"عشاق الكتب بسوسة" جمعية تحرر فعل القراءة لبناء ثقافة شعبية

رئيس الجمعية حلمي الشيخاوي لـ"العرب": القراءة ليست ذاتها المطالعة.
الأحد 2025/05/04
الانفتاح على فضاءات أخرى

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تعنى بالقراءة ممثلة في المجموعات والجمعيات التي تجمع عشاق القراءة والأدب والفكر والمعرفة، وتقدم نشاطات مبتكرة حول القراءة، وتخرج بها من الفضاءات التقليدية ومن الفعل الفردي إلى الفعل التشاركي، وهذا ما نجحت فيه في تونس مثلا جمعية "عشاق الكتب بسوسة"، التي كان لـ"العرب" هذا الحوار مع رئيسها حلمي الشيخاوي.

في البداية يعرّف حلمي الشيخاوي نفسه أنه مؤسس ورئيس “جمعية عشاق الكتب بسوسة”، معتبرا أن هذا الحوار بمثابة فرصة لهم للحديث عن تجربة الجمعية، التي من خلالها بالإمكان أخذ فكرة عن حال القراءة في تونس.

وتقدم الجمعية تجربة مختلفة تعنى بالقراءة، كما لا تقف عند القراءة بل تذهب أبعد إلى تنظيم الندوات والنقاشات التي تضيء في كل مرة على تجربة من تونس أو خارجها.

تعميم فعل القراءة

العرب: كثيرا ما نسمع إحصائيات مخجلة عن نسب القراءة في تونس، رغم نسبيتها الكبيرة، كيف ترون واقع القراءة؟

حلمي الشيخاوي: حسنا، ما الجديد إذا قلنا إنّ النسب ضعيفة وإنّ حال القراءة متردّ في العالم وليس تونس فقط (بنسب متفاوتة طبعا) وهل يجب أن نقول هذا من باب التباكي كما تعودنا (كما لو أننا عندما نقول كلمة قراءة، علينا بالضرورة أن نحزن بدل أن نبتهج) أم من باب الوقوف على الأسباب التي عادة ما يتم الانحراف بها إلى تحاليل سطحية، تقودنا غالبا في النهاية إلى مهاجمة الأجيال الجديدة واعتبارها أجيالا لا تقرأ، تافهة وسطحية.. إلخ أو إلى مهاجمة التكنولوجيا واعتبارها السبب في الابتعاد عن الكتاب (كما لو أن القراءة مرادفة للكتاب الورقي وأن المحمولات الإلكترونية لا يمكن أن تكون فضاءات حاملة للمعرفة).

في الحقيقة وبحكم تجربتي التي تقارب العقد من الزمن في تسيير الجمعية، خضت العديد من الحوارات والمقابلات مع صحافيين وإعلاميّين ومواطنين عاديين وغيرهم، وصلت إلى مفارقة ساخرة، هي أن أغلب من حدّثوني عن واقع القراءة المتأزم، هم أناس لا يقرؤون تقريبا (وأستثني محاوري هنا لأنني أعرفه شاعرا وقارئا) ويعزون انقطاعهم هذا لأسباب واهية. أما الناس الذي يقرؤون، فعندما ألتقي بهم لا نتحدث أبدا عن “واقع القراءة المتأزم” بل ننصهر في حديث حميمي عن متعة القراءة.

ومن هذه الزاوية تحديدا أفترض أن من بين الأسباب المتعددة والمركبة التي تجعل من نسب القراءة ضعيفة، هو غياب البرامج الإعلامية التي تروّج لمتعة القراءة والاكتفاء ببرامج “لطميات القراءة”، حتى في معارض الكتب والندوات الأدبية لا يتم الاحتفاء بتجربة القراءة ولا يستضيفون القراء، كما لو أننا خارج سياسات الاعتراف الرسمية، المحتكرة من قبل أساتذة الجامعة.

إذا لم تنفتح المؤسسات والندوات والمنابر الإعلامية على القارئ غير المتخصص ستظل القراءة بعيدة عن عموم الناس
إذا لم تنفتح المؤسسات والندوات والمنابر الإعلامية على القارئ غير المتخصص ستظل القراءة بعيدة عن عموم الناس

لهذا أقول إذا لم تنفتح المؤسسات والندوات والمنابر الإعلامية وغيرها… على القارئ غير المتخصص، ستظل القراءة بعيدة عن عموم الناس، وهذا الكلام لا أقوله أنا فقط، بل تفطن إليه من قبلي  الناقد تزفيتان تودوروف، وهو يؤلف كتابه “الأدب في خطر” حين اكتشف أن هؤلاء النقاد والجامعيّين ظلوا يقدمون دروسهم الجامعية خارج أسوار الجامعة، فحوّلوا الأدب والفعل الثقافي إلى شيء يكاد يستعصي على عموم القراء.

ولعل من المفارقات السلبية التي تعترضني بشكل دائم، عندما ألتقي بصديق ما ويقول لي أنا لا أقرأ الكتب لأن اختصاصي علمي وبعيد عن الأدب. أو في أحيان أخرى عندما يريدون مدح كاتب أو قاري في الإعلام يقولون إنه كتب كتابا رغم أن اختصاصه في المحاسبات أو الهندسة أو الطب… ولكم أن تتخيلوا عدد الناس الذين لا يقرؤون لأنهم يعتقدون أن قراءة الكتب خاصة فقط بمن يدرسون الأدب أو ما تفرع منه.

إذن لتجاوز كل ما فات يجب علينا أن نبتكر فكرا ومشروعا مضادا، يمكنه أن يحدث شروخا في عالم ينحو إلى التخصص بمعناه الانغلاقي والاحتكاري، ليوفر ما كان يبحث عنه القارئ الكوني بورخيس ألا وهو متعة القراءة وليس فقط معرفة منظر أو ناقد.

العرب: كيف يمكن تحويل القراءة إلى عادة مجتمعية؟

حلمي الشيخاوي: هل يمكن تحويل القراءة إلى عادة مجتمعية من خلال رهان وزارة الثقافة على شيء اسمه “البطولة الوطنية للمطالعة” التي يقع فيها تلخيص الكتب على الطريقة المدرسية، قطعا لا. لأن القراءة ليست هي ذاتها المطالعة، (هذه الكلمة المدرسية الميتة التي تذكرنا بسنوات الملل والعقاب بدل اللعب في الخارج). لا يمكن أن نختزل القراءة في عملية  تلخيص كتب، وامتحانات أمام لجان مكونة من أساتذة التبسيط وتحويل الحياة المتفجرة إلى مادة ناعمة ومملة.

القراءة هي معايشة روحية كما يقول ذلك الروائي البولندي ويتولد غومبروفيتش، وإن أردنا تحويلها إلى عادة مجتمعية، يجب أن نخرجها من معابدها السخيفة وصلواتها المضحكة.

وكي أجيبك عن سؤالك بدقة، يمكن أن أقدم لك بعض التجارب الملموسة التي يمكن أن تساهم في تحويل القراءة إلى عادة مجتمعية.

النموذج الأول من خارج تونس وتجربة الجمعية: في شهر رمضان الفارط أقامت تطبيقة أبجد (تطبيقة مدفوعة للقراءة الإلكترونية) تحديا بعنوان وشعار “تحدي الخير، اقرأ وشارك في الخير لدعم محاربات سرطان الثدي”، وجاء في البيان المتعلق بهذه المبادرة «في شهر تتضاعف فيه البركة، وتتناثر فيه أفعال الخير كالنور، يطلق تطبيق أبجد للقراءة الإلكترونية تحديًا استثنائيًا بالشراكة مع مؤسسة بهية، ليكون للقراءة معنى أعمق وأثرٌ يمتد إلى قلوب محاربات سرطان الثدي، حيث تتكفل ‘أبجد‘ بتغطية تكلفة عملية مجانية لإحدى المحاربات عند وصول قرّاء المنصة إلى 10 آلاف ساعة قراءة داخل التطبيق.»

هذه المبادرة جعلتني أهجر كتبي الورقية في المكتبة، وأقضّي شهرا كاملا وأنا أقرأ من تطبيقة أبجد، والأكثر من ذلك، عندما قمت بنشر خبر المبادرة، اتصلت بي صديقة بعد مدة قصيرة، لتعلمني أنها شاركت في المبادرة، رغم أنها لا تقرأ الكتب، ولكن ما دفعها للقراءة والمشاركة هي محبتها لفعل الخير.

من أسباب نسب القراءة الضعيفة هو غياب البرامج الإعلامية التي تروّج لمتعة القراءة والاكتفاء ببرامج "لطميات القراءة"

إذن هكذا يمكن أن ندمج القراءة بالمجتمع والتغيير، يمكن أن ندفع الناس للوقوع في سحر الكتب بطريقة غير مباشرة، بدل البطولات الدونكيشوتية الوهمية.

النموذج الثاني هو ما تقوم به جمعية صفحات، التي بصدد تنفيذ مشروع، يهدف إلى إنشاء نوادي القراءة في كامل محافظات تونس (ذهبنا سابقا إلى أكثر من 10 محافظات، في انتظار استكمال الباقي) هذا المشروع الذي أشارك فيه بصفتي “مؤطرًا” نقوم فيه بورشات تدريبية مع مجموعة من قراء الجهات، لتمكينهم من آليات تكوين وإدارة نادي قراءة.

إن هذا الرهان (أي نوادي القراءة) يندرج ضمن ما يسمى بالثقافة الشعبية، التي بإمكانها كسر تلك الصورة النمطية المشار إليها منذ قليل (القراءة شأن نخبوي أو اختصاص جامعي…) وتحويلها (أي القراءة) إلى عادة مجتمعية، تتوجه إلى عموم الناس.

النموذج الثالث ليس ببعيد عن الثاني، بل هو التجربة المعيشة عينها، إذ تنظم “جمعية عشاق الكتب بسوسة” نشاطا بعنوان Reading Date الذي يتمثل في ترتيب مواعيد بين القراء من أجل مشاركة شغفهم بالكتب، ليس في الفضاءات الخاصة بالكتب (المكتبات، دور الثقافة والشباب…) بل في الفضاءات العامة، كالمقاهي والحدائق العامة… وقد جاء في بيان هذا النشاط، فلسفته وأهدافه التالية “تُحاول الجمعية من وراء لقاء Reading Date مواصلة الاشتغال على الفلسفة الخاصة بها، والتي يمكن تلخيصها في بعض النقاط السريعة:

• جعل ثقافة الحديث عن الكتب نوعاً من المعايشة اليومية وأسلوب حياة، لا شأناً مناسباتيّا.

• الانتقال من تجربة القراءة الفرديّة إلى الفعل الجماعي، القادر على هضم التجربة الذاتية والتأثير في الآخرين.

• تعزيز حضور القارئ والكتاب في المقاهي والفضاءات العامة، حتَى لا يبقى منحصرا في المكتبات، وهو الاعتقاد الذي جعل من الأغلبية لا يقرؤون. لافتراضهم أن القراءة فعل منفصل عن الحياة.”

إذن ملخص الجواب يمكن أن نحوّل القراءة إلى عادة مجتمعية، ولكن يجب أن نرسم سياسات مختلفة ومبتكرة تعزز من قيمة القراءة فعلا جماعيّا، وليس بطولة فردية، تكرس من ظاهرة اضمحلال المجتمع على حد تعبير ألان تورين. لأن القراءة في ظل الأوضاع السياسية الحالية وتصاعد الشعبوية، واستبداد الحشود (على رأي الباحث في علم الاجتماع السياسي مولدي قسومي) يجب أن تقودنا إلى صنع أنتلجنسيا (نخب فكرية) قادرة على التغيير، ولا تكتفي فقط بصنع مثقفين ، يقرؤون الكتب بينما العالم يحترق في الخارج.

التفكير النقدي

الجمعية تحاول أن تدفع في اتجاه الأدب الجيد ضد الأدب الرديء، التفكير النقدي مقابل عنف البلاهة

العرب: جيرار جينيت يقول إن القارئ يقرأ نفسه، بالتالي القراءة مزاج خاص وثقافة خاصة وشرائح متنوعة. كيف يمكن تحويل فعل القراءة الفردي إلى حالة تشاركية؟

حلمي الشيخاوي: شكرا على السؤال المهم، يبدو أن هناك خلطا شائعا، بين فعل القراءة وبين تجربة القراءة. لن يختلف اثنان، أن القراءة فعل فردي، أي أنك تحتاج إلى العزلة والمساحة الخاصة لقراءة الكتب. ولكن ما يميز قارئا عن قارئ آخر، هو ما يفعله في المابعد ( أي ما بعد القراءة) لأننا على رأي الروائي التشيلي روبرتو بولانيو “لا ننتهي من القراءة برغم أن لكل كتاب نهايته.”

المابعد هذا، يمكن أن يكون على سبيل المثال لا الحصر، ما أشارت إليه الكاتبة الكويتية بثينة العيسى في إحدى حواراتها التي تقول فيها “القراءة التي لا يعقبها حوار، هي قراءة ناقصة، دائما الكتب التي نتناقش فيها مع أصدقاء، هي الكتب التي ترسخ في ذهني أكثر.” وهو ذاته ما ذهب إليه الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل في حوار آخر حين قال “إن أحد أشكال القراءة الممتعة يتمثل في القراءة الجماعية. يمكنكِ الغوص في النص بمفردك والتحاور مع نفسك عندما تقرئين، لكن الحوار مع صديقٍ أو مع مجموعة من القرّاء يسمح بظهور تأويلاتٍ أخرى للنص. وإن كان أفراد هذه المجموعة يتمتعون بالذكاء فمن شأن ذلك أن يُغني التجربة.”

لذلك القراءة هي تجربة فردية وجماعية في الآن ذاته، تنجز من الداخل ومن الخارج، فبفضل المشاركة واللقاءات مع القراء والأصدقاء في “جمعية عشاق الكتب بسوسة”، تعلمت الكثير، عن كتب قرأتها بترشيحات منهم، وعن كتب قرأتها ولم أنتبه إلى تفاصيل انتبهوا إليها، وأسماء لكتاب اكتشفتها بفضلهم، ومقولات رائعة مثل هذه المقولة التي شاركنا إياها الصديق أشرف القرقني، يقول فيها المترجم السويسري إرميل غيرن “لا أحد بإمكانه أن يتقدم بمفرده حتى أقصى هاويته، من أجل ذلك يحتاج أصدقاء، ماذا تحسبون الكتب، بعض الكتب بعينها إذن، ماذا تحسبون القراء، بعض القراء بعينهم إذن.”

العرب: هل هناك توجه خاص في تنظيم اللقاءات مع الكتاب والقراء (مثلا تنويع العناوين وأجناس الأدب والكتب والضيوف.. إلخ)؟ كيف يمكن تطوير هذه اللقاءات؟

حلمي الشيخاوي: نعم، من يتأمل عمل الجمعية، سيرى هذا التنوع والثراء. لدينا عدة أنشطة مختلفة (اللقاءات مع الكتاب، الأمسيات الشعرية، أيام القراءة، تحدي القراءة، Reading date، جيبك كتابك، وإيجا كامبي معانا (تعال وخيّم معنا) إلخ…).

أما عن التوجه الخاص، فمن المؤكّد أننا لا ندافع عن القراءة في المطلق، لأن القراءة لا معنى لها، دون معرفة ماذا علينا أن نقرأ وكيف نقرأ. كما أن الكتب بعيدا عن النظرة التقديسية، هي مثل أيّ شيء آخر، لا تؤدي بالضرورة إلى فائدة مضمونة (بعض أشد الناس تعصبًا يقرؤون الكتب باستمرار).

لذلك تحاول الجمعية أن تدفع في اتجاه الأدب الجيد ضد الأدب الرديء، التفكير النقدي مقابل عنف البلاهة (هي الفكر اللامفكر فيه، وفق تعريف فلوبير). وإذا ما أخذنا أنموذجا عمليا بسيطا، يمكن أن نستدل بكتب التنمية الذاتية التي نرفضها في الجمعية، لأن وراء الخطابات التحفيزيّة تكمن أيديولوجيا سياسية، عمل النظام النيوليبرالي على الترويج لها خفية. وهذا ما سنقف عنده في لقائنا القادم تحت عنوان “في تقويض أيديولوجية التنمية الذاتية وأنبياء الرأسمالية الجدد.”

نشاطات نوعية

وظيفة القارئ، هي المساهمة في ابتكار معان جديدة، بعيدا عن فكرة النص المنغلق والمنجز أو قصدية الكاتب

العرب: من هو القارئ في رأيكم؟ وأي وظيفة له؟

حلمي الشيخاوي: في الحقيقة لا يوجد قارئ واحد، هناك قراء، لأن القراءة تجربة معقدة جدا. ولكن اسمح لي في أن أستعين بتعريفات، أتبناها، وجاءت على لسان كل من الروائي الأميركي فيليب روث والناقد الكندي فرنسوا ريكارد.

يكتب الأول “قارئ الرواية الحقيقي هو شخص راشد، يقرأ، لنقل، لمدة ساعتين أو ثلاث كل مساء، وذلك لثلاث أو أربع مرات في الأسبوع. إنه ينهي الكتاب خلال أسبوعين أو ثلاثة. القارئ الحقيقي ليس ذاك الشخص الذي يقرأ من وقت إلى آخر، ولمدة نصف ساعة ليضع الكتاب جانباً ويعود إليه بعد ثمانية أيام وهو على شاطئ البحر.

 إن القراء الحقيقيّين حين يقرؤون فعلا، لا يلتهون عن ذلك بأمر آخر. إذ يضعون الأطفال في السرير، ويبدؤون القراءة. لا يسقطون في فخ التلفزيون، ولا يتوقفون كل خمس دقائق ليقوموا بمشترياتهم على النت أو ليتحدثوا على الهاتف. لكن دون أدنى شك، إن عدد هؤلاء الناس الذين يأخذون القراءة على محمل الجد يتناقص سريعاً.”

ويقول الثاني “القارئ المثالي الذي أتخيله، ليس باحثًا ولا ‘خبيرًا في الأدب‘، ولكنه فرد، سواء كان رجلاً أو امرأة، صغيرا أم كبيرا، ليس الأدب بالنسبة إليه موضوعًا أو بحثا للدراسة بل فن وطريقة في العيش يعمق به حريته، ويحافظ على الجانب الإنساني الذي بداخله ويبقيه.”

الآن سأنتقل إلى الجانب الثاني من السؤال، وإن كنت قد أجبت سابقا عن وظيفة القارئ في المجتمع، وضرورة أن ينتقل من حالة المثقف الفرد، إلى حالة المثقف الجماعي (أنتلجنسيا).

ولكن سأجيبك الآن عن وظيفة القارئ في السياق الأدبي، انطلاقا من نظريات التلقي التي ظهرت في ألمانيا في ستينات القرن العشرين وسبعيناته مع أبرز روادها فولفغانغ إيزر Wolfgang Iser وهانس روبرت ياوس Hans Robert Jauss التي تنص على أن التفاعل بين النص وأفق القارئ هو ما ينتج المعنى. وبالتالي لم يعد القارئ مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح مبدعا، وبنية ضمنية في النص توجه فعل القراءة. كما أن تاريخ الأدب لم يعد تاريخ الإبداع فقط بل أيضا تاريخ التلقّي.

إذن ودون التعمق أكثر في النظريات، وظيفة القارئ، هي المساهمة في ابتكار معان جديدة، بعيدا عن فكرة النص المنغلق والمنجز أو قصدية الكاتب (Vouloir dire).

لا يوجد قارئ واحد، هناك قراء، لأن القراءة تجربة معقدة جدا

العرب: رأينا أن لكم نشاطات نوعية حول الكتب، مثل القراءة في أماكن مختلفة كالشواطئ والمحافظات.. الخ.

حلمي الشيخاوي: بالفعل، تحاول الجمعية الخروج بلقاءاتها إلى الأماكن المفتوحة، وتنظيم أنشطة تجمع بين التخييم والكتب، أو بين الذهاب إلى البحر والكتب… إذ تبقى الغاية ذاتها، في محاولة منا لكسر تلك الصورة النمطية التي تشاع عن القارئ (ذاك الذي لا يخرج من مكتبته، المنعزل، المتجهم…) وجعل فعل القراءة نوعا من الإقامة الوجودية وأسلوب حياة ( Lisen و Liben – القراءة والحياة في الألمانية يفرق بينهما حرف واحد).

العرب: ما هي مشاريعكم المستقبلية لتجديد الفعاليات حول القراءة؟

حلمي الشيخاوي: هناك مشاريع عديدة تنتظرنا، مثل مشروع Philia Podcast الذي سأقدم فيه برنامجا يحمل عنوان “الكتب في حياتي” وفيه سنستضيف مجموعة من القراء، كي يحدثوننا عن أهمية القراءة في حياتهم.

هناك مشروع Philia Store أيضا، وهو عبارة عن وسيط رقمي يسمح للقراء، تبادل أو بيع وشراء كتبهم المستعملة، بأثمان زهيدة.

ذكرت لك مشروعين، هما بصدد الإنجاز، وأريد أن أحتفظ ببقية المشاريع الأخرى إلى حين الشروع فيها.

العرب: يتطلب النشاط دعما ماديا وتنظيميا، كيف تتعاملون مع ذلك؟

حلمي الشيخاوي: إلى حدود تاريخ هذا الحوار، لم تتلق الجمعية أيّ دعم مالي، سواء من الداخل أو الخارج، معظم اللقاءات تدار بموارد بسيطة من تمويل ذاتي لأعضاء الجمعية، وقد نجحنا إلى حد ما في الحفاظ على جودة واستمرارية الأنشطة. لكن مع اتساع الأحلام والأهداف، تنوي الجمعية البحث عن داعمين لبعض المشاريع التي تحتاج إلى تمويلات.

هذا ونوجه التحية لنادي روزا للقراءة الذي شاركنا بعض اللقاءات الأخيرة، وفتح لنا آفاق التعاون لإنجاز بعض المشاريع المهمة، مثل مهرجان السينما والأدب، ومهرجان القراءة.

العرب:  كيف تنظرون إلى تجربتكم بعد سنوات من النشاط؟

حلمي الشيخاوي: الرحلة ممتعة ومليئة باللحظات الإنسانية وشغف المعرفة، لا توجد جمعية أو حتى مجموعة قراءة حافظت على استمراريتها مثلما قمنا نحن بذلك. وهذا لوحده إنجاز وتحد علينا أن نفتخر به، لأن وراءه الكثير من التضحيات الشخصية.

10