الجروح المخفية.. صدمات الأطفال تؤثر فيهم عند الكبر

الفرد يكتشف في رحلة التشافي أن التجارب المؤلمة التي تعرض لها لم تكن مسؤوليته، لكنّ شفاءه منها هي مسؤوليته وحده.
السبت 2024/05/11
التشافي من المشاعر المؤلمة مفتاح الحياة السعيدة

المنامة ـ أكدت مدربة الحياة سمر هجير أن معظم المشاعر المؤلمة تعود إلى الطفولة. ودعت الأفراد إلى أن يكونوا رحماء بأنفسهم، والقيام بما يلزم لتحسين حياتهم ورفع جودة مشاعرهم.

سمر التي اتخذت من تدريب الحياة مسارا مهنيا لها بعد تجربة شخصية مؤلمة، تصف الألم بأنه “أمل متخف ولا يتطلب ظهوره سوى رؤيته من منظور مختلف”، حيث عاشت في أجواء غير مستقرة في لبنان (نتيجة الحرب) منذ ولادتها حتى هجرتها إلى الإمارات العربية المتحدة، وهناك أدركت بأن الحياة الطبيعية ليست قائمة على مشاعر الخوف والقلق.

وتقول في حديثها مع "العرب" "من الإمارات العربية المتحدة انطلقت رحلتي الشخصية في التشافي مع مجموعة من مدربي الحياة من كافة أقطار العالم، وهي نقطة التحول في حياتي، حيث واجهت صدمات الطفولة المتلاحقة، وأدركت بأني كنت أعيش طوال حياتي تحت تأثير اضطراب ما بعد الصدمة”.

وأشارت إلى أن "البشر لديهم الكثير من الإمكانيات اللامحدودة، التي تظهر وتشجع بمجرد أن يُمسح الغبار (الصدمات) عنها"، مشددة على أن “فهم الألم المرافق للصدمات يمكن توظيفه لفهم أنفسنا وتقوية نقاط ضعفنا". وأضافت "لا يمكن أن نتخيل حياة سعيدة وقرارات صائبة وعلاقات مزدهرة ومال متدفق، دون أن يكون وراء كل هذا السريان والسلام في حياتنا إدراك عميق للجروح التي حصلت لنافي طفولتنا، والتشافي منها، لنتمكن بعدها من خلق واقع جديد يستند على نقاط قوتنا ومواهبنا التي تخفّت مؤقتاً وراء الألم”.

وردا على سؤال حول كيف يمكن لصدمات الطفولة أن تؤثر على علاقات الفرد وقراراته في حياته البالغة، توضح المدربة الدولية أنه "عندما يتعرض الفرد لأي نوع من الصدمات في الطفولة، تنشأ لديه آليات دفاع ومواجهة من شأنها مساعدته، بشكل سطحي ومؤقت، على التعامل مع تبعات هذه الصدمات. على الرغم من أن هذه الآليات قد تبدو ضرورية لمساعدتنا على الاستمرار بحياتنا، إلا أنها في نفس الوقت تحدّ كثيراً من إمكانيات الفرد وقدرته على الإبداع، وعلى التفكير بشكل واضح والتصرف بما يخدم مصالحه”.

سمر هجير: فهم الألم المرافق للصدمات يمكننا من فهم أنفسنا
سمر هجير: فهم الألم المرافق للصدمات يمكننا من فهم أنفسنا 

وتؤكد سمر أنه "في رحلة التشافي يكتشف الفرد بأن التجارب المؤلمة التي تعرض لها لم تكن مسؤوليته، لكن شفاءه منها هي مسؤوليته وحده، وأن رحلته الداخلية لفهم نفسه هي الأهم والأعلى قيمة على الإطلاق”. وفيما يرى البعض أن الاستعانة بمدرب حياة هو ضربٌ من الترف والرفاهية، تشير إلى أنه “قد يكون حاجة ملحة وضرورة عند البعض الآخر، حيث يقوم مدرب الحياة بمساعدة الأشخاص على النهوض بحياتهم”.

وتتابع “أقوم في عملي بدمج تدريب الحياة مع التشافي من الصدمات. وفيما يبدو الأول نوعاً من الرفاهية للبعض، فإنني أعتبر التشافي ضرورة لنا جميعاً على اختلاف عمق وقوة الصدمات التي تعرضنا لها”. وبينت أنه “عندما نُجرح في طفولتنا بسبب سوء معاملة من الأهل والمحيط أو لظروف اقتصادية أو لانعدام الأمن في حالات الحرب، تهتز منظومتنا النفسية ونفقد الحاجة النفسية الرئيسية لاستمرارية الحياة وهي الأمان، وتنتج عن ذلك الكثير من التداعيات على عدة أصعدة”.

وتشبه ما سبق “بجهاز حاسب آلي مزوّد بأحدث البرامج ولكن معظمها متعطّل عن العمل بسبب خطأ تقني حصل خلال التحميل. الجهاز هو العقل وقدراته غير المحدودة، والعطل هو جروح الطفولة التي نتجت عن عوامل خارجية لا ذنب لنا بها”.

وفيما يتعلق بالتقنيات والإستراتيجيات التي تستخدمها لمساعدة عملائها في الاستشفاء من صدمات الطفولة، أشارت إلى اختلاف التقنيات من عميل لآخر وفقا لعدة عوامل. “بعض العملاء يفضلون العلاج بالكلام، فيما يفضل آخرون تقنيات عقلية وجسدية أو التفريغ الكتابي. هناك عملاء عقلانيون، والمقاربة العلمية التي تشرح لهم كيفية عمل الدماغ وتأثيره على التصرفات هو الأسلوب الأنجح في تحسين جودة حياتهم، فيما يميل البعض للآخر للتشافي من خلال السماح لأنفسهم بشعور المشاريع وتحريرها”.

ولفتت إلى العوامل التي تسرّع من استشفاء الفرد من صدمات الطفولة، ومن بينها المرونة النفسية، ومدة تعرض الفرد للصدمات ونوعها وعمقها، فهناك صدمات فردية مفاجئة كفقد عزيز، وصدمات جماعية مستمرة مثل الحروب وسوء المعاملة، بالإضافة إلى قدرة الشخص المشاعرية والطاقية والمالية على مواصلة رحلة التشافي.

وفيما لا تنكر أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في رفع مستوى الوعي لدى الناس، وإتاحة الوصول للمعلومات في كافة المجالات بسهولة ويسر، تلفت سمر، وهي ممارس للخط الزمني والبرمجة اللغوية العصبية، إلى أن “عملية التشافي هي رحلة شخصية خاصة ومتشعبة وفريدة في طريقة تشكلها وتأثيرها على حياة الفرد”.

وفي هذا السياق، تؤكد على “ضرورة تعيين مدرب خاص يشرف على متابعة العميل من خلال معرفة تفاصيل القصة، ثم اقتراح الحلول، ووضع خطة عمل وفقا للصدمات والأهداف الخاصة بالعميل”. وتوضح: “كما يقوم الطبيب البشري بوصف الدواء حسب الحالة الصحية للمريض، كذلك لا يمكن للعميل أخذ وصفات مشاعرية وفكرية من عملاء آخرين أو مدربين لم يتعاون معهم بشكل شخصي”.

◙ الفرد عندما يتعرض لأي نوع من الصدمات في الطفولة، تنشأ لديه آليات دفاع ومواجهة من شأنها مساعدته، على التعامل مع التبعات

وتلخص المدربة الحاصلة على شهادات في العديد من التقنيات الشفائية مؤشرات تعافي الفرد من صدمات الطفولة بالشعور بالراحة النفسية والثقة بأن القادم أجمل، حتى وإن لم تكن الرؤية المستقبلية واضحة، إلى جانب التحسن في جودة علاقة الفرد في نفسه، وتحسن عام في الصحة الجسدية واختفاء بعض الأعراض الصحية الناتجة عن مؤثرات مشاعرية.

وتتابع “يميل الفرد عند الاستشفاء إلى وضع حدود نفسية صحية مع الآخرين ويختار علاقات أساسها المحبة والسلام، حيث تتعزز لديه القدرة على اتخاذ قرارات صائبة، ويصاحب ذلك شعور عام بالرضا والأمان، وهدوء في المشاعر والأفكار”.

وحثت سمر الأفراد الراغبين في بدء رحلة الاستشفاء من صدمات الطفولة على “فهم رسالة كل حدث يمرون به من خلال الحضور والوعي والإدراك، بالإضافة إلى طلب المساعدة وعدم استعجال النتائج”.

وتعتقد سمر، التي تقدم جلسات تشافي لنساء من مختلف المجتمعات العربية، أنه “على الرغم من التطور المتسارع الذي يشهده العالم وزيادة الوعي حول ضرورة التطوير والارتقاء بجودة الحياة، إلا أنه مازال أمام العالم العربي طريق طويل لتغيير بعض المعتقدات والعادات التي نتج عنها تحجم قدرات النساء في بعض المجتمعات”.

وتوضح “مازلنا نسمع ونتعامل مع حالات سطو فكري من قبل الأهل والمجتمع على الإناث والحد من قدراتهن على التعبير عن آرائهن وعدم المساواة في التربية ومجالات العمل”. لكنها في الوقت ذاته، تشير إلى “وجود دول رائدة في تمكين المرأة وتشجيعها على إبراز قدراتها، مثل دول الخليج العربي حيث تتبوأ النساء مراكز مرموقة بدعم من حكوماتهن”.

ودعت النساء إلى “توجيه طاقتهن لأنفسهن أولا، والعمل على تطوير مهاراتهن، والاستمرار في التعلم بما يساعدهن في مختلف أدوارهن الحياتية”، مشددة على أهمية طاقة المرأة في بناء المجتمع.

غير أنها تستدرك منوهة “قبل ذلك، يجب أن تمتلئ النساء بالحب والعطف تجاه أنفسهن، وألا يتعاملن مع الرجل كند أو عدو لهن”، في إشارة منها إلى “ضرورة عدم الانسياق خلف الحركات النسوية المتطرفة، والحفاظ على توازنهن وأنوثتهن”. فيما ترى أن “مستقبل المرأة العربية مشرق وذلك نتيجة الثورة الفكرية التي تحركت في عقول وقلوب القوى الناعمة لتغيير واقع لم يعد يخدمهن”.

15