السفارة الفلسطينية في دمشق عاصمة المخيمات

المشهد السياسي والخارطة الدبلوماسية في المنطقة تغيرا كليا، فمن ينبئ هؤلاء بأن زمن الميليشيات ولى إلى غير رجعة وأن الزمن الحالي هو زمن الدول المستقلة.
الجمعة 2025/01/24
حادثة نادرة تدل على تبعية عمياء

من نافل القول، إن المعارك العسكرية والسياسية التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية، كانت ثمنا دفعته بكل شجاعة دفاعا عن قرارها الوطني المستقل، وعدم ارتهان القضية الفلسطينية بأبعادها التحريرية والنضالية، بالسياسة الخارجية لكل من سوريا الأسدين وليبيا القذافي وإيران الخميني والخامنئي.

وبما أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، دفعت فاتورة الدم من خيرة قياداتها الوطنية، كصلاح خلف وسعد صايل وفخري العمري وهايل عبدالحميد، كما دفعت سنوات مديدة من عمرها النضالي في سجون الأسدين، فلا يخفى على متابع أن الكثير من كوادر الحركة في كافة المخيمات الفلسطينية في سوريا، تمّ اعتقالهم لفترات طويلة تتراوح بين خمس أو سبع سنوات وأكثر، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والسفير الفلسطيني في دمشق الدكتور سمير الرفاعي.

عبر التاريخ، قاومت منظمة التحرير الفلسطينية، كل عمليات احتوائها وتبعيتها، رغبا أو رهبا، وجعلت من قرارها المستقل، خطا أحمر، لا يتخطاه أحد.

وللأسف الشديد، استخدم كل من الرئيس السوري السابق وابنه، بعض الفصائل الفلسطينية بتنوع توجهاتها لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ففي حقبة الأسد الأب، تم استعمال بعض فصائل اليسار الفلسطيني ضد منظمة التحرير، وفي حقبة الأسد الابن، تم استعمال بعض فصائل اليمين الإسلامي ضد المنظمة مرة أخرى، وإن كانت الحرب الأولى تجلّت بفتح الانشقاق ومعارك طرابلس وحصار المخيمات، فالحرب الثانية تجلّت بانقلاب حركة حماس بدعم وتشجيع واضح من ساسة طهران ودمشق.

لو افترضنا أن انقلاب حماس لم يحصل أساسا وبقيت المحافظات الجنوبية تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية والمعترف بها دوليا، فالنتيجة الطبيعية ألا تكون حاليا حرب إبادة جماعية تشنّ ضد شعبنا بمشاركة أميركية ومباركة غربية

وإلى اليوم يلوك شعبنا الفلسطيني الحصاد المر لانقلاب حركة حماس، الذي كان أوّل ثماره الحصار الاقتصادي والمقاطعة الدبلوماسية وانعدام التنمية وتزايد البطالة، أمّا أمرّ الثمار التي حصدها شعبنا من انقلاب حماس، فهو ما جرى في طوفان الأقصى من ارتجالية وقصر نظر، وما قدمه من مبررات لإسرائيل لتعمل جهارا نهارا على تصفية القضية الفلسطينية. فلو افترضنا أن انقلاب حماس لم يحصل أساسا وبقيت المحافظات الجنوبية تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية والمعترف بها دوليا، فالنتيجة الطبيعية ألا تكون حاليا حرب إبادة جماعية تشنّ ضد شعبنا بمشاركة أميركية ومباركة غربية.

وفي سياق متصل، اعتادت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي انبثقت منها، على المعارك الداخلية والخارجية التي تؤكد بما لا يدعو إلى الشك على تطابق وتوافق المصالح الإسرائيلية – الإيرانية للنيل منها، فإضعاف السلطة هو فائدة إسرائيلية – إيرانية أمّا إسقاطها فهو غاية المنى لدى الدولتين اليمينيتين المتطرفتين.

وفي حادثة نادرة تدل على التبعية العمياء والانفصال عن الواقع، تجمهر فتات من كوادر الفصائل الفلسطينية الممولة من طهران حاليا والتابعة لنظام الرئيس السوري المخلوع سابقا، وهتفوا بعبارات تشير إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية والسفارة الفلسطينية في دمشق لا تمثلانهم، تلك السفارة التي اعتادت على استقبال ومد يد العون لكافة الفلسطينيين بغض النظر عن تنوع مشاربهم وأحزابهم السياسية والتحالفات التي كانوا يضعون أنفسهم فيها، ويسبحون ضد التيار الوطني الفلسطيني والتيار العربي. تلك الفصائل التي كانت تناصب العداء لأبناء فتح وتستقوي بالمخابرات السورية عليهم لإخضاعهم.

وكالعادة تصرفت السفارة الفلسطينية ممثلة بسفيرها في دمشق، بطريقة أبوية حانية وحالمة تجاه هؤلاء واستقبلهم السفير الفلسطيني وحاورهم واستمع لآرائهم الشاذة بكل صدر رحب.

غني عن البيان، أن المشهد السياسي والخارطة الدبلوماسية في المنطقة تغيرا كليّا، فمن يُنبئ هؤلاء بأن زمن الميليشيات ولّى إلى غير رجعة، وأن الزمن الحالي هو زمن الدول المستقلّة التي تصنع قرارها بنفسها، وإن كانت تلك الفصائل الفلسطينية التي لا تعترف إلا بالصندوق القومي لمنظمة التحرير، فعليها الانضواء تحت رايتها، والهجرة إلى خيمتها المشدودة بحبال الوطنية، فلن تجد مكانا أعزّ ولن تجد أبا يدفع أكثر لعودة ابنه الضال من فلسطين.

9