عُمان تعيد تعريف دور محافظة الظاهرة: من نقطة عبور إلى محور اقتصادي إقليمي
إعادة تعريف دور محافظة الظاهرة في سلطنة عُمان من نقطة عبور إلى محور اقتصادي في الخليج تعد خطوة إستراتيجية هامة تعكس التحولات في رؤية عمان 2040، وتوجهاتها نحو تحقيق التنمية المستدامة وتوسيع دورها في الاقتصاد الإقليمي والدولي، حيث تواصل السلطات على تطوير بنية تحتية متقدمة لزيادة تأثيرها في التنمية وتعزيز مكانتها في منطقة الشرق الأوسط.
الظاهرة (سلطنة عمان) - في خطوة إستراتيجية تعكس تطورا اقتصاديا هاما، تسعى سلطنة عمان إلى تحويل محافظة الظاهرة من مجرد نقطة عبور تربط البلد بالإمارات والسعودية، إلى محور اقتصادي إقليمي، فمع تحسن البنية التحتية وتطوير القطاعات الحيوية، تأمل عمان في أن تصبح هذه المنطقة مركزا جاذبا للاستثمارات والمشاريع الاقتصادية.
وتأتي هذه التحولات ضمن رؤية عمان 2040 التي تهدف إلى تعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق الاستدامة عبر استغلال الموقع الجغرافي للظاهرة.
وتتمتع الظاهرة بموقع جغرافي استثنائي وبإمكانات زراعية، صناعية، ولوجستية تؤهلها إلى أن تكون قاعدة إنتاجية وتجارية تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي للسلطنة، وتعزز صادراتها وتدعم خططها الطموحة في التنويع الاقتصادي.
وتبدو محافظة الظاهرة بطابعها البسيط وهدوئها كأنها لا تزال تحتفظ بروحها الأصيلة، وهو الانطباع الذي سرعان ما تكسره مؤشرات التطور التي تلوح في الأفق، حيث تظهر بين الطرق الواسعة والمباني المتفرقة ملامح مشاريع جديدة يطلق عليها “الإطلالة” وهي تعكس طموحا لتحويل المنطقة إلى مركز حضري.
ويرى والي ولاية عبري التابعة لمحافظة الظاهرة سعيد بن حميد الحارثي في حديث مع “العرب” أن المميزات التنافسية للمحافظة تعدّ في حد ذاتها فرصة لجذب العديد من المشاريع التي يمكن أن تطرح للاستثمار وهو ما سيحولها إلى وجهة استثمارية محليا ودوليا.
وأضاف أنه بفضل هذه المميزات فازت المحافظة مؤخرا بمشروع إنشاء ثلاث “إطلالات” في الولايات الثلاث للمحافظة: عبري وضنك وينقل، و”تم فعلا بدء أشغال إنشائها ومن المتوقع أن تكون جاهزة خلال سنة ونصف السنة من الآن.”
واعتبر الحارثي أن إطلالة عبري تعد من المشاريع الإستراتيجية التي سيكون فيها منتجعان وفندق خمس نجوم ومساكن (شقق وفلل) وسيتم الاستثمار في هذه الإطلالة بمبلغ يصل إلى 180 مليون ريال (466.7 مليون دولار).
وتحدث والي عبري عن تنفيذ مشاريع تنموية أخرى حيث تم توقيع اتفاقيتين مع القطاع الخاص لإنشاء حديقة عامة بالولاية وأخرى لإنشاء مركز الابتكار بعبري.
وقال الحارثي إن “حديقة عبري العامة تبلغ تكلفتها حوالي 4 ملايين ريال (10.37 مليون دولار) وسيكون تمويل بنائها مناصفة ما بين القطاع الخاص ومكتب محافظ الظاهرة وتبلغ مساحتها حوالي 500 ألف متر مربع حيث تضم مساحات خضراء ومسرحا مفتوحا، ومطاعم، ومقاه، وألعابا للأطفال ونوافير مائية، وأماكن وممرات لممارسة رياضة المشي.”
وتابع “وقّعنا قبل فترة قصيرة مذكرة تفاهم مع القطاع الخاص لإنشاء مركز الابتكار بولاية عبري وستكون وزارة التربية والتعليم شريكة لمكتب محافظ الظاهرة في تنفيذ المشروع.”
ولفت إلى أن المشروع سيكون واجهة وأيقونة رائعة للولاية حيث تقدر تكلفته بحوالي 1.5 مليون ريال (3.9 مليون دولار) وينفذ على مساحة تقدر بحوالي 50 ألف متر مربع.
وبالإضافة إلى المشاريع الخدمية والتنموية التي تعيد رسم ملامح ولاية عبري، يبرز قطاع الطاقة المتجددة كركيزة أساسية في تحول الولاية التي تحتضن أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في المنطقة وهي محطة عبري 2 والتي ستتعزز بإطلاق المرحلة الثانية، وهي محطة عبري 3.
وتعد محطة عبري 2 للطاقة الشمسية أكبر مشروع للطاقة الشمسية في سلطنة عمان تم تشغيله فعليا في 2022 بقدرة إنتاجية تبلع 500 ميغاواط تزود حوالي خمسين ألف منزل بالكهرباء النظيفة، وهو ما يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 340 ألف طن سنويا.
وقال والي عبري إنه “تم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع وبدأ العمل على إنشاء المرحلة الثانية محطة عبري3،” لافتا إلى أن مشروع الطاقة الشمسية يعد من المشاريع الإستراتيجية لسلطنة عمان والذي تهدف من خلاله للوصول إلى الحياد الصفري الذي تسعى السلطنة لبلوغه في 2050.
وتبلغ قدرة مشروع عبري3 للطاقة الشمسية 500 ميغاواط. كما تقدر تكلفته بحوالي 155 مليون ريال (401.8 مليون دولار). وبدأ تنفيذه بجوار محطة عبري 2 على مساحة تبلغ 10 ملايين متر مربع ومن المتوقع أن يدخل المشروع مرحلة التشغيل التجاري بحلول الربع الرابع من 2026.
وتراهن عُمان على محافظة الظاهرة بشكل عام وولاية عبري في تعزيز الأمن الغذائي، نظرا إلى ما تتمتع به من إمكانيات زراعية حيث تتميز المنطقة بتنوع مواردها الطبيعية التي تتيح إنتاج محاصيل متنوعة مثل القمح والخضروات والتمور.
وقال الحارثي “من المخطط أن يكون لمحافظة الظاهرة دور كبير في تحقيق الأمن الغذائي لسلطنة عمان ويتجلى ذلك من خلال الإستراتيجية العمرانية التي اعتمدت مؤخرا إضافة إلى مخطط عبري الهيكلي الذي سيساعد في تحقيق هذا الهدف.”
وأضاف “من المعروف أن محافظة الظاهرة وخصوصا ولاية عبري التي تكثر فيها زراعة النخيل المشهورة بتنوع أصنافها وجودتها مثل ‘نخلة الخلاص‘ التي تعد من أجود أنواع التمور.”
وتعد محافظة الظاهرة من أبرز المحافظات المستهدفة بمشروع المليون نخلة، حيث تحتضن ثلاث مزارع تتسع لنحو 211 ألف نخلة.
ومن بين هذه المزارع المزرعة العضوية وهي من أبرز المشاريع الرائدة في سلطنة عمان التي تسهم في تحقيق مردود غذائي واقتصادي، وتحقيق نقلة نوعية في قطاع النخيل من خلال تطبيق أحدث التقنيات والمستجدات العلمية في القطاع الزراعي بما يُسهم في زيادة إنتاجية التمور العُمانية وقدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية.
وقال والي عبري “محافظة الظاهرة لديها اكتفاء ذاتي من التمور وتصدر بعضها محليا وآخر إلى الدول المجاورة.”
وأوضح أن المحافظة تشتهر أيضا بوجود مزارع التين والعنب وكذلك البصل ويهدف المستثمرون في القطاع إلى تجاوز الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض وهو هدف ليس بعيدا بفضل المخزون المائي الكبير من حوض المسرات، وهو ما يبشر بأن تكون عبري سلة غذاء لسلطنة عمان تكاملا مع بقية المحافظات الأخرى.
استثمارات تنموية في المحافظة
466.7 مليون دولار لمشروع الإطلالات الثلاث
401.8 مليون دولار لمشروع محطة عبري 3 للطاقة الشمسية
311.1 مليون دولار لمشروع منطقة اقتصادية متكاملة على الحدود مع السعودية
36.3 مليون دولار حجم استثمارات المنطقة الصناعية في عبري
10.37 مليون دولار لمشروع حديقة عبري
3.9 مليون دولار لإنشاء مركز الابتكار بولاية عبري
ومع تطور البنية التحية وتكامل القطاعات تم إنشاء المدينة الصناعية عبري التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية (مدائن).
وتتميز المدينة بموقعها الإستراتيجي على بعد 150 كيلومترا من منفذ الربع الخالي مع السعودية و180 كيلومترا من منفذ حفيت مع الإمارات ما يجعلها منطقة وصل حيوية بين عمان وجيرانها.
وتسعى المدينة التي انطلقت أشغال بنائها سنة 2020 لاستقطاب الاستثمارات في مجالات الصناعات الغذائية والتحويلية والبترولية.
وقد تم تطوير المرحلة الأولى من المشروع على مساحة 3 ملايين متر متربع من أصل عشرة ملايين متر مربع تم رصدها للمشروع بأكمله.
وبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المدينة أكثر من 14 مليون ريال (36.3 مليون دولار) حتى عام 2025، مع وجود 14 مشروعا كلها مشاريع عمانية من بينها مشروع واحد منتج.
وتوفر المدينة بيئة مثالية للمستثمرين من خلال تقديم حوافز وتسهيلات خاصة، ما يعزز دورها كمركز صناعي ولوجستي مهم في المنطقة.
ويعد منفذ الربع الخالي الحدودي من المشاريع الإستراتيجية بين عمان والسعودية التي تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي وتسهيل حركة التنقل والتبادل التجاري بين البلدين.
وتحدث والي عبري عن منطقة اقتصادية متكاملة سوف تقام على عمق عشرين كيلومترا قرب المنفذ الحدودي الذي يبعد 150 كيلومترا عن مركز ولاية عبري، مشيرا إلى أنه تم رصد 120 مليون ريال (311.1 مليون دولار) لإنجاز هذا المشروع وتم طرح مناقصته قبل نحو أسبوعين.
ولفت الحارثي في حديثه لـ"العرب" إلى أن التبادل التجاري بين عمان والسعودية سجل ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ افتتاح معبر الربع الخالي بين البلدين في نهاية 2021، سواء ما تعلق بالاستيراد أو التصدير أو إعادة التصدير، مؤكدا تجاوز بعضه نسبة 360 في المئة في 2024 مقارنة بعام 2022.
