مسلسل "منتهي الصلاحية".. سردية تحذر من المقامرة الإلكترونية

لم تعد المقامرة سلوكا يحدث في الغرف المغلقة وإنما تطور الأمر ليصل حد المقامرة الإلكترونية التي تصل إلى كل شرائح المجتمع، وتعدهم بأرباح كبيرة، لكنها تتحول إلى كارثة كبيرة تعصف بهم وبعائلاتهم. وهذا ما يناقشه مسلسل "منتهي الصلاحية" مسلطا الضوء على المخاطر الفردية والجماعية التي يخلفها إدمان الرهان.
القاهرة- تؤصل سرديات المقامرة بقوة في العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية كأحد أخطر الآفات المجتمعية بمختلف جنسياتها وأعراقها، وتمد كتاب وصناع هذه الأعمال بفضاء درامي بوصفها تنطوي على قصص جاذبة للمشاهدين، وتوفر أجواء من الصراع التراجيدي العنيف بين أطراف شخصيات المقامرين التي تقوم عليها هذه الأعمال وقد تصل إلى حد القتل، وبين نفس هذه الشخصيات وعالمها الاجتماعي المحيط بها من أسر ومحيطين بهذه الشخصيات.
بلا عمل أو أسرة
عبر أجواء شديدة التعقيد طرح صناع المسلسل المصري “منتهي الصلاحية” الذي عرض في رمضان هذا العام قصة جديدة حول شبكة أخطبوطية تمتد أذرعها لتلتف حول بعض شخصيات المجتمع المصري بفئاته العمرية المختلفة، تتمثل في تطبيقات المقامرة الإلكترونية التي يمكن تنزيلها ببساطة متناهية على أجهزة الهاتف الجوال وتتيح لمستخدميها عشرات المراهنات المغرية التي تبرق في أعين المراهنين لتحقيق مكاسب كبيرة بضغطة واحدة على تطبيق المقامرة.

دخل صناع مسلسل “منتهي الصلاحية” الذي أخرجه تامر نادي وكتبه محمد هشام عبية إلى هذا العالم السرطاني عبر شخصية صالح الموظف في أحد المصارف ويجسده الفنان محمد فراج وهو يحيا حياة زوجية غير مستقرة مع زوجته رانيا وتلعب دورها الفنانة هبة مجدي، وتشهد حياتهما مشادات عنيفة تنتهي إحداها بتطليق صالح لزوجته، وفي اللحظة التي يهم فيها بمغادرة المنزل يفاجأ بالشرطة تلقي القبض عليه.
عقب هذه اللحظة مباشرة تنقلب حياة صالح رأسا على عقب حيث يتهم في إحدى القضايا المصرفية ليزج به في السجن لعدة أعوام يخرج بعدها بلا عمل أو أسرة، لتأخذنا السردية إلى الجانب المظلم من شخصية صالح الذي يرفض محاولات ذويه إلحاقه بوظيفة جديدة، وينصبّ تفكيره على تحقيق مكاسب بأقصر وأسهل الطرق.
تقوده قدماه إلى الشاب شرقاوي ويجسده الممثل حسن مالك وكان يعمل عاملا لتقديم المشروبات في نفس المصرف الذي عمل فيه صالح قبل سجنه، ليدل شرقاوي صالح على عالم المقامرة الإلكترونية بعد أن أغراه بمكاسبه السريعة.
متبوعا بشهوته في تحقيق الثراء الفاحش السريع، دخل صالح عالم المقامرة متدرجا لتأخذه أطماعه إلى الركض فيه ليصل إلى أعماق هذا العالم المخيف ليصطدم بمافيا أقطابه الخفيين الذين يلقنونه درسا قاسيا يقف خلاله على حافة الهاوية، وخسر ورفاقه الأخضر واليابس، وأصبحت حياتهم على مرمى نيران مافيا لا ترحم.
وعبر أحداث العمل الدرامي يتكشف للمشاهد عالم سري وهو المقامرة الإلكترونية يفرد أذرعه الطويلة حول بعض الأشخاص في المجتمع ويقعون في براثن إغراءاته بالثراء الفاحش، وهو فخ لا فرار منه، يبدأ بجذب الفقراء أصحاب العوز الشديد ويمر بالعاطلين ويتدرج ليصل إلى من يرغبون في الوصول بثرواتهم إلى أبعاد غير مسبوقة.
الكل يطمع إلى الربح شديد السرعة والثراء، لتبدأ اللعبة بأرباح كبيرة يحققها كل مقامر لتدخل قدماه إلى عمق الكارثة، وتقوده أطماعه إلى تحقيق المزيد ليراهن بكل أرباحه التي حصدها من التطبيق ليفاجأ بخسارتها كاملة، لتبدأ المأساة المجتمعية في الظهور ويواصل المقامرون اللعب أملا في تعويض خسائرهم، لكنهم هذه المرة يعرضون كل ما يملكونه للبيع للحصول على أموال تمكنهم من اللعب مجددا ليخسروها ليصل الأمر بهم، وقد أحكم أخطبوط المقامرة الإلكترونية أذرعه القاتلة عليهم ليعرضوا ممتلكاتهم ومنازلهم التي تؤويهم وربما أبناءهم في بعض الأحيان للبيع لتنتهي اللعبة الخطيرة بكوارث تصل إلى حد الانتحار أحيانا.
هناك فتحي شقيق زوجة صالح ويلعب دوره الفنان محمود الليثي وهو مدرس جيولوجيا له باع طويل في الدروس الخصوصية، يدخل اللعبة أملا في الربح السريع ليخسر كل شيء ويبيع كل ما يملك في الوقت الذي يصدر فيه قرار رسمي من وزارة التعليم بإلغاء مادة الجيولوجيا التي يدرسها لتطلب منه زوجته الانفصال ويجد نفسه في النهاية أمام خيار وحيد وهو الانتحار.

وتتضمن نماذج المقامرين التي طرحها العمل الزوج الذي قامر بكل ما يملك وخسر كل شيء وغرق في الديون ويرهن ولده إلى حين سداد ديونه وتنشب مشادة بينه وزوجته فيعتدي عليها بالضرب لتضطر لقتله دفاعا عن نفسها ويصبح الأبناء بلا عائل.
مراهنون أطفال
أخطر ما طرحه العمل هو تسليطه الضوء على توغل المقامرة الإلكترونية في شرائح متباينة منها بعض طلاب المدارس الذين يحتشد بعضهم على المقاهي للمراهنة على أندية كرة القدم في الدوريات الأوروبية والمحلية، ما ينبئ بكارثة تنتظر هؤلاء المقامرين، ودعوة الأسر إلى الاستيقاظ لمراقبة الأبناء وسلوكهم وما يفعلون في أماكن تواجدهم.
تغوص دراما “منتهي الصلاحية” بعمق كبير داخل بئر المقامرة الذي لا قرار له لتتصدى بشجاعة لهذه الكارثة التي يصمت عنها المجتمع، وقدم كاتب العمل ومخرجه أبعاد هذه الكارثة بلا تزيين ليفجراها أمام جمهور المشاهدين للتنبه الشديد لخطورتها على النسيج الاجتماعي، فهي كارثة كفيلة بنسف استقرار المجتمع وانزلاق الأسر إلى هاوية تتناثر فيها أشلاء الضحايا.
وباستثناء بعض المبالغات في الأداء الدرامي، قدم أبطال العمل، وأبرزهم محمد فراج وهبة مجدي وحسن مالك أداء دراميا متميزا، واستثمر صناع المسلسل كون العمل يقع في 15 حلقة لتكثيف الأحداث فابتعدوا عن الوقوع في فخ المط والتطويل وصارت الأحداث جاذبة كلما تعمقت سردية المسلسل في الأحداث.
وتستند سرديات المقامرة في السينما والدراما المصرية إلى تاريخ كبير من الأعمال المهمة، أبرزها فيلم ‘”قلوب الناس” وأنتج عام 1954 وفيلم “الريس عمر حرب” وأنتج وعرض عام 2008، في الفيلم الأول فاجأ الفنان أنور وجدي جمهوره العريض بتقديم دور مغاير كليا عن كل أدواره السابقة التي تربع عبر تجسيدها منفردا على عرش الفتى الأول “الجان بريمير” لعقود وقادته إلى تأسيس شركة إنتاج سينمائي باسمه.
في فيلم “قلوب الناس” الذي كتبه السيد بدير عن رواية الكاتب الفرنسي جول ماري “الأب المزيف” وأخرجه حسن الإمام لعب أنور وجدي دورا مركبا حول ثري يبدو للعيان رجل خير بينما يخفي وجها شرسا شديد القسوة وشخصية بلا قلب أو عاطفة، فهو يدير في الخفاء كازينو للقمار يشهد مآسي إنسانية مروعة لمقامرين باعوا أراضيهم وما يملكونه للعب القمار وانتحر بعضهم بعد أن اسودت الدنيا في وجوههم.
بينما قدم العمل السينمائي “الريس عمر حرب” ولعب بطولته الفنان خالد صالح وأخرجه خالد يوسف، عالم كازينوهات المقامرة في الفنادق الكبرى بأهواله ومآسيه.
ويقف الفيلم “كازينو “الذي أطلقته هوليوود عام 1995 وشارك فيه الفنان روبرت دي نيرو والمخرج مارتن سكورسيزي، كأهم فيلم في تاريخ السينما العالمية، وتناول سردية المقامرة، وقصة تحول مدينة لاس فيغاس إلى عاصمة للقمار في العالم في سبعينات القرن الماضي، وما تخفيه من دموية شديدة نتيجة صراع أعضاء مافيا القمار التي تصل إلى دفن بعضهم أحياء بعد تعذيبهم وتشويههم في صحراء فيغاس الشاسعة، وقدم النجم الأميركي الموهوب جو باتشي دورا مهما في العمل، حيث جسد هو ودي نيرو شخصيتي قطبين لمافيا القمار المتوحشة.