"بين الماضي والحاضر" لوحات رمزية بطلتها المرأة

حنان الفرشيشي فنانة عصامية تراهن على الصدق.
الاثنين 2025/02/03
اشتغال على الرموز بوعي

تثيرنا دائما في تجارب الفنانين العصاميين الانطلاقة بحرية إلى مدارات التجريب بكل البراءة الفنية والإيمان بمفردات الحياة وبأهم سماتها "التعلم". من هنا يطور هؤلاء تجاربهم التي تراهن أكثر على الصدق انطلاقا من ذات الفنان، تلك التي لا يحاصرها ثقل الأكاديميا. وهذا ما نجده في معرض الفنانة التونسية حنان الفرشيشي.

افتتح، السبت 1 فبراير الجاري بفضاء دار الثقافة المرناقية في الضاحية الغربية لتونس العاصمة، معرض تشكيلي بعنوان “بين الماضي والحاضر” للفنانة التشكيلية حنان الفرشيشي.

تتنوع أعمال المعرض، الذي يستمر حتى العاشر من فبراير، بين اللوحات الزيتية والمائية واللوحات المشتغلة بأسلوب الكولاج، وتحضر فيها بشكل بارز صور النساء على اختلاف أشكالهن وحالاتهن، كما تحضر المدينة ورموز كثيرة خاصة في أعمال الكولاج.

الرموز والعفوية

اشتغلت الفرشيشي رموزها انطلاقا من مشاعرها ورؤيتها الخاصة، فنجد في أعمال الكولاج مثلا عناصر مدمجة بعناية مثل الحلقات والسلاسل والحبال الحولي، كما نجد المرأة في شكل دمية، إما طفلة أو بالغة عارية كالحقيقة كما نجد المنازل والمربعات والحركات الحلزونية، بينما اللون الطاغي عليها هو الذهبي، وكأننا أمام تمائم أو هي آثار لا تصدأ حفرت فيها الفنانة رؤيتها بعناصر متداخل.

ربما شدت انتباهنا أعمال الكولاج أكثر من اللوحات، نظرا إلى شحناتها الرمزية، لكن حتى اللوحات كان لها رؤيتها الخاصة، وتبرز هنا خاصة اللوحات التي تصور النساء، منهن الملتفة التي تلتقطها الفنانة من الخلف، ومنهن المخبأ نصف وجهها، ومنهن من تخبئ وجهها بيديها، بينما يتكرر حضور اللون الأحمر والأزرق، بين الأنوثة الهادئة والعتمة التي تحيطها.

حضور المرأة بارز في أغلب أعمال الفرشيشي، هنا تسأل “العرب” الفنانة إذا كان الرسام الفرنسي جيروم يرى أن المرأة هي الحقيقة، فماذا تعني لها المرأة؟ لتجيبنا “المرأة تعني لي الزمن، فهي التي تحمل المستقبل وتنشئ الأجيال، تماما كما يشكل الزمن الحضارات. من رحمها يولد الامتداد البشري، وبحنانها وفكرها تغرس القيم في النفوس. هي ليست مجرد وعاء للحياة، بل صانعة التاريخ، فبها يستمر الوجود وتتجدد الأمم.”

ربما ينقص بعض اللوحات الاشتغال أكثر على تفاصيلها التقنية، لكنها لا تخفي دقة الالتقاط وعفوية الفكرة، بعيدا عن التصنع، إذ تبقى الأعمال مفتوحة على الملاحظات التي تؤكد الفنانة استفادتها منها، دون أن تغلق تجربتها على منطقة بعينها، ودون أن تكبت رغبتها في التجريب ولو تفاوتت الأعمال في فكرتها وإنجازها، وهذا ما يمنحها انطلاقة أكثر حيوية للتعامل مع رؤاها دون ضوابط قاسية قد تصيب العمل ببرود يكسر الروابط مع المتلقي.

تنويع التجربة

تسأل “العرب” الفنانة لماذا اختارت عنوان “بين الماضي والحاضر” لمعرضها؟ لتجيبنا “اخترت عنوان ‘بين الماضي والحاضر‘ لأن أعمالي تسلط الضوء على علاقتي بالفن بين الزمنين، وكيف يؤثر الماضي على الحاضر سواء من خلال الذكريات أو حتى التطورات الاجتماعية والثقافية التي مررت بها.”

وتضيف “أردت لن أظهر في لوحاتي كيف يمكن للماضي أن يكون مصدر إلهام، لكنه في الوقت نفسه قد يكون تحديا، في أعمالي هناك تحدٍّ. في أعمالي هناك تداخل بين الرموز والعناصر القديمة والمعاصرة، مما يعكس الحوار المستمر بين الأزمنة المختلفة.”

إنها ميزة أن يؤمن الفنان بقدرته على التطور والتجديد والتنويع، دون خوف من بساطة الفكرة أو تقلباتها، وهذه ربما ميزة عند غير العصاميين، ولعلنا هنا نستذكر تجربة الفنان الفرنسي هنري روسو، كان يرسم بعفويته دون أن يهتم لأن تسمى أعماله بـ “البدائية”، أو غيرها من التصنيفات الأكاديمية، لم يتخل عن بساطته، وربما تدخل في هذا أيضا الفنانة المغربية الشعيبية طلال وفطريتها، ولو أن الأخيرة تتجاوز الانطباعية.

نرى تنويعا في التجربة والتقنيات من الزيتي إلى الكولاج، تسأل “العرب” الفرشيشي عن تجربتها في تنويع أشكالها الفنية، لتجيبنا “أنا أرى في كل تقنية فنية لغة تعبر عن إحساس مختلف، فلا أكتفي بأسلوب واحد، بل أجعل التنوع وسيلتي لإيصال المشاعر بصدق. حين يشتد الانفعال أختار ضربات الفرشاة العشوائية والخشنة، وحين يسود الهدوء أترك الألوان تتداخل بانسيابية كما تفعل الذكريات في الذاكرة.”

وتضيف “أنتقل بين الرسم الزيتي والألوان المائية والكولاج، وحتى النحت، فلكل تقنية طابعها وروحها، تماما كما تتغير نبرة الصوت حين يتحدث القلب. لا أبحث عن التكرار، بل أترك الفن يتنفس بحرية، يتكيف، ويتجدد، ليكون صدى صادقا لما أعيشه وأشعر به.”

أما عن الرسامين أو الرسامات الذين استفادت من تجاربهم، لتطوير تجربتها، فتقول “كوني فنانة عصامية لم أتّبع منهجا أكاديميا محددا أو أدرس تجارب كبار الفنانين، بل بنيت تجربتي الفنية بشكل مستقل ومن خلال التجربة الشخصية وخاصة من ملاحظات المشاهدين”.

وتختم “كنت أركز على التعبير عن نفسي بطرق تتناسب مع مشاعري وتجربتي الحياتية. تجربتي هذه ساعدتني على تطوير لغة فنية خاصة بي، حيث أجد أن الفن الذي ينشأ خارج الأطر التقليدية هو منهجي.”

المرأة حاضرة في أغلب اللوحات

 

13