ماكرون الذي صادف أن يكون جالسا بجانب ترامب

العالم أمام شخصية تستطيع أن تقلب الطاولة على أصحابها بمئات المليارات من الدولارات دون أن يرف لها جفن. هذا هو عالم دونالد ترامب.
الخميس 2025/02/27
العواقب تأتي لاحقا

لا بد من الاعتراف من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخص مربك. لدى هذا الرجل قدرة كامنة كبيرة أن يرمي بكمّ كبير من الأفكار ونقيضها. كيفما أردت استباق قدرته على تقديم فكرة جديدة، فإنه سيغلبك. شخص بلا سقف أعلى لمستويات الإرباك، ما عليك إلا محاولة مجاراته. هل تتمكن من ذلك؟ من الصعب الحكم. إنه شخص لا يتعثر حتى بالمفردة.

كيف لا يتعثر بالمفردة؟ خذ مثلا اللحظات التي كان يجلس وإلى جانبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المكتب البيضوي في واشنطن. عندما كان يصف ما يريد أن يقوله، وتذكر أنه لا يتذكر اسم الرئيس أو الشخص الذي يجلس بجانبه، فإنه لم يتريث للحظة لاستدعاء الاسم، بل اكتفى بالقول “هذا الرجل الذي يجلس إلى يميني.” هكذا، وبلحظة واحدة، مسح الرئيس الأميركي كل رقي البروتوكولات الدبلوماسية الفرنسية، واستعاض عنها بـ"رجل" و"يمين" و"يجلس". اختزال يتجاوز المنطق، لدرجة أن من يعيد الاستماع إلى الأمر ثانية، يخرج بالانطباع بأن الصداقة بين الرجلين وصلت إلى مديات تشابه ما يقوله عربي لأخيه العربي: كيفو أبو فلان وكيف أمور أم العيال؟

هذه بيئة صنعها ترامب خصيصا لنفسه وعوّد الناس عليها، قبل الانتخابات السابقة وأثناء الانتخابات والرئاسة والكثير من الكلام الذي صاحب رئاسته. وها هو ترامب يعود إليها ثانية، وعلى وجهه الحد الأدنى من الشفقة للشخص المتلقي. وعلى المتضرر أن "يلجأ للقضاء" كما يقال للسخرية في مثل هذه الحالات.

سيقال إن هذا فيه الكثير من الافتعال. سأجادل وأقول لا. هل تذكرون "زعل" منصة تويتر من ترامب؟ ربما لا تذكرون. لكن هذا ما حدث فعلا. فلأن المنصة، على سفاهة (وأهمية) وإسفاف (وترفع) ما يتم تداوله فيها سابقا واليوم وفي المستقبل، لم يكن بوسعها تحمل المزيد من الإسفاف المبالغ فيه الخارج من بين شفتي ترامب، فقاطعته طالما كان لها القدرة، لكنها عادت وشطبته، فرد – وهو الملياردير – بإنشاء موقع "تروث سوشيال"، المنافس لتويتر، أي المنافس لمنصة إكس لاحقا. لم يصبر ترامب على صديقه (ووزيره ومستشاره الآن) إيلون ماسك كي يرتّب أمور عقد الصفقة ووضع اليد عليها. هذا هو عالم الحرص على الوصول إلى المعني وبالسرعة الكافية التي لا تدع مجالا لغيره.

هذه جغرافيا صوتية من نوع آخر غير مألوفة بالنسبة إلينا، لكنها مفهومة لأصحابها لأنها ترتبط بهذا العالم الغرائبي الذي تشكل على جناح بعوضة ولدت نفسها في لحظة غفلة بالجملة ومعنى الكلام ودلالاته. في تلك اللحظات، هل يسأل العالم أيّ من كل هذا هو البعوضة التي تطنطن؟ من الصعب الحكم. لكن العالم أمام شخصية تستطيع أن تقلب الطاولة على أصحابها بمئات المليارات من الدولارات دون أن يرف لها جفن. هذا هو عالم دونالد ترامب. العواقب تأتي لاحقا.

إلى حين وصول العواقب، نطلب من ماكرون أن يصبر ويتريث وأن يقول: هذا نصيبي اليوم من لسان ترامب؛ اللّهم اجعل كلامه خفيفا على الجميع وعليّ تحديدا. ما به الإرباك؟ أليس جزءا مما يتعود عليه السياسي؟

18