"خراب".. قراءة سينمائية لتجارة المخدرات والفساد في الولايات المتحدة

صراع عنيف بين تجار مخدرات ومافيا خفية من الشرطة الأميركية.
الخميس 2025/05/15
عالم خطير جذاب للشباب

يأتي فيلم "خراب" لتوم هاردي ليضاف إلى سلسلة من الأعمال السينمائية التي ترصد الفساد وتجارة المخدرات وخاصة ارتباطهما بالشرطة الأميركية وعناصرها الذين يوظفون نفوذهم لدعم تجاراتهم المشبوهة، ومدى تشابك هذه العوالم مع السياسة، وهي وإن كانت حكايات مكررة سينمائيا إلا أنها لا تزال قادرة على جذب عشاق السينما.

تشغل سرديات تجارة المخدرات وصراعات الكيانات “الكارتلز” المسيطرة عليها ومكافحتها وجرائمها شديدة العنف والدموية حيزا كبيرا من اهتمام صناع السينما العالمية، بسبب رواجها الكاسح، وقدرتها على جذب جماهير عريضة من المشاهدين، تعشق هذه النوعية من الأعمال، حيث تقدم قصصا تمزج بين دراما الجريمة والعنف والحركة شديدة الاستقطاب لقطاعات من الشباب والمراهقين، يمثلون شرائح أوسع إقبالا على مشاهدة الأعمال السينمائية.

نجح النجم العالمي توم هاردي في جذب شرائح كبيرة من المشاهدين لمشاهدة عمله السينمائي الجديد “خراب” Havoc الذي أطلقته منصة نتفليكس مؤخرا وحاز على المركز الثاني في قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة، وتقتحم سرديته بقوة عوالم تجارة المخدرات والفساد المستشري في عدد من عناصر الشرطة الأميركية المنخرطة في أنشطة مشبوهة تخص هذه التجارة، واستعان صناع الفيلم بنجم ومخرج أميركي من العيار الثقيل، هو فورست ويتاكر، حاصد جوائز أوسكار وكان وبافتا، والعشرات من الجوائز العالمية الأخرى لتقوية الأداء الدرامي للفيلم.

مخدرات وفساد

"خطر واضح وحاضر" و"اتجار" في طليعة الأعمال المهمة التي اقتحمت عالم تجارة المخدرات وتهريبها عبر الحدود الأميركية
"خطر واضح وحاضر" و"اتجار" في طليعة الأعمال المهمة التي اقتحمت عالم تجارة المخدرات وتهريبها عبر الحدود الأميركية

يقتحم الفيلم الذي كتبه وأخرجه غاريث إيفانز بقوة عوالم صراعات تكتلات مافيا المخدرات عبر شخصية المحقق باتريك ووكر، ويجسد شخصيته النجم توم هاردي الذي يكلف بالتحقيق في مجزرة تعرض لها شباب كانوا على متن شاحنة نقل ليجد ووكر نفسه في أتون صراع مشتعل بين عائلات مافيا المخدرات الكورية والروسية.

فضلا عن مافيا خفية تشكلت من ضباط الشرطة الفاسدين العاملين في مجال مكافحة المخدرات وقرروا تشكيل مافيا خاصة بهم، تقوم بالسطو على شحنات المخدرات المهربة، ومنها تلك التي كانت تحملها شاحنة النقل مستعينين بمعلوماتهم المهمة عن أنشطة تهريب المخدرات.

على صعيد آخر، يستنجد السياسي لورانس بومونت الذي يجسده الفنان فورست ويتاكر بصديقه محقق الشرطة ووكر من أجل إنقاذ ابنه الذي تتعقبه تكتلات المخدرات ظنا منهم أنه وعددا من أصدقائه هم من نفذوا مجزرة القتل ونهبوا شحنة المخدرات.

تخوض عصابات المافيا سلسلة من المواجهات الدموية الشرسة التي تم تنفيذها سينمائيا بتقنيات غاية في الحداثة لإخراج مشاهد الحركة والعنف بإيقاع سريع للغاية يناسب شرائح الشباب والمراهقين، حيث يتعقب المحقق الماهر ووكر خيوط الجرائم ويقوم بتحليلها ليصل في النهاية إلى ذلك الفريق الخفي من زملائه الفاسدين الذين نفذوا عملية سرقة الشاحنة وقتلوا أعضاء مافيا المخدرات وألصقوها بابن السياسي بومونت وصحبته، في الوقت الذي يسقط فيه السياسي بومونت قتيلا خلال هذه المواجهات الدموية، في إشارة رمزية دالة على أن ترك سرطان المخدرات وارتباطه بدوائر الفساد لا يقضي على الأبرياء فقط من ضحاياه، إنما يمتد أيضا ليسحق قطاعات أخرى مهما علا شأنها في المجتمع.

عبر عقود طويلة من تاريخها الطويل شحذت صناعة السينما الأميركية أسلحتها لإنتاج عدد كبير من الأعمال السينمائية التي تناولت سردياتها هذه القضية الشائكة، وجاءت أحيانا متوافقة مع التوجه الرسمي الأميركي بضرورة التصدي للحد من طوفان إغراق الولايات المتحدة بالمخدرات بأنواعها المختلفة.

سردية تقتحم عوالم تجارة المخدرات والفساد المستشري في عدد من عناصر الشرطة المنخرطة في أنشطة مشبوهة
سردية تقتحم عوالم تجارة المخدرات والفساد المستشري في عدد من عناصر الشرطة المنخرطة في أنشطة مشبوهة

وهذا التصدي الرسمي الذي ذهب إلى أبعد مدى، في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، إلى الحد الذي سيرت فيه الولايات المتحدة قواتها العسكرية لغزو بنما واعتقال رئيسها مانويل نورييغا عام 1989 لتنفيذ حكم قضائي صادر بإحدى محاكم ميامي بالقبض عليه بتهمة الاتجار في المخدرات، حيث حوكم في الولايات المتحدة وصدر ضده حكم بالسجن مدى الحياة.

ومن هذه الأعمال المهمة فيلم “خطر واضح وحاضر” clear and present danger  الصادر عام 1994 بطولة نجم هوليوود الكبير هاريسون فورد وأخرجه فيليب نويس عن رواية بنفس الاسم للكاتب توم كلانسي، ويدور حول مجزرة تعرضت لها قوات الكوماندوز الأميركية خلال عملية اقتحام لمواقع مافيا المخدرات في كولومبيا، نتيجة تآمر نائب الرئيس الأميركي الفاسد والمتحالف مع هذه المافيا.

كذلك فيلم “اتجار” Traffic الذي لعب بطولته النجم مايكل دوغلاس وأنتج عام 2000، ويعد الفيلمان في طليعة هذه الأعمال المهمة التي اقتحمت عالم تجارة المخدرات وتهريبها عبر الحدود الأميركية.

أطلقت هوليوود إبداعات مهمة غاصت في أعماق الأسباب الخفية التي تقف وراء صناعة رجال المافيا الدمويين وأباطرة تجارة وصناعة المخدرات، منها أسباب العنصرية المقيتة والتهميش والاضطهاد.

وربط فيلم American gangster أو “رجل العصابات الأميركي” المستند إلى قصة حقيقية ولعب بطولته النجم الكبير دينزل واشنطن وأخرجه ريدلي سكوت عام 2007 بين قضية اضطهاد وتهميش السود في المجتمع الأميركي في عقد الستينات من القرن الماضي وبين اضطرار بعضهم إلى اللجوء إلى الاتجار بالمخدرات كمهرب من العنصرية والفقر المدقع، وهو الأمر الذي تجسده بوضوح شخصية فرانك لوكاس زعيم المافيا المسيطر على أحياء واسعة للاتجار بالمخدرات في نيويورك.

استعرض الفيلم بقوة مآسي الاضطهاد العنصري الذي تعرض له السود خلال هذه الفترة التي شهدت ميلاد حركة الحقوق المدنية بزعامة مارتن لوثركينغ الذي اغتيل من قبل عنصريين بيض في ممفيس عاصمة ولاية تينيسى الأميركية عام 1968.

قضية اللاجئين

مافيا خفية تشكلت من ضباط الشرطة الفاسدين
مافيا خفية تشكلت من ضباط الشرطة الفاسدين

في صلة وثيقة بكل ما سبق، طرح الفيلم الشهير “ذو الندبة” Scarface لنجم هوليوود الكبير آل باتشينو، وأخرجه المبدع برايان دي بالما عام 1983 وكتبه السيناريست والمخرج أوليفر ستون، قضية اللاجئين القادميين من أميركا الجنوبية الذين تتم معاملة بعضهم معاملة حيوانية، ما يولد لديهم نزعات قوية للعنف وسفك الدماء والإثراء بأي طريقة.

هذا ما جسده آل باتشينو عبر الشخصية التي لعبها في الفيلم وهي توني مونتانا الذي ذاق الذل الشديد والاضطهاد العرقي أثناء رحلة هروبه من كوبا إلى الولايات المتحدة ووضع في مخيم احتجاز وضيع، أشبه بأقفاص الحيوانات ونجح في الهروب منه ليصير تدريجيا أحد أهم أباطرة المخدرات الأكثر عنفا ودموية في الولايات المتحدة.

والمؤكد أن صناعة السينما في مختلف أنحاء العالم لن تتوقف عن إمداد العالم بقصص ورؤى متجددة حول كوارث الاتجار في المخدرات وصناعتها، نظرا لارتباط هذه التجارة الوثيق بآلام المجتمعات بمختلف جنسياتها وأعراقها من الفساد وشدة الفقر والقهر والعنصرية والازدراء وغيرها، والتي قد تؤدي إلى مآلات الاتجار بالمخدرات وصناعتها وتخلق المئات من النماذج منزوعة الرحمة التي لا تتورع عن ممارسة العنف وسفك الدماء لتحقيق ثراء صاروخي عبر تجارة تضرب كسرطان فتاك في أجساد الكثير من المجتمعات.

14