مسلسل "المقر".. دراما تناقش مقتل الموظف الأول في البيت الأبيض

ما الذي يجري في البيت الأبيض؟ أين يحكم الرئيس الأميركي بلاده ويتحكم في بقية العالم؟ وما الذي يمكن أن ينتج عن التحالف بينه وبين إيلون ماسك؟ وأي مخاوف تسكن العاملين في المجالات الفنية، من هذا التحالف؟ بعض الأسئلة وأكثر منها يناقشها مسلسل “المقر” الذي يحملنا نحو جريمة تحت سقف البيت الأبيض تكشف كواليس الحكم الأميركي.
تشغل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيزا من اهتمام صناع السينما والدراما منذ بدء دورته الثانية في يناير الماضي، وبدأ تحالف ترامب وعملاق التكنولوجيا إيلون ماسك يثير قلق هؤلاء الصناع من مآلاته، وسط مخاوف واسعة من تأثيره على بنية الديمقراطية الأميركية، والانزلاق في صراعات عالمية، مع دول حليفة أو قوى عالمية تسعى الولايات المتحدة للتعامل معها بحذر.
برزت تلك المخاوف جلية عبر عدد مهم من الأعمال، مثل مسلسلي “الجنة” و”يوم الصفر”، وفيلم مارفل الأخير “كابتن أميركا”، وحوت إشارات تحذّر من خطورة التحالف بين ترامب وماسك.
وفي أحدث إشارات التحذير أطلقت الدراما الأميركية مؤخرا مسلسل “المقر”، والمقصود به مقر الحكم الأميركي “The résidence“، ويتناول جريمة قتل الموظف الأول في البيت الأبيض أو كبير الموظفين أثناء حفل كبير أقامه بيري مورغان الرئيس الأميركي لرئيس الحكومة الأسترالية في البيت الأبيض بعد محادثات شاقة لمحاولة تسوية نزاعات اقتصادية بين البلدين.
أحدث المسلسل، الذي أطلقته منصة نتفليكس مؤخرا ويقع في 8 حلقات، دويا كبيرا في أوساط النقاد والمشاهدين على مستوى العالم، واحتل المركز الثاني في قائمة المسلسلات الأعلى مشاهدة، وحصد تقييمات عالية من قبل أكبر موقعين للتقييم الدرامي العالمي وهما IMDb الذي منحه 8 من 10 بينما منحه موقع Rotten Tomatoes تقييما بلغ 90 في المئة.
هيكل درامي متفرد
يعود النجاح الكبير للعمل إلى هيكله الدرامي شديد التفرد والتماسك، فهو النجم الأول والأهم في المسلسل، صمم هيكله وأعده الكاتب والسيناريست الأميركي بول ويليام ديفيز، وغاص في أعماق البيت الأبيض ليقدم عملا يشرح كل تفاصيل المقر الرئاسي الأميركي الذي يحكم من خلاله الرئيس الأميركي العالم بأسره.
ويقدم ديفيز بيتا هو في الواقع دولة بمفرده يحوي 132 غرفة وعشرات الإدارات في مختلف التخصصات ويعمل به مئات الموظفين، خلية نحل لا تهدأ ولا تنام يحكمها نظام دقيق شديد الصرامة والحدة يديره بأسره بإحكام رجل واحد لم يره أحد يبتسم منذ أكثر من عشرين عاما قضاها بين جدرانه، هو إيه بي ونتر الموظف الأول في البيت الأبيض.
يكشف ديفيز أيضا عن عالم الحدائق الخلابة الملحقة بالبيت الأبيض وإدارة البستنة التي تديرها سيدة خبيرة في نوعيات الزهور النادرة في هذه البساتين الرائعة. وتحلق أحداث المسلسل في أجواء تشبه كثيرا عوالم روايات الكاتبة البريطانية أجاثا كريستي، سيدة الرواية البوليسية في العالم، مع توسع كبير أحدثه كاتب السيناريو في الحقل الدرامي للمسلسل الذي جعل مشاهدي العمل على مدى 8 حلقات يشكون في 157 شخصا في البيت الأبيض تواجدوا عند اكتشاف جثة رئيس الموظفين.
بضربة بداية قوية يستهل المسلسل أحداثه التي تدور كلها ببن أرجاء البيت الأبيض الأميركي بالعثور على رئيس الموظفين إيه بي وينتر، وجسده الفنان جيان كارلو إسبوزيتو، ميتا مسجى على أرضية إحدى غرف الجناح الرئاسي بالبيت الأبيض، حيث يعثر على جثته بينما يقام حفل عشاء رسمي في البيت الأبيض يهدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وأستراليا، على شرف رئيس الوزراء الأسترالي الذي يؤدي دوره الممثل جوليان ماكماهون.
تكتشف حماة الرئيس الأميركي نان كوكس، وتلعب دورها الممثلة جين كورتين، الحادث بالصدفة أثناء تجولها بالطابق الرئاسي الثاني لتطلق صرخة يدخل على إثرها بعض الموظفين المتواجدين بالطابق الذي وقع فيه الحادث ليتم على الفور إبلاغ ياسمين هاني نائبة رئيس الموظفين، وجسدت دورها الممثلة سوزان كيليتشي واتسون، لتهرع إلى المكان على الفور، وتقوم ياسمين بإبلاغ مستشاري الرئيس الأميركي، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي أي” وعملاء جهاز الخدمة السرية.
يستقر رأي النخبة في الأجهزة الأمنية المتواجدة في موقع الحادث على ضرورة الاستعانة بكورديليا كوب، أهم وأمهر محققة في العالم، للكشف عن غموض الحادث الذي يبدو للوهلة الأولى انتحارا نظرا لوجود شق دام في معصم يد إيه بي وينتر.
مع وصول كورديليا كوب، وجسدت دورها الفنانة أوزو أدوبا، يشهد العمل تحولا جذريا، فالمحققة غريبة الأطوار، على غرار هركيول بوارو، المحقق الأشهر في كل روايات أجاثا كريستي، تعلق في صدرها طوال الوقت نظارة معظمة لمراقبة الطيور التي تعشقها وتهتم بأدق تفاصيلها وأندر فصائلها وأنواعها.
تعاين كورديليا كوب جثة وينتر المسجاة على أرضية الغرفة لتعلن على الفور اشتباهها القوي بأن وفاته ليست انتحارا بل هي ناتجة عن قتل عمد وتكتشف جرحا غائرا في رأسه يظهر لها عقب معاينتها فروة الرأس وتستنتج منه أنه قد تعرض للضرب بشيء قوي وحاد وأن شق المعصم قد أحدثه الجاني لتبدو الوفاة انتحارا.
تفاجئ كوب كل الحضور من قادة الأجهزة الأمنية، مثل المباحث الفيدرالية والخدمة السرية الخاصة بحماية الرئيس الأميركي، بإعلانها الحاد والقوي عن ضرورة تنفيذ أمرها بإغلاق البيت الأبيض على كل من فيه وإعلانه مسرحا للجريمة، لكن كيف؟
هناك حفل عشاء رئاسي مهم تم الإعداد له بدقة منذ أسابيع مضت تجري فعالياته في هذه الأثناء على شرف رئيس الوزراء الأسترالي لإزالة التوتر بين البلدين والذي تم استدعاء نجمة الغناء الشهيرة كيلي مينوج لإحياء الحفل وقامت بأداء دورها بنفسها في المسلسل.
تضع كوب هذا الشرط كخيار وحيد لاستمرارها في التحقيق أو تركه ويتم إبلاغ الرئيس الأميركي بيري مورغان، ويلعب دوره الفنان بول فيتزجيرالد، ليأمر على الفور بإغلاق البيت الأبيض وإعلانه مسرحا للجريمة، بغض النظر عن أي تداعيات، ويطلق يد المحققة كورب للتحقيق في مقتل وينتر .
استجوابات موسعة
تبدأ كوب في استجواب كل المتواجدين بالمقر الرئاسي لحظة القتل وتحلق دوائر الشبهات فوق رؤوس عشرات منهم نظرا لوجود خلافات حادة وصلت إلى حد المشاجرات بينهم وبين القتيل وينتر، وتتوسع الدوائر أكثر لتضم أشخاصا بارزين كشقيق الرئيس بوهيمي النزعة تريب مورغان المقيم بالطابق الثاني الرئاسي، ويلعب دوره الفنان جيسون لي، ووزير الخارجية ومستشار الرئيس اللذين رآهما وينتر أثناء عقدهما صفقة مشبوهة مع إحدى الدول الأجنبية يحصلان بموجبها على رشوة ضخمة، إضافة إلى كبير المطبخ المسؤول عن صناعة الحلوى وتشاجر بحدة مع وينتر قبل القتل بأيام.
وسط هذه التحقيقات المكثفة تصل نتائج الطب الشرعي لتفيد بأن وفاة وينتر قد حدثت قبل نصف ساعة من اكتشاف حماة الرئيس للجثة وأن الوفاة نتيجة لتسمم تلته ضربة الرأس التي تعرض لها وينتر.
◙ حبكة درامية شديدة التعقيد والغموض لدراما “المقر” تم نسجها ببراعة فائقة تسلمنا إلى خاتمة تعبر عن خوف عميق
تكتشف المحققة أن واقعة القتل تمت في غرفة أخرى وبعدها سحبت الجثة إلى الغرفة التي تم العثور عليها فيها، مع سير التحقيق تضيق المحققة كورديليا كوب دائرة الاشتباه إلى عدد محدود وتطلب مخططا للممرات الخفية بين غرف البيت الأبيض وتحصر دائرة الاتهام في شخصية واحدة بعد أن توافر لها دافع مهم لارتكاب هذه الشخصية للجريمة.
في ختام تخيم عليه أجواء روايات أجاثا كريستي، تجمع كوب مجموعة من المشتبه بهم لتعلن التفاصيل التي توصلت إليها لارتكاب جريمة القتل، فقبل الجريمة بأيام واجه وينتر رئيس الموظفين المقتول ليلى شوماخر الرئيسة المسؤولة عن المراسم الاجتماعية بالبيت الأبيض بمستندات يملكها تثبت تورطها في اختلاسات مالية، وعندما ترد بكونها ابنة أحد أهم عمالقة التكنولوجيا الفائقة ولا تحتاج المال، يصرح لها وينتر بأنه قد تم تعيينها في هذا المنصب المهم نظرا لتحالف والدها مع الرئيس الأميركي الجديد مورغان وتنوي تلفيق الاتهام له بوصفه رمزا للحرس القديم المحافظ على هيبة البيت الأبيض وتمثل فريقا من رجال المال وعمالقة التكنولوجيا الفائقة الذين يريدون تغيير كل ملامح البيت الأبيض والتخلص منه كخطوة أولى.
في هذه اللحظة تسحب شوماخر، وتلعب دورها الممثلة مولي جريجز، تمثالا صغيرا موضوعا على إفريز مجاور ليدها، وتضرب وينتر على رأسه ليخر فاقدا الوعي ثم تحقنه بمادة سامة للتأكد من مصرعه.
حبكة درامية شديدة التعقيد والغموض لدراما “المقر” تم نسجها ببراعة فائقة تسلمنا إلى خاتمة تعبر عن خوف عميق، ينتاب شريحة من مبدعي السينما والدراما الأميركية، من مآلات تحالف الرئيس ترامب وعملاق التكنولوجيا ماسك لتغيير وجه الولايات المتحدة بشكل كامل، وقتل ما يعرف بـ”الحلم الأميركي” عبر طمس كل الرموز المهمة التي تشكلت منذ إعلان قيام الولايات المتحدة، وعبر عنه بوضوح شديد كاتب السيناريو بول ويليام ديفيز بقتل وينتر رئيس الموظفين ورمز الحفاظ على الإرث الأميركي.