فيلم "رهائن أبل".. قصة سطو حقيقية على متجر في أمستردام

يضاف "رهائن أبل" إلى سلسلة من الأفلام العالمية الناجحة حول اقتحام المنشآت واحتجاز الرهائن، وهي حكايات لها محبوها وجمهورها الوفي في السينما، ورغم أنه يروي حكاية حقيقية دون إضافات خيالية جذابة للمشاهد إلا أن الفيلم نجح في إثارة انتباه المشاهدين نظرا إلى اهتمامه بالمهاجرين وبتقديم حكايات إنسانية تلامس القلوب.
السطو المسلح على المصارف والمتاجر العملاقة، أحد عناصر قصص الجريمة المهمة في السينما العالمية، التي تناولتها بفيض واسع من المعالجات السينمائية، وغزلت نسيجها الفني من وقائع سطو واحتجاز رهائن تعرضت لها هذه الأماكن.
تمتلئ هذه النوعية من العمليات بالكثير من التفاصيل الإنسانية، شديدة التنوع والعمق التي يزخر بها اقتحام مصارف ومتاجر قد تتطور إلى القتل في بعض الأحيان.
وبعيدا عن سرديات السطو المسلح التي قدمتها هوليوود بإثارة وسرعة في الإيقاع وممتزجة بتراجيديات تتضمنها قصص الرهائن والمختطفين، جاءت معظم المعالجات التي قدمتها السينما الأوروبية بشأن السطو المسلح أكثر هدوءا وأشد تركيزا على الواقع الإنساني للأحداث، وحاولت الاقتراب من تقديم صورة حقيقية لعمليات الاقتحام والسطو المنقولة عنهما سيناريوهات هذه الأفلام .
وعلى غرار المعالجات الأوروبية الجادة جاء الفيلم الهولندي “رهائن أبل” الذي بثته منصة نتفليكس منذ أيام، وتصدر قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة. ويدور حول واقعة سطو تعرض لها متجر كبير لشركة أبل في ساحة لايدسبلين المزدحمة في العاصمة الهولندية أمستردام منذ ثلاث سنوات، تحديدا في 22 فبراير 2022، عندما اقتحم رجل يبلغ من العمر 27 عاما، يرتدي زيا مموها متجر أبل في هذه المنطقة الصاخبة، حاملا حزاما ناسفا ومسدسا ورشاشا، واحتجز رجلا بلغاريا أربعينيا كرهينة.
وأحدثت واقعة السطو وقتها ضجة كبيرة، واهتمت بها بعض وسائل الإعلام العالمية التي نقلت وقائعها على مدى الساعة منذ بداية عملية السطو وحتى لحظة نهايتها.
رهينة وحيد
واقعة السطو الشهيرة أعادت مجددا التعاون بين المبدعين المخرج بوبي بورمانز وكاتب السيناريو سيمون دي وال، بعد تعاونهما المثمر في مسلسل الجريمة الدرامي “الساعة الذهبية” (The Golden Hour) وعرض منذ ثلاثة أعوام وحقق نجاحا جماهيريا كاسحا، وحصد أعلى تقييمات مواقع التقييم الدرامي العالمية، ويدور حول هجوم إرهابي خطير تعرضت له مدينة أمستردام.
وتدور أحداث الفيلم في ساحة لايدسبلين بأمستردام، ويحكي قصة إيليان بتروف، ولعب دوره الفنان أدمير سيوفيتش، وهو رجل بلغاري مريض بأحد أمراض الشرايين التاجية المغذية للقلب، قدم من بلاده للعمل في هولندا، رغم مرضه لحاجة أسرته الشديدة إلى المال، ويجد إيليان نفسه في متجر أبل لشراء سماعات جديدة بعد أن فقد سماعاته القديمة أثناء سفره، وبعد دخوله المتجر بفترة وجيزة يخرج رجل مجهول الهوية يرتدي زيا مموها، لعب دوره الفنان سفيان موسولي، سلاحا آليا ويعلن عن بدء عمليته للسيطرة المسلحة على المتجر.
ينجح العديد من الزبائن والموظفين في الفرار من المتجر في اللحظات الأولى من الاقتحام المسلح، ويختبئ آخرون في أجزاء مختلفة من مبنى أبل، ويحتجز المقتحم المسلح إيليان الذي يفشل في الهرب كرهينة ليستخدمه كوسيلة ضغط لتحقيق مطالبه بالحصول على 200 مليون من العملات المشفرة “بيتكوين” وسيارة ليموزين سوداء لتقله بصحبة الرهينة إلى المطار.
عمود فقري
الثنائي، المكون من المقتحم المسلح والرهينة الوحيد، سيكون العمود الفقري لسردية الفيلم، في الوقت الذي تمتد فيه القصة لتتخذ نهجا كاملا وموسعا يشمل جميع زوايا الواقعة الحقيقية التي تتناول مركز إدارة الأزمة بالشرطة، ومفاوضي الرهائن، وضباط القوات الشرطية الخاصة المتواجدين في الموقع خارج المتجر، ومجموعة صغيرة مكونة من أربعة أفراد مختبئة في خزانة أحد الموظفين الذي نجح الموظف في الوصول إليها بصحبة ثلاثة من الزبائن خلال لحظات الاقتحام الأولى، وهناك أكثر من عشرين موظفا وزبونا اختبأوا في الطابق الثاني.
منذ لحظة الاقتحام الأولى، أوحى الحدث أننا أمام مقتحم مسلح واحد ويظل الشك يراود المشاهدين للعمل بضرورة وجود مسلحين آخرين ستكشف عن وجودهم أحداث الفيلم، انطلاقا من رفض عقلنا أن يكون القائم باقتحام هذا المتجر العملاق شخصا واحدا، وسط تساؤلات تجوب أذهاننا ترفض أن تكون عملية الاقتحام بهذه البساطة.
وإذا كانت بهذه البساطة، فكيف سيتمكن مقتحم وحيد من السيطرة على عملية احتجاز الرهينة طوال الوقت، وكيف تتم عملية تمشيط المتجر الكبير لضمان عدم وجود آخرين مختبئين بين أرجاء المتجر وطوابقه المتعددة، وكيف يواجه هذا المسلح أعلى كفاءات هولندا الشرطية بمفرده؟ وإذا طال وقت الاحتجاز، كيف يتمكن هذا المسلح من النوم أو الصمود يقظا؟
هناك أسئلة كثيرة تغذيها بقوة قصص السطو المسلح واحتجاز الرهائن المختلفة التي تناولتها الكثير من الأعمال السينمائية العالمية. وتأتي الإجابة مع تعمق أحداث الفيلم، فلا مسلح غيره ولا رهينة معروفة لديه، غير البلغاري تعيس الحظ الذي احتجزه لمرضه وعدم تمكنه من الهرب.
وفور إعلان المسلح بدء عمليته بإطلاق زخات متتالية من رصاص سلاحه الآلي، تتدفق قوات الشرطة إلى موقع المتجر، متخذة مواقعها، وتتشكل خلية لإدارة الأزمة مطرزة بكفاءات من وزارة الداخلية الهولندية، وتبدأ عملية التواصل مع المقتحم لمعرفة طلباته عبر هاتف المتجر الأرضي، وتتمثل في الحصول على 200 مليون من العملات المشفرة، وإيجاد ممر آمن لخروجه بصحبة الرهينة وتدبير سيارة ليموزين سوداء لتقله من موقع المتجر إلى المطار.
خلية الأزمة
مصحوبة بنجاحاتها السابقة، يتم استدعاء واحدة من أمهر مفاوضات عمليات احتجاز الرهائن وتصل إلى مقر خلية الأزمة للتواصل مع المقتحم الذي يؤكد لها أنه ملتف بحزام ناسف جاهز للتفجير في حال عدم تنفيذ مطالبه.
تكشف المفاوضة عن أهم أسلحتها في التفاوض، فهي تمتلك صوتا رخيما وأداء صوتيا يخدر الطرف الآخر تدريجيا عبر الإيحاء بالتعاطف مع حالته ورغبتها في الوقوف على طبيعة المشكلات التي قادته لتنفيذ عملية الاقتحام. وبعد فترة من التواصل تنجح في الوصول إلى دوافع المقتحم، ويخبرها أنه مهاجر من أصل سوري تعرض لسلسلة من الإخفاقات منذ وصوله إلى هولندا وأفصح لها عن اسمه في النهاية، وهو عمّار.
تمتد عملية الاقتحام من الظهيرة وحتى ساعات الليل المتأخرة، وتبدأ علامات المرض في الظهور على الرهينة الذي طلب ماء لتناول دواء في حقيبته، ويستجيب له المحتجز، ويطلب من الشرطة زجاجات مياه، وتوصل الشرطة إليه طلبه عبر روبوت، وتترك عبوات المياه عند بوابة المتجر وعندما يهم المقتحم بإحضارها مصطحبا معه الرهينة البلغاري ينطلق ركضا خارج المتجر، وهو مقيد اليدين للخلف في الوقت الذي يقدم فيه شرطي يتمركز في إحدى السيارات التي تحاصر الموقع بالانطلاق مسرعا نحو المختطف ودهسه.
تنتهي عملية الاقتحام والاحتجاز دون أن يكتشف المقتحم طيلة ساعاتها وجود آخرين مختبئين في أرجاء المتجر، وتحدث إصابات شديدة للمقتحم ويبطل فريق التعامل مع المتفجرات عمل الحزام الناسف الذي كان يلفه حول جسده، وتنقل وسائل الإعلام نبأ وفاة المقتحم صبيحة اليوم التالي متأثرا بإصابته .
صيغت أحداث الفيلم عبر قصة إنسانية لواقعة اقتحام متجر أبل، وباستثناء دهس سيارة الشرطة للمقتحم في النهاية لم يقدم الفيلم الهولندي سوى سرد أمين وهادئ مطابق لواقعة الاقتحام الحقيقية بلا إضافات لتسلم المشاهد إلى واقع مليء بالإخفاقات التي تواجه المهاجرين القادمين من دولهم بحثا عن فرص في دول أوروبا، توفر لهم وأسرهم سبل حياة أفضل. وكشف صناع العمل عن هذه الرؤية بتركيزهم على نموذجي المقتحم (سوري الأصل) والرهينة البلغاري القادمين إلى هولندا للبحث عن حياة أفضل.
ظهيرة يوم لعين
رغم التباعد الزمني الذي يصل إلى نصف قرن بين تواريخ إطلاقهما للعرض، تتشابه سردية فيلم “رهائن أبل” كثيرا مع أحد أهم الأعمال التي قدمتها هوليوود وتركز على الأبعاد الإنسانية في وقائع اقتحام واحتجاز الرهائن وهو فيلم “عصر يوم سيء” وتم إنتاجه عام 1975، تأليف الكاتب والسيناريست الأميركي ليزلي والر، وأخرجه سيدني لوميت، وتألق فيه النجم آل باتشينو، بالاشتراك مع النجم الأميركي جون جازال، وحصد الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مبني على أحداث حقيقية لسطو مسلح على مصرف في عام 1972.
ويروي قصة سوني وورتزيك الذي احتجز موظفي أحد المصارف في بروكلين كرهائن مع شريكه سال ناتوريلي، وقد أبرز الفيلم الدافع الإنساني للمختطف سوني ولعب دوره ببراعة آل باتشينو، واستغل عملية السطو ليطرح على الرأي العام الأميركي عبر وسائل الإعلام قضية معاناة جيله من الشباب الأميركي من البطالة والتهميش.