تراكم الانتهاكات يبدد صورة "الجيش المنقذ" شرق ليبيا

تساؤلات عما إذا كان سبب احتجاز النائب، المعروف بدعمه للجيش، هو الانتقام منه بعد تصريحات تحدث خلالها عن الفساد في المنطقة الشرقية.
الأربعاء 2025/05/07
لا بد من توضيحات

تبدد الانتهاكات المتراكمة في شرق ليبيا والتي كان آخرها الفيديو المسرب للنائب عن مدينة بنغازي إبراهيم الدرسي، الذي ظهر في وضع مزر والأغلال حول رقبته، صورة “الجيش المنقذ” من الفوضى والجماعات الإرهابية، التي رسمها قائد الجيش المشير خليفة حفتر قبل سنوات.

وأثار الفيديو جدلا واسعا في ليبيا، فالمشهد الذي ظهر فيه الدرسي أحدث صدمة شعبية عميقة وقال ما لا يمكن أن يصفه أيّ تصريح بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش.

وسيطر الارتباك على السلطات شرق ليبيا بشأن الفيديو المنتشر. وبدل التعهد بإجراء تحقيق شفاف في الأمر قال جهاز الأمن الداخلي إن المقطع مفبرك بالذكاء الاصطناعي، في حين قالت وزارة الداخلية “تم إخراجه بعناية لتشويه المؤسسة العسكرية،” وهو ما يعمّق الشكوك في الخطاب الرسمي.

الارتباك سيطر على السلطات شرق ليبيا. وبدل التعهد بإجراء تحقيق، قال جهاز الأمن الداخلي إن المقطع مفبرك

والمعروف عن النائب دعمه للجيش ومساندته لعملية الكرامة منذ انطلاقها سواء سياسيا من تحت قبة البرلمان أو إعلاميا، وهو ما يثير تساؤلات في ما إذا كان سبب احتجازه الانتقام منه بسبب تصريحات تحدث خلالها عن الفساد في المنطقة الشرقية وتساءل عن مبالغ من غير المعروف في ماذا أنفقتها الحكومة والمصرف المركزي الموازي.

ولأعوام طويلة، بنيت صورة الجيش في شرق ليبيا على سردية ” المنقذ” من الفوضى والجماعات المسلحة وعلى خطاب تطهير ليبيا من الإرهاب بعد انهيار مؤسسات الدولة سنة 2011 وظهور الجماعات المتشددة، إلا أن هذه الصورة بدأت تتآكل بشكل متسارع مع تصاعد الانتهاكات.

ورغم تمكن الجيش في بداياته من تحرير بعض المدن من الإرهاب مثل درنة وبنغازي، إلا أن هذه الصورة بدأت تتلاشى تدريجيا مع انكشاف جوانب من ممارساته السياسية والأمنية وانهارت التوقعات التي علقها الليبيون عليه بتوفير الاستقرار والخدمات مع ارتفاع تكاليف المعيشة وغياب العدالة الاجتماعية وتفشّي الفساد.

وتحولت مشاعر الأمل والثقة التي رافقت انطلاق عملية الكرامة سنة 2014، إلى حالة من التململ الصامت لاسيما مع تزايد مظاهر الفساد والمحسوبية وتغلغل أبناء حفتر في المؤسسة العسكرية والهيمنة على المشاريع التنموية المتعلقة بإعادة الإعمار. 

مشاعر الأمل والثقة تحولت إلى حالة من التململ الصامت مع تزايد مظاهر الفساد والمحسوبية وهيمنة أبناء حفتر على المشاريع التنموية

ويثير صمت القيادة العامة للجيش على تمدد السلفيين المداخلة وتعاون بعض الضباط معهم في تقييد الحريات، حفيظة شريحة واسعة من الليبيين المعروف عنهم قربهم من الطرق الصوفية، وبشكل أكبر أولئك الذين دعّموا الجيش على أساس وطني لا ديني وكانوا يخشون هيمنة المتشددين من أنصار الشريعة والإخوان المسلمين.

ووثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية على مدى السنوات الماضية، انتهاكات جسيمة في مناطق سيطرة حفتر من إخفاء قسري واغتيالات سياسية، إلى ممارسات تنكيل طالت المدنيين والمعارضين. وظلت هذه الانتهاكات بلا محاسبة ولا مساءلة وجرى في الكثير من الأحيان، مثل حالة اختطاف عضو البرلمان سهام سرقيوة ووزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق مهدي البرغثي، تبريرها بخطاب الحرب على الإرهاب.

وكان موقع “أفريك آسيا” الفرنسي أول من نشر صورا للدرسي وهو معتقل ومكبل، من دون تحديد مكان التقاطها أو تاريخها. وأشار الموقع إلى أن اختطافه جاء عقب تصريحات انتقد فيها تغلغل أقارب حفتر في مفاصل السياسة والاقتصاد في شرق ليبيا، لاسيما في ملف إعادة إعمار بنغازي.

وطالبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الثلاثاء السلطات الليبية بالإسراع في “إجراء تحقيق مستقل وشامل” في واقعة فيديو يظهر نائبا مخطوفا منذ سنة مكبّلا ومحتجزا في ظروف مهينة.

والدرسي نائب في مجلس النواب الليبي منذ عام 2014، وكان يشغل رئاسة لجنة الشؤون الدينية والأوقاف وعضوية لجنة المرأة والطفل. وسبق له أن عمل إماما وخطيبا وناشطا اجتماعيا، وله حضور بارز في الحياة المدنية ببنغازي.

1