دي نيرو أسطورة هوليوود يواصل تألقه في مسلسل "يوم الصفر"

مسلسل أميركي يناقش هجوما سيبرانيا يدمر أنظمة التشغيل والاتصالات.
الأربعاء 2025/02/26
دي نيرو يستند إلى تاريخ أسطوري كأحد الأيقونات

العديد من النجوم والممثلين الكبار يتحول ظهورهم إلى وسيلة سحرية لحجب أي نقائص في العمل السينمائي أو الدرامي، ومن هؤلاء الممثل الأميركي روبرت دي نيرو، الذي اجتمع محبو السينما والمسلسلات على عشقه وحب كل أدواره، ولم يأت هذا من فراغ بل من عمل متقن وموهبة كبيرة رسخها الممثل عبر أكثر من ستة عقود.

القاهرة - يأبى نجم وأيقونة هوليوود وأسطورتها الحية روبرت دي نيرو الأفول، فبينما يستعد في أغسطس المقبل دخول عامه الثاني والثمانين، فاجأ الملايين من عشاقه في كافة أرجاء العالم بعمله الدرامي الجديد "Zero Day" أو "يوم الصفر"، وأطلقته منصة نتفليكس في ست حلقات في العشرين من فبراير الماضي، وأخرجته البريطانية ليزلي لينكا جلاتر.

يشير عنوان العمل الدرامي إلى مصطلح يوم الصفر الذي يستخدم في دوائر الأمن السيبراني لوصف أي هجوم إلكتروني ضخم وكاسح يدمر خدمات مختلفة عبر العديد من أنظمة التشغيل التي تقوم عليها أي دولة، لتصاب معه كل أوجه الحياة بالشلل التام، ومن ثم فنحن أمام أمة تتعرض إلى تهديد وجودي بإبادتها عبر اختراقات سيبرانية لكل أنظمة التشغيل الإلكترونية، من دفاع إلى كهرباء إلى نقل بري وجوي وبحري إلى مصارف، ويمتد إلى كافة مناحي الحياة في الولايات المتحدة.

استدعاء البطل الشعبي

ع

هي لحظة لا تستطيع الرئيسة الأميركية ميتشيل بقدراتها المحدودة التصدي لها. وعلى غرار ميثولوجيا حرب طروادة بين أثينا وطروادة، واستدعاء البطل الملحمي أخيل لكسر طروادة التي تأبى التسليم والهزيمة، تستدعي الحاجة الوطنية الأميركية بطلًا وزعيمًا يتمتع بشعبية جارفة بين كل الطوائف والإثنيات التي تنصهر فيها بوتقة المجتمع، وهو الرئيس الأميركي السابق جورج مولن الذي آثر ألا يترشح للرئاسة لدورة ثانية رغم شعبيته الجارفة ليحتفظ برصيده السياسي وسجله الناصع غير المسبوق لدى الشعب الأميركي.

يفتتح المسلسل أحداثه على الرئيس السابق جورج مولن، الذي يجسده روبرت دي نيرو ويحيا في تقاعد هادئ، ويستعد للانتهاء من كتابة مذكراته، إلا أن التقاعد الهادئ يقطعه هجوم إلكتروني كارثي خبيث يؤدي إلى انقطاع الاتصالات عبر الولايات المتحدة لمدة دقيقة واحدة، وهي الدقيقة التي يموت فيها 3402 من المدنيين، نتيجة لكوارث حوادث الطرق والسكك الحديدية والطيران القائمة على أنظمة الاتصال، حيث يطلق على هذا الحدث “يوم الصفر”.

وبينما تتخبط البلاد بقيادة الرئيسة ميتشيل التي تلعب دورها الممثلة الأميركية أنجيلا باسيت، تطلب الرئيسة من مولن قيادة لجنة للتحقيق في الهجوم والتهديد الذي وصل إلى كل هاتف محمول في البلاد عبر رسالة نصية تقول “سيحدث هذا مرة أخرى،” يقبل مولن التكليف ويشرع في كشف مؤامرة تصل إلى قلب المؤسستين السياسية والمالية.

وعبر قيادته لهذه اللجنة “يوم الصفر” ذات الصلاحيات المطلقة، يقفز المسلسل مباشرة إلى معضلة غاية في العمق والصعوبة، معضلة تتعرض فيها الديمقراطية الأميركية إلى اختبار عنيف يقودها إلى مخاوف الانزلاق نحو دكتاتورية فاشية تتمثل في صلاحيات اللجنة المطلقة، وتتوسع في عمليات الاعتقال البعيدة عن مظلة القانون وتهديد المعتقلين بشتى وأقسى السبل لانتزاع الاعترافات منهم، ليصل في نهاية المطاف إلى حقيقة غاية في القسوة تؤكد مسؤولية رئيس مجلس النواب عن الهجوم السيبراني الكارثي وضلوع شخصيات سياسية وأباطرة مال في الهجوم عبر سرقة برنامج سري للمخابرات المركزية، وتم إنهاؤه منذ فترة لثبات خطورته الشديدة، وعمل السارقون على تطويره وتوجيهه لضرب المفاصل السيبرانية في أميركا.

المسلسل يتناول قصة هجوم إلكتروني ضخم وكاسح يدمر مختلف المرافق في أميركا ما يضطر إلى استدعاء الرئيس السابق

المسلسل الذي قيّمه موقع تقييم الأعمال السينمائية والتلفزيونية العالمية IMDb بنحو 7 من 10، بينما موقع Rotten Tomatoes بـ 54 في المئة، وقع في فخ الملل في الكثير من أحداثه التي تخلو من وجود روبرت دي نيرو، وارتكزت قدرة المسلسل على جاذبية المشاهدين لمتابعته على انتظارهم بشغف للمشاهد التي يظهر فيها النجم الكبير، ويشعر المشاهد بقوة بأن مخرجي المسلسل وكتّابه إريك نيومان ونوه أوبنهايم ومايكل شميت ألقوا بالعبء الدرامي للمسلسل على كاريزما دي نيرو وعبقرية أدائه.

وجسد دي نيرو شخصية الرئيس السابق مولن المركبة ببراعة مذهلة بكافة تقلباتها، بين أعراض المرض النفسي الذي أصاب مولن عقب وفاة ابنه، وحدّة شخصيته وصرامته في مواجهة المؤامرة السيبرانية ومساحات الأداء الدرامي الواسعة التي يمارس خلالها مولن طقوسه اليومية، بينما جاء أداء الممثلين الآخرين الذين لعبوا الأدوار المساعدة باهتا مثل ليزلي كابلان التي لعبت دورها ابنته المتمردة عليه وجيسي بليمونز الذي جسد شخصية مساعده الشخصي الذي اكتشف مولن فساده وخيانته له، إضافة إلى الأداء الضعيف للممثلة أنجيلا باسيت التي أدت دور الرئيسة الأميركية ميتشيل.

دي نيرو وترامب

كاريزما وحضور يحجبان كل العيوب
كاريزما وحضور يحجبان كل العيوب

يعد روبرت دي نيرو الذي لعب باقتدار كبير دور الرئيس الأميركي السابق مولن من أبرز معارضى الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، حيث وصفه في مايو الماضي بأنه “مهرج قد يتحول إلى طاغية،” وذلك في ظهور مفاجئ له أمام محكمة نيويورك التي كانت تشهد محاكمة ترامب على قضايا فساد.

وقال النجم السينمائي الذي كان يدعم الرئيس السابق جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الماضية قبل إعلان انسحابه منها لصالح نائبته كاميلا هاريس “أعيش في هذا الحي وأحب هذه المدينة ولا أريد تدميرها.. دونالد ترامب لا يريد تدمير هذه المدينة فحسب، بل البلد برمّته، وفي نهاية المطاف قد يدمّر العالم”.

ورد عليه ترامب بعدها بساعات قليلة بأنه (أي دي نيرو) “بدا مثيرا للشفقة وكئيباً للغاية.. لم أكن أعلم أبدا مدى صغر روبرت دي نيرو، عقليًا وجسديًا.”

وجاءت الانتقادات لتضاف إلى سجل حافل من مواقف دي نيرو الحادة التي وجهها إلى ترامب خلال فترة رئاسته الأولى بين عامي 2016 و2020.

قدرة المسلسل ارتكزت على جاذبية المشاهدين لمتابعة دي نيرو وانتظارهم بشغف للمشاهد التي يظهر فيها النجم الكبير

يستند دي نيرو إلى تاريخ أسطوري كأحد الأيقونات السينمائية عبر تاريخ هوليوود. فالنجم العالمي الذي يمتد عطاؤه الفني نحو ستة عقود قدم عبر مسيرته السينمائية أكثر من 100 عمل سينمائي ودرامي، حصد خلالها جائزة الأوسكار مرتين. الأولى عام 1975 كأفضل ممثل مساعد عن دور “فيتو كورليونى” الذي جسده في الجزء الثاني من ثلاثية المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا “العراب” أو “الأب الروحي”. والثانية أفضل ممثل في فيلم “الثور الهائج ” عام 1980، وترشح للأوسكار 8 مرات.

عبر تاريخه الممتد، بلغت درجة هوسه بالإتقان لأدواره وتقمصها إلى أنه عمل سائقا حقيقيا للتاكسي لدى إحدى شركات سيارات الأجرة في نيويورك لفترة من الزمن، ليتمكن من الإلمام بصورة مذهلة بالتفاصيل الدقيقة لحياة السائقين، ليجسد دوره الثقيل في فيلم “Taxi driver”  أو “سائق التاكسي”، وأخرجه عملاق السينما العالمية مارتن سكورسيزي وعرض عام 1976 وأحدث دويا هائلا في أنحاء العالم، وتعلم فن الملاكمة ليجسد شخصية ملاكم في فيلم “الثور الهائج” ونال عنه جائزة الأوسكار.

دفع دي نيرو آلاف الدولارات لأحد أشهر أطباء الأسنان الأميركيين ليقوم بإجراء تعديلات على أسنانه، حيث قام جراح الأسنان بنحت أسنان دي نيرو لتتناسب مع شخصية المجرم الخطير “ماكس كادي” وجسدها في فيلمه الرائع “Cape Fear” أو “خليج الخوف” والذي أخرجه أيضا مارتن سكورسيزي وعرض عام 1991 وحقق نجاحا كبيرا، وحصد إيرادات بلغت أكثر من 182 مليون دولار .

دي نيرو هو نجم أيقوني يسعى جاهدا للجودة والإتقان الشديدين لشخصيته السينمائية التي يجسدها ليصل معها إلى درجة التوحد التام ليفاجأ بها المشاهد ويبهره بأدائه العبقري.

14