحفاظ على مبنى قديم مهمة صعبة. قمنا بإعادة هندسة الأساسات بعد إرسال عينات منها للمختبر وذلك لضمان سلامة المبنى، كما قمنا بتركيب مصاعد جديدة. هذه التحديات تطلبت جهدا وأضافت إلى تكلفة المشروع، لكننا سعداء بالنتيجة”، في تأكيد لمساعيهم للحفاظ على هوية المبنى وطابعه الأصلي.
ويضيف: “لقد خصصنا الوقت الكافي للعمل على كل جانب من جوانب المشروع، لضمان التوثيق الدقيق والجودة العالية، مما سيساهم في نجاح المشروع. لأننا نعي تمامًا أهمية رؤية الصورة الأكبر وبناء مشروع مستدام يحقق تأثيرًا إيجابيًا على المدى الطويل”.
متحف كانو هو جسر يربط بين الماضي والحاضر، حيث يحمل في طياته قصصا وحكايات من تاريخ البحرين. ومع توقعاته بأن يصبح وجهة هامة للسياح وزوار سوق المنامة القديم، فإن المتحف سيسهم في تعزيز مكانة البحرين كمركز للثقافة والتراث، وتنشيط السياحة الثقافية.