الأوسكار بندول يتأرجح بين التميز السينمائي وتجذر العنصرية

الجائزة السينمائية الأهم عالميا لا تستطيع التحرر من سيطرة السياسة.
السبت 2025/03/01
متى تتخلص الجائزة الشهيرة من التحيز

جائزة الأوسكار هي أشهر جائزة سينمائية يحلم بها كل صناع الفن السابع، لكنها رغم أهميتها وقيمتها الفنية والمادية تشكو منذ تأسيسها من سطوة السياسة والسياسيين وتحكم عنصرية مانحيها في اختياراتها وطريقة تعاطي منظميها مع الأفلام والنجوم الفائزين بها. وهي مشكلات تتجدد كل عام مع انعقاد حفلها السنوي.

قد تضعك جائزة الأوسكار، المنتظر الإعلان عن جوائز نسختها الجديدة الأحد المقبل، تحت وطأة إشكالية شديدة التعقيد، تتمثل في أنها عيد لعشاق السينما العالمية الذين يتشوقون للإعلان عن جوائزها بشغف شديد لتروي ظمأهم السينمائي، وبين كون ثوبها لا يزال ملطخا بالكثير من التحيز وربما العنصرية وتجاهل أعمال مهمة بسبب ما يقال عن تعارضها مع معايير هوليوود، وصناع أفلامها التي تتوافق مع السرد الرافض لكل ما هو عربي أو مسلم أو معاد للسامية.

ووسط ذلك، تبرز مواقف قليلة للتصدي بفروسية للعنصرية، ففي السابع عشر من مارس 1973 فجر مارلون براندو، وهو أحد أساطير هوليوود الخالدة، قذيفة من العيار الثقيل حينما فاجأ العالم برفضه استلام جائزة الأوسكار، كأفضل ممثل عن دوره الأسطوري الذي جسد فيه شخصية دون كورليوني، الأب الروحي للمافيا، في الجزء الأول من فيلم “العرّاب” أو “The Godfather” وهو أحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما العالمية وأخرجه مبدع هوليوود فرانسيس فورد كوبولا.

الجائزة تأتي أحيانا "مسيّسة" ومتحيزة وتتجاهل نجوما وأعمالا سينمائية فقط لكون صناعها ليسوا على هوى مانحي الأوسكار
◙ الجائزة تأتي أحيانا "مسيّسة" ومتحيزة وتتجاهل نجوما وأعمالا سينمائية فقط لكون صناعها ليسوا على هوى مانحي الأوسكار

وأعلن براندو مقطاعته للحفل وأرسل بدلا منه الممثلة الأميركية الشابة ذات الأصل الهندي ساشين ليتل فيدز، وكانت رئيسة لجنة الدفاع عن الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) وصعدت على المسرح بدلا منه، إذ كان يُفترض بها قراءة خطاب من 15 صفحة كتبه براندو.

مُنتج الحفل هددها بالطرد إن فعلت ذلك، فاكتفت بالإشارة إلى عدم قبول براندو جائزة الأوسكار بسبب الصورة التي تُصدّر عن الهنود الحمر من قبل صناع الأفلام، وتزامن هذا الرفض مع ما تعرض له ناشطون من الهنود الحمر رافضين تعامل الإدارة الأميركية والمجتمع مع حقوق الهنود الحمر أثناء تجمعهم في قرية صغيرة جنوب ولاية داكوتا الشمالية، حيث حاصرتهم قوات الشرطة الأميركية ومنعت هذا التجمع بالقوة.

وفضلا عن براندو شهدت حفلات إعلان وتوزيع جوائز الأوسكار رفض النجم الأميركي جورج سي سكوت تسلم جائزته عام 1971 كأفضل ممثل عن فيلمه “Patton” الذي جسد فيه شخصية الجنرال التاريخي باتون، أحد أهم قادة الحلفاء الذين أسهموا في انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، حيث وصف سكوت حفل الأوسكار بأنه فاسد وعنصري.

والتعاطي مع جائزة الأوسكار التى تبلغ من العمر سبعة وتسعين عاما يحمل في طياته مشقة حقيقية، فالجائزة هي بوابة للتخليد السينمائي للأفلام والمخرجين وصناع السينما، فمن بابها الذهبي خرجت لنا أسماء صارت أساطير يتغنى بها عشاق الفن السابع عبر العصور مثل آل باتشينو وجاك نيكلسون وروبرت دي نيرو وأنتوني هوبكنز ومارلون براندو والساحر أنتوني كوين وغيرهم من كبار نجوم السينما ومن النجمات اليونانية إيرين باباس والإيطالية صوفيا لورين والنجمة الأميركية ميريل ستريب.

وتعرف الجمهور من خلال الجائزة على نجوم الإخراج السينمائي وأرقام السينما العالمية الصعبة، حيث قدمت للمشاهدين وعرفتهم بعبقري السينما الخالد وأهم مخرجيها عبر تاريخها العريق على الإطلاق الإيطالي فيدريكو فيلليني الذي فتح الباب أمام السينما الرمزية، ودشن أول لبناتها في أربعينات القرن الماضي، وصار بعدها أيقونة لتيار جارف سبح في مياهه العشرات من المخرجين في مختلف أنحاء العالم.

ومن هؤلاء المخرج المصري يوسف شاهين، وأسماء مهمة حازت الجائزة الأهم في السينما مثل الياباني كيروساوا والأميركيين إليا كازان وكوبولا ودي بالما وستيفن سبيلبرغ، وعرّاب الواقعية السينمائية الجديدة الفرنسي جان لوك جودار.

ويقف التحيز ورفض كل ما هو مخالف لمعتقدات صناع السينما في هوليوود والمسيطرين على الجائزة الأهم سينمائيا غصة في حلوقنا، خاصة إذا امتزج ذلك بعنصرية هؤلاء الصناع، ما يعيدنا إلى معضلة إخراج كل ما هو معاد للسامية أو مخالف للسرد اليهودي من المشهد الهوليوودي، مهما كانت درجة إبداعه وتميزه.

وبمجرد تصدي أحد أهم فنانات السينما العالمية النجمة البريطانية فانيسا ريدغريف، الحائزة على الأوسكار عام 1977 عن فيلمها “جوليا”، للغطرسة الإسرائيلية ووقوفها بشجاعة وجرأة مع حق الشعب الفلسطيني المشروع في العيش على أرضه وهو ماجسدته في تحفتها “‘هانا ك” للمخرج المبدع كوستا غافراس عام 1983 وجسدت فيه دور محامية تكشف بالوثائق اغتصاب إسرائيل للكثير من الأراضي الفلسطينية، هذا التصدي كلفها برفقة مخرج الفيلم جافراس تجاهل الجائزة لهما، ووضع هوليوود لكليهما في القائمة السوداء، ورفض التعامل معهما في أي عمل.

op

يجرنا ذلك إلى واقعة شديدة الإيلام اتسمت بالعنصرية الصريحة والقبيحة، ففي عام 1940 تلقت الفنانة هاتي ماكدانيال أول جائزة أوسكار كأفضل ممثل مساعد يفوز بها فنان أميركي من أصل أفريقي عن دورها في فيلم “ذهب مع الريح”.

منعت هاتي من الجلوس في قاعة الاحتفال مع بقية المحتفلين بل تم إجلاسها مع مرافقها، وهو مدير أعمالها، على طاولة منفصلة لشخصين على الجانب الآخر من قاعة الاحتفالات، وأرجعت إدارة الأوسكار آنذاك سبب ذلك إلى أن هذه القاعة تقع في فندق لديه سياسة صارمة بعدم دخول السود.

تضاف إلى قائمة الاضطهاد العرقي الطويلة ما شهدته الدورة الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب (2016 – 2020)، حيث شهد أول أعوامه الرئاسية وعلى خلفية قراره حظر مواطني عدة دول من دخول الولايات المتحدة على أساس عنصري، منع دخول المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2016 وهو فيلمه “البائع” The Salesman ومرافقيه من أبطال الفيلم إلى الولايات المتحدة، ولم يتمكن من تسلم الجائزة شخصيا.

◙ الأوسكار انهمرت على الكثير من الأعمال التي دعمت السردية اليهودية التي يدعمها لوبي يتحكم في مفاصل هوليوود

وفي المقابل انهمرت جوائز الأوسكار على الكثير من الأعمال السينمائية التي دعمت السردية اليهودية التي يقف خلفها لوبي يتحكم في مفاصل هوليوود، وأبرزها الفيلمان التاريخيان “بن هور” و”الوصايا العشر” لمخرج ومنتج هوليوود الشهير سيسيل دي ميل، وتم إنتاج الفيلمين في

خمسينات القرن الماضي، مرورا بقائمة شندلر لفتى هوليوود الذهبي ستيفن سبيلبيرغ عام 1996، ويدور حول المحرقة النازية لليهود، والفيلم الذي لا نستطيع إنكار روعة إبداعه وهو “عازف البيانو” للمخرج رومان بولانسكي عام 2002، وما تضمنته قائمة ترشيحات الدورة الحالية وهو فيلم “الوحشي” للمخرج برادي كوربيت وحصل على 10 ترشيحات لحصد جوائز الأوسكار المنتظر إعلانها وتتمحور أحداثه حول يهودي مجري ناج من محرقة الهولوكوست.

والجائزة الأهم في السينما العالمية تأرجحت عبر تاريخها العريق مثل البندول بين أهمية جوائز الأوسكار لتشجيع الإبداع السينمائي والنهوض المستمر والمتنامي بصناعة السينما، وبين كونها تأتي أحيانا “مسيّسة” ومتحيزة وتتجاهل نجوما وأعمالا سينمائية تستحق الجائزة فقط لكون صناعها ليسوا على هوى مانحي جوائز الأوسكار.

وسيظل عشاق هذا الفن الساحر يتطلعون إلى يوم تنزاح فيه صخرة العنصرية والتحيز الثقيلة من فوق الصدور ليتسنى الاحتفال بالأوسكار كعيد حقيقي لأروع ما قدمه ويقدمه الفن السابع؛ عيد لا تشوبه شائبة.

13