الولايات المتحدة التجريبية

التحذير المكرر الذي تسمعه في الغرب ألاّ تكن ملكيا أكثر من الملك. أنت مهاجر. وإذا كنت من خلفية إثنية ودينية غير أوروبية أو مسيحية، فإن هذا يعقد الأمر أكثر.
لقد شهدنا على مدى السنوات الطويلة من الإقامة في الغرب هذه التنوعات من الأجانب الذين بمرور الوقت يبالغون بوضعهم النفسي إلى درجة تتجاوز رغبات أبناء البلد الأصليين، حتى في بلد لا يعد مهجرا. شهدنا مثلا الاندفاعة الكبيرة لأجانب صوتوا لصالح طرد الأجانب في بريكست في بريطانيا دون حد أدنى من الأسف. هذه أمور تبدو غريبة، لكنها تحدث يوميا. يستمر الأمر وسيتواصل لاعتبارات ترتبط بالنشأة والمبالغة البشرية.
نشهد اليوم شيئا مشابها. بالقانون لا يستطيع إيلون ماسك أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة لأنه لم يولد أميركيا. لكنه القادم من جنوب أفريقيا (وهي مفارقة أخرى)، جاء من أصول أوروبية وتربى على الثقافة المسيحية الأنغليكانية، وهو ما يجعله غربيا قلبا وقالبا. اليوم هو أداة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ"تصحيح" حال الحكومة الاتحادية وجعلها بعيدة عن الفساد والترهل. وبحكم طبْعه الفظ، وطبع ترامب الذي عينه مستشارا ووزيرا، لا يتردد ماسك في فعل أي شيء لإثبات أنه الشخص المناسب لهذا المنصب الحساس والمستحدث.
بالحكم على تاريخ ترامب مع المسؤولين في ولايته الأولى، فإن مسار التصادم سيتشكل قريبا وسنرى الكثير من المشاكل. لعل طبيعة المشاكل ستكون غير مألوفة ويمكن أن تحدث على الطرفين: إما أن ماسك يرى في ترامب "متحفظا" أكثر من اللازم وأنه يحتاج إلى رئيس بلا كوابح؛ أو أن ترامب سيقول لمستشاره إن الأمور يجب أن تسير بالسرعة التي رأيناها في مؤسساتك التي أجبرت الجميع فيها على أنساق غير مألوفة.
ترامب منشغل بتفسيراته السياسية للوضع في الشرق الأوسط، لكنه سيلتفت سريعا إلى ما سيقوم به ماسك. حين يفعل ذلك، فإننا سنرى مشهدا غريبا وإن سيكون غير صادم. هذا النوع من الانفصام في شخصية المهاجر مشكلة وقد أنشأ من قبل عقلية الغيتو سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة. الشيء نفسه يقال عن المهاجرين اللبنانيين والسوريين من أوائل القرن الماضي نحو أميركا اللاتينية وأفريقيا. أو ذاك الذي نسمعه عن تكتلات المهاجرين في مقاطعات وولايات أميركية استقطبت
أقليات عربية أو إثنية مختلفة صارت تزايد على الأميركي المهاجر الأوروبي الأصلي وتقول له: عليك أن تفعل هكذا لتكون أميركيا خالصا. ماسك هو آخر نسخة من هؤلاء المهاجرين، وسنرى منهم المزيد.
تزيد خطورة أمثال ماسك في ما يملكونه من مال، وفي حالته الآن بما يمتلكه من سلطة. لا أحد يمكن أن يعرف إلى أين بوسعهم أخذ المواطن الأميركي في هذا التوقيت المضطرب بالذات. ماسك الذي يريد مرة أن يأخذك في رحلة بسيارته الكهربائية وأخرى بصاروخه الفضائي، يسعى جديا إلى انطلاقة للولايات المتحدة وكأنها تمرين لشركة ناشئة يمكن أن يفعل بها ما يشاء. نحن أمام الولايات المتحدة التجريبية.