اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس: التقليد الناجح

اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب تستمر كتقليد ثابت برئاسة تونس، وهو ما تحتاجه الجامعة أسوة بما نراه في الاتحاد الأوروبي مثلا.
الأحد 2025/02/23
مؤسسة ملتزمة بخياراتها

قد يبدو اجتماع وزراء الداخلية العرب بشكل دائم ومنظم ودون غيابات أمرا روتينيا في نظر البعض. والأمر لا يخلو من الغرابة لأنه المؤسسة العربية الوحيدة التي تلتزم بمواعيدها وتجتمع دون تصريحات ومزايدات وخلافات وتعزز تأمين شكل الجامعة العربية وأمنها.

وإذا كانت الخلافات السياسية ممكنة لأنها تقف مواقف تأثيرها يظل محدودا وأقصى ما يصل إليه توتر وحملات إعلامية متبادلة، لكن الخلاف حول التنسيق الأمني وتبادل المعلومات والخبرات ستكون له نتائج كبيرة.

ويفترض أن بعض المراقبين العرب الذين يستهينون بالتنسيق الأمني بين العرب وينظرون إليه كإجراء شكلي غير ذي معنى أن يقاربوا الأمر بشكل مختلف قياسا بما تقوم به أمم أخرى، مثلما يجري في أوروبا، أو في أفريقيا. وليس كل تنسيق أمني يعني أنه يستهدف المعارضين السياسيين. هذا افتراض يمكن قياسه في سنوات ماضية حين كان الخوف يكمن فقط في وجود معارضة، ولو أن التاريخ الحديث للعرب أثبت أن هذه المعارضة ضعيفة ولا تحتاج إلى تنسيق أمني ولا تبادل معلومات.

هناك قضايا طارئة يحتاج العمل الأمني العربي أن يعد لها مقاربات مشتركة، وقد باتت تمثل خطرا على الأمن القومي الجماعي ولكل بلد على حدة، من ذلك موضوع المخدرات وشبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين نحو أوروبا والجماعات المتطرفة التي أخذت أبعادا مختلفة سواء في شكل أنشطة تتبناها هذه الجماعات أو تترك مهمتها للذئاب المنفردة.

◙ هناك قضايا طارئة يحتاج العمل الأمني العربي أن يعد لها مقاربات مشتركة، وقد باتت تمثل خطرا على الأمن القومي الجماعي 

لم يكن الأمن الذي تعيشه المنطقة سوى نتاج لهذا التنسيق الأمني الصامت بين الدول العربية من بوابة مجلس وزراء الداخلية العرب واللجان والأنشطة التي تتبعه، ومع ذلك فهو يحتاج إلى المزيد من التطوير والتوسيع مع الوقت في ذروة الحاجة إلى تثبيت الأمن.

تستمر اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب كتقليد ثابت تحت رعاية الرئيس التونسي قيس سعيد، وترسيخ مثل هذه الشعائر هو ما تحتاجه الجامعة، أسوة بما نراه في الاتحاد الأوروبي مثلا.

صحيح أن التنسيق العربي نجح إلى حد كبير في محاصرة أنشطة المجموعات المتطرفة وبات العرب يمتلكون ملفات ضافية عن هذه المجموعات وشبكاتها وطرق الاستقطاب التي تعمل عليها، وهذا أمر مهم لأن الظاهرة تأسست في المنطقة نتيجة التساهل مع الأفكار المتشددة، ومن المهم أن يجري تطويقها في المنطقة التي انطلقت منها.

نجح التطويق الأمني لهذه الظاهرة لكنه سيحتاج إلى مقاربات سياسية واجتماعية لتجفيف منابع هذا الفكر ومنع الشباب من أن يكون حطبا له في معارك وهمية ضد أجهزة الدولة مع ضرورة توسيع التحالف العربي لتحسين ظروف العيش في عدة دول تعيش أزمات لمنع الفكر المتشدد من أن يجد له حاضنة شعبية كما حصل في عقود ماضية.

لكن النجاح في تطويق ظاهرة التطرف بحكم تراكم الخبرات الأمنية، لا يمنع من أن يتم تطوير التنسيق الأمني لمواجهة الظواهر الأخرى مثل شبكات تهريب البشر.

لو قمنا بمقارنة سريعة بين التعاطي الأوروبي الجماعي مع موضوع الهجرة غير النظامية وبين التنسيق العربي على هذا المستوى لوجدنا فارقا كبيرا. أوروبا تنظر إلى الظاهرة على أنها تحد أمني إستراتيجي لهويتها، ولذلك فهي تتحرك بشكل جماعي وتتخذ نفس الإجراءات والمسارات لوقف تدفق المهاجرين سواء باعتماد الخيار الأمني أو بالتنسيق المباشر مع دول العبور وعقد اتفاقيات معها ومنحها حوافز لتساهم بهمة في منع قوارب الموت من الاتجاه نحو شواطئ أوروبا.

كيف تعامل العرب مع الهجرة الأفريقية رغم أنها تستهدف جزءا مهما منهم في الشرق والغرب؟ كما أن انعقاد مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس يعطيها دافعا أقوى لمناقشة الظاهرة وكيفية التصدي لها. الظاهرة تطوّق العرب من اتجاهات مختلفة، فهي تعبر إلى اليمن ثم إلى السعودية، وتهجم على دول شمال أفريقيا كلها، وهي تواجهها بشكل منفرد وفي ظل تنسيق أمني ضعيف ومقطوع أحيانا. وهناك دول تسهّل مرور المهاجرين وتجد أن الحل يكمن في إغراق جارتها بهم.

◙ من المهم أن يخرج التنسيق الأمني العربي من بعده الإجرائي الروتيني إلى ملامسة قضايا كبيرة حتى يلمس الناس تأثيره في حياتهم

صحيح أن الظاهرة معقدة، لكن التنسيق الأمني الجماعي سيحد منها بشكل كبير، كما أنه يوجه توصيات إلى المؤسسات السياسية بالبحث عن حلول أخرى تدعم الجانب الأمني كما هو الحال في السودان، حيث يتطلب الأمر حلا سياسيا يوقف الحرب ويحتاج إلى أن تضغط الدول العربية على شركاء الحرب.

لكن هناك دول أفريقية لديها تعقيدات كثيرة لن يكون بمقدور العرب حتى لو تدخلوا للدعم في أن يحدوا منها، ما يجعل الخيار الأمني مهما في الحد من الظاهرة. والخيار الأمني المقصود هو منع اجتياز حدود الدول العربية التي تصنف كدول عبور بدءا من موريتانيا من دون إضفاء أيّ شرعية على عمليات التنكيل والتعذيب والابتزاز وخطاب العنصرية التي تشهدها بعض الدول.

كيف يمكن مثلا ترك تونس، وهي دولة المقر لمجلس وزراء الداخلية العرب، تواجه لوحدها تعقيدات أزمة المهاجرين أمنيا وماليا وسياسيا. وهل يمكن التحرك المشترك لترتيب عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية طالما أن الدول الأوروبية التي يخططون للوصول إليها تشدد إجراءاتها وتعيد كل من يحاول الهروب عبر البحر إلى تونس أو ليبيا بصفة خاصة.

يمكن تشكيل لجنة عربية وزارية لمتابعة هذا الملف الذي يهدد الأمن العربي على المدى المتوسط. ويمكن إذا انسدت الهجرة نحو أوروبا أن يبحث اللاجئون عن هجرات عربية بدلا من تعقيدات وجودهم في تونس.

من المهم أن يخرج التنسيق الأمني العربي من بعده الإجرائي الروتيني إلى ملامسة قضايا كبيرة حتى يلمس الناس تأثيره في حياتهم ويعطي دفعا لبقية مؤسسات العمل العربي المشترك لتخرج من أسلوبها البطيء في التعاطي مع تعقيدات الواقع.

5