فيلم ألماني يناقش صدمة المشاركين في مغامرات عسكرية أميركية

لا تمر الحروب سهلة على الجنود بل تظل محفورة في ذاكرتهم وتخلف لغالبيتهم صدمات نفسية خطيرة، رغم أنهم خلالها يمارسون أبشع سبل القتل والتنكيل بالضحايا، وهذا ما تحاول السينما العالمية التركيز عليه عبر العديد من الأفلام من بينها “الحصانة” الذي يناقش تأثير المغامرات العسكرية في مناطق النزاعات على الجيش الأميركي.
أرّقت المغامرات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة في العديد من دول العالم ضمير الكثير من المواطنين الأميركيين، وتحولت الغزوات كوابيس، عبرت عنها بعض الأعمال السينمائية العالمية، ابتداء من كارثة حرب فيتنام التي أحدثت صدعا لم يلتئم في الضمير الجمعي الأميركي، ومرورا بكوارث الحروب الناتجة عن التدخل العسكري الأميركي لغزو كل من كوريا والصومال وأفغانستان والعراق.
يعد الفيلم الألماني “حصانة” (Exterritorial) إحدى الطبعات الفنية في هذ المجال. والمقصود بالحصانة الأماكن المحصّنة دبلوماسيا، مثل القنصلية الأميركية في مدينة فرانكفورت الألمانية، التي تدور فيها أحداث فيلم يطرح مجددا آثار المغامرات العسكرية الأميركية، عبر زاوية تتناول دور مجندة ألمانية شاركت في قوات التحالف الداعمة للغزو الأميركي لأفغانستان منذ نحو 25 عاما.
أطلقت الفيلم منصة نتفليكس منذ أيام واحتل المركز الأول في قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة، وقدمه المخرج والسيناريست الألماني كريستيان زوبرت، ولعبت بطولته الفنانتان الألمانيتان جاين جورسود وليرا أبوفا بمشاركة البريطاني دوجراي سكوت.
أزمة نفسية عميقة
قدم الفيلم كارثة الغزو الأميركي لأفغانستان عبر أزمة نفسية عميقة تعرضت لها بطلة العمل سارة وولف المجندة في القوات الخاصة الألمانية المشاركة في قوات التحالف الداعمة للاحتلال الأميركي، وجسدتها الممثلة جاين جورسود، وظهرت الأزمة النفسية بعد تعرضها ووحدتها القتالية عام 2017، والتي كانت تضم زوجها المقاتل الأميركي، لكمين من قبل مقاتلي حركة طالبان، تمت فيه إبادة كافة عناصرها بمن فيهم زوجها، وكانت سارة هي الناجية الوحيدة.
تتلقى سارة وولف، التي تعمل موظفة أمن في إحدى الشركات عقب تسريحها من الخدمة العسكرية، بريدا إلكترونيا من إحدى الشركات الأميركية يفيد بالموافقة على طلبها للعمل بها براتب كبير، في مقر الشركة بالولايات المتحدة، ما دفعها إلى اصطحاب طفلها صاحب الستة أعوام (أميركي الجنسية) إلى مقر القنصلية الأميركية بمدينة فرانكفورت للحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة.
في مقر القنصلية تعطى وولف رقما لدورها في مقابلة المسؤول عن منح تأشيرة الدخول، ويطول انتظارها لساعات، ما أشعر طفلها بالضجر من الانتظار، فاصطحبته إلى غرفة الألعاب المخصصة للأطفال داخل القنصلية.
عندما جاء دور وولف للدخول ركضت سريعا إلى غرفة الألعاب لاصطحاب طفلها جوش لدخول المقابلة معها لتفاجأ بعدم وجوده في هذه الغرفة، وعبثا تحاول البحث عنه في الدائرة المحيطة بغرفة الألعاب، ما أطلق لديها مخاوف من اختطاف الطفل.
تطلب سارة المساعدة من ضابط الأمن الإقليمي بالقنصلية إريك كينش والرقيب دونوفان من أمن القنصلية، ويذهب دونوفان إلى مراجعة كاميرات المراقبة ليفيد بأنه لم تسجل سجلات الدخول أو الكاميرات دخول ابنها جوش إلى مقر القنصلية، حيث أظهرت لقطات المراقبة وجود سارة دون ابنها، والتي تواصلت مع الشرطة، وأفادتها بأن السلطات الألمانية ليست لها سلطة على المقار الدبلوماسية المحصنة بوصفها أراضي تابعة للدول التي تمثلها.
اتصلت سارة بوالدتها لتفاجأ بأنها لا تصدقها أيضًا لشك أمها في أن سارة لم تتناول الدواء الخاص بعلاجها من اضطراب ما بعد الصدمة التي تلقتها خلال تواجدها في أفغانستان، وطلب منها ضابط الأمن الإقليمي بالقنصلية مغادرة مبنى القنصلية.
ألغاز جديدة
بدلا من ذلك تستغل سارة خبراتها القتالية كجندية ومقاتلة بالقوات الخاصة لتختبئ في المبنى وتذهب إلى البحث عن طفلها بنفسها، وخلال بحثها تلتقي بإيرينا، التي كانت محتجزة في القنصلية لمدة شهرين، وتعرض عليها مساعدتها في البحث عن جوش، على أن ترد لها سارة هذه الخدمة عبر مساعدتها في الهرب من القنصلية.
وأثناء البحث تتلقى سارة حقنة من ضابط الأمن تفقدها الوعي، تستيقظ لتجد ديبورا ألين، القنصل العام، واقفة بجوار سريرها لتخبرها باتصالها بوالدتها التي كانت قلقة بشأن اضطراب ما بعد الصدمة الذي تعاني منه سارة والأوهام التي صارت تعاني منها بعد إرسالها إلى أفغانستان، حيث قتل والد جوش.
يتم تحرير سارة على يد إيرينا، والتي تخبرها بأن اسمها الحقيقي كيرا فولكوفا، ووالدها معارض من بيلاروسيا، وقُتل على يد الحكومة، وهربت كيرا بعد مقتله إلى السفارة الأميركية في مينسك طالبة اللجوء السياسي لتفاجأ بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية أحضرتها إلى فرانكفورت.
تريد كيرا الذهاب إلى بوسطن في الولايات المتحدة لرؤية والدتها، وتكتشف سارة أن كينش هو من يقف وراء عرض العمل الذي تلقته للعمل في الولايات المتحدة واستدرجها إلى دخول القنصلية، وتكتشف أنه كان أيضا في أفغانستان خلال فترة عملها هناك.
مؤامرة مع طالبان
تتلقى سارة من أحد الصحافيين مقطعا لفيديو يظهر لقاء كينش بأحد عناصر طالبان، وحسب الصحافي فإن كينش فاسد وكان مسؤولا عن الكمين الذي سقطت فيه مجموعة سارة القتالية، وتنجح سارة في مساعدة كيرا على الهرب من القنصلية في الوقت الذي يعترف لها كينش أثناء الاختباء في غرفة مؤمنة وطلبها مقابلته بأنه قام باختطاف جوش والتلاعب بصور كاميرا المراقبة، لأنها الشاهدة الوحيدة الباقية على قيد الحياة من حادث أفغانستان، وشعر الرجل بالضغط من قبل الصحافي.
وبنى الشرطي خطته على أن يترك سارة تتصرف بجنون داخل القنصلية بعد اختفاء طفلها كي يتمكن من إطلاق النار عليها دفاعا عن النفس، وتسجل سارة اعترافه ليلقى أمن القنصلية القبض عليه عقب فتح باب الغرفة المؤمنة ويعترف كينش بأفعاله رسميا ويدل على مكان احتجاز الطفل جوش.
هناك العشرات من السرديات العالمية التي تدور حول الشرخ العميق الذي أحدثته المغامرات العسكرية في المجتمع الأميركي، إلا أن إبداعات المخرج أوليفر ستون تقف على رأس هذه السرديات، فنحن أمام مخرج يغوص في ثنايا الأنسجة ويضع المشاهد عبر صورة “ميكروسكوبية” أمام أدق تفاصيل الشرخ العميق.
وأوليفر ستون العائد كجندي من حرب فيتنام، بما مثلته من أزمة عميقة لازالت تعاني جراحها بعض الشخصيات الأميركية، كان الأدق في استخدام إبداعه السينمائي وأدواته ككاتب سيناريو قبل أن يكون مخرجا خلاقا في التعبير عن مدى فداحة هذه الحرب، ونقل عبر ثلاثيته المهمة، التي قدمها في ثمانينات القرن الماضي: “الفصيلة” و”ولد في الرابع من يوليو” و”بين السماء والأرض” ونال عنها عددا من الجوائز العالمية، أدق تفاصيل معاناة الجنود والبشر المشاركين في هذه الحرب التى حصدت أرواح الملايين من البشر على الجانبين الأميركي والفيتنامي، وأحدثت صدعا خطيرا يغوص بجذوره في أعماق الشخصية الأميركية حتى اللحظة الراهنة.
ويصعب إغفال ذكر تحفة المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا الخالدة “نهاية العالم الآن” وأطلقها عام 1979 وحصد من خلالها العشرات من الجوائز السينمائية العالمية، وفي مقدمتها 4 جوائز أوسكار وجائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي. وفي الفيلم لعبت دور البطولة نخبة من ألمع نجوم السينما، منهم النجم مارلون براندو، ويتتبع الفيلم رحلة نهرية من جنوب فيتنام إلى كمبوديا، يقوم بها الكابتن ويلارد، وجسد دوره الفنان مارتن شين، ويقوم بمهمة سرية لاغتيال العقيد كورتز (مارلون براندو )، وهو ضابط منشق في القوات الخاصة متهم بالقتل وأصيب بالجنون بعد مشاهدته مذابح الفيتناميين. وأحدث الفيلم صدمة كبيرة للجمهور لما يحويه من مشاهد تجسد وحشية القوات الأميركية في فيتنام وتلذذ قادتها المشاركين بقتل الأبرياء من المزارعين الفيتناميين.