رؤية ملكية شاملة لتعزيز قدرة المغرب على الصمود وتدبير الكوارث

خطوة هامة للحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم وحماية الأمن القومي للمملكة تعتمد على الجاهزية والاستباقية بدلا من الاستجابة الظرفية للكوارث الطبيعية.
السبت 2025/05/10
خطوة هامة نحو تعزيز أمن المواطنين المغاربة وسلامتهم

في ظل التحديات الجيوسياسية والمخاطر المناخية والهيدرولوجية والجيولوجية التي واجهت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة، وفي إطار الرؤية الملكية للعاهل المغربي الملك محمد السادس المرتكزة على خدمة المواطن المغربي، وحماية الوطن، وضمان أمنه واستقراره، والدفاع عن مصالحه العليا من منطلق سيادي يهدف إلى إرساء نموذج متفرد في إدارة الكوارث وتدبير الأزمات، من خلال بناء منظومة متكاملة تتسم بالجاهزية والاستباقية والابتكار، وضع العقل الإستراتيجي المغربي تصورا شاملا للحد من الكوارث الطبيعية وإدارة الأزمات المرتبطة بها وتدبير المخاطر الناجمة عنها، وذلك عبر التزام دستوري واضح تؤطره الخطب والتوجيهات الملكية التي تعتبر الإطار المرجعي لعمل المؤسسات الإستراتيجية الوطنية، بهدف تنزيل هذه البرامج والمخططات بشكل سليم وفعال ودقيق.

المغرب من أكثر الدول عرضة للمخاطر الناجمة عن الظواهر الجيولوجية والمناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الكوارث مثل الفيضانات، والزلازل، والجفاف تكلف المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنويا.

وفي هذا السياق، يجسد المشروع الملكي الإستراتيجي لإحداث المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية للنشر الفوري لعمليات الإغاثة في حالة وقوع الكوارث نموذجا مبتكرا ومتطورا في إدارة الأزمات والكوارث، حيث يمثل هذا المشروع نقلة نوعية في إستراتيجية المغرب للتعامل مع الكوارث الطبيعية، كما يعكس التزام الملك محمد السادس بخدمة القضايا المحورية التي تهم المواطن المغربي. هذه المبادرة تمثل خطوة هامة نحو تعزيز أمن المواطنين المغاربة وسلامتهم وحماية الأمن القومي للمملكة المغربية، حيث تعتمد على الجاهزية والاستباقية بدلا من الاستجابة الظرفية للكوارث الطبيعية، مما يعزز قدرة البلاد على الصمود والتدخل الفوري في أي مكان وزمان بشكل فعال وسليم.

على مستوى صناعة التشريع، أرسى المغرب ترسانة قانونية مهمة تهدف إلى توفير الآلية القانونية المساعدة على تمويل مخاطر الكوارث

المشروع الضخم، الذي تبلغ قيمته الاستثمارية 7 مليارات درهم، يندرج في إطار التزام المملكة المغربية الكامل بتعهداتها الدولية ومتعددة الأطراف، وخاصة إطار اتفاق سنداي الدولي للحد من مخاطر الكوارث (2015 – 2030)، بالإضافة إلى التنسيق المستمر مع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية. كما أن المملكة المغربية ستشارك في الدورة الثامنة للمنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث (GP2025) في جنيف خلال يونيو – حزيران 2025، والذي تعكسه الإستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2020 – 2030).

وقد تمت ترجمة هذه الإستراتيجية إلى خطط تنفيذية واضحة تشمل خطة عمل ذات أولوية (2021 – 2023) وخطة عمل تنفيذية (2021 – 2026)، تغطي 18 برنامجا و57 مشروعا قيد التنفيذ حاليا، بما في ذلك حملات التوعية بالكوارث، ودعم الاستثمارات العمومية والخاصة في مجال الحد من المخاطر، وتدعيم قدرة الشبكات العمومية الحيوية على الصمود.

كما تلعب المديرية العامة لتدبير المخاطر الطبيعية بوزارة الداخلية دورا محوريا في تنفيذ هذه الإستراتيجية، حيث تضم أفضل الكوادر والكفاءات الوطنية المتخصصة في هذا المجال، وتعمل عبر المرصد الوطني للمخاطر، الذي يتولى جمع وتقاسم البيانات والمؤشرات المتعلقة بالمخاطر الطبيعية بهدف تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال تدبير مخاطر الكوارث، والمركز الوطني لتوقع المخاطر، الذي يتولى مهمة الإخطار الاستباقي للسكان المعرضين للمخاطر وتأمين سلامة الأشخاص والممتلكات والأنشطة الاقتصادية.

على مستوى صناعة التشريع، أرسى المغرب ترسانة قانونية مهمة تهدف إلى توفير الآلية القانونية المساعدة على تمويل مخاطر الكوارث، من خلال اعتماد القانون رقم 110 – 14 عام 2016، لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، حيث أدخل نظام التأمين ضد مخاطر الكوارث.

يهدف هذا القانون إلى تحسين الصمود المالي للأسر والشركات المغربية ضد الكوارث الطبيعية والبشرية، حيث استحدث آلية تأمين خاصة تغطي نحو 9 ملايين شخص، من خلال إنشاء صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، وهو منفصل عن صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية، وموجه لمساندة الأسر الأشد فقرا والأكثر احتياجا. وتقدم الآليتان الخاصة والعامة للتأمين، مجتمعتين، نحو 100 مليون دولار تعويضات للمتضررين كل سنة.

اليوم، تؤسس المملكة المغربية من خلال هذه الخطوة الإستراتيجية لنهج متكامل جديد، يرتكز على الحكامة المؤسساتية في مجال تدبير مخاطر الكوارث، حيث يعمل على تعزيز كفاءة بعض المؤسسات القائمة، المعنية بإدارة المخاطر، ويؤكد على التنزيل الدقيق للرؤية الملكية في مجال تدبير الكوارث وإدارة الأزمات.

هذا النهج يضمن للمملكة المغربية القيام بدورها الكامل في العمل على الحد من المخاطر الطبيعية والأزمات المرتبطة بها، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية والمناخية والجيولوجية الكبرى التي يشهدها العالم، فضلا عن المواعيد الرياضية الكبرى التي سيستقبلها المغرب في السنوات المقبلة.

هذا المشروع الاستشرافي، يمثل انعكاسا للالتزام الملكي الراسخ بحماية المواطن المغربي، وتعزيز جاهزية المؤسسات السيادية لحماية الأمن القومي للمملكة بأبعاده المتعددة

يمكن تحليل المشروع الملكي لإنشاء المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية لعمليات الإغاثة في حالة الكوارث من خلال أربعة أبعاد متداخلة ومتكاملة:

أولا، البعد الجهوي والاستجابة السريعة: إنشاء اثنتي عشرة منصة في مختلف جهات المملكة تضمن وصول المساعدات بسرعة وفعالية، مما يقلل الاعتماد على المصالح المركزية.

ثانيا، تكامل وتنوع المخزون: يشمل المشروع توفير مواد غذائية وإيوائية، بالإضافة إلى تجهيزات طبية ومعدات إنقاذ، مما يضمن تغطية شاملة للاحتياجات الأساسية.

ثالثا، الرؤية الاستباقية والجاهزية: يهدف المشروع إلى الاستعداد للكوارث الطبيعية والتحديات الصناعية والتكنولوجية، مع التركيز على أنظمة الإنذار المبكر وتدريب المجتمعات.

رابعا، الاستدامة: يسعى المغرب إلى إنشاء منظومة وطنية لإنتاج المواد اللازمة للإغاثة، مما يعزز السيادة الوطنية ويضمن استدامة الجهود في مواجهة الأزمات.

يمثل هذا المشروع الاستشرافي المرتكز على الرؤية الإستراتيجية والتعاون العالمي والحكامة المؤسساتية، انعكاسا للالتزام الملكي الراسخ بحماية المواطن المغربي، وتعزيز جاهزية المؤسسات السيادية لحماية الأمن القومي للمملكة بأبعاده المتعددة.

إنه خطوة هامة نحو تعزيز أمن المواطنين المغاربة وسلامتهم، حيث ينتقل المغرب من الاعتماد على استجابات ظرفية بعد وقوع الكوارث الطبيعية، إلى نهج استباقي يعزز قدرة البلاد على الصمود والاستجابة الفورية في كل زمان ومكان بشكل فعال وسليم.

هذا ما أكده الملك محمد السادس في الخطاب الملكي خلال افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في أكتوبر – تشرين الأول 2021، مشيرا إلى أن “المغرب في مرحلة جديدة، تقتضي تضافر الجهود حول الأولويات الإستراتيجية، لمواصلة مسيرة التنمية، ومواجهة التحديات الخارجية (…) لتعزيز مكانة المغرب، والدفاع عن مصالحه العليا، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات.”

وشدد العاهل المغربي على “ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الإستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الإستراتيجي للبلاد.”

9