أدب الأطفال مدخل بسيط للولوج إلى لغز الطفولة والأطفال

فتون الصعيدي لـ"العرب": هدفي تطوير عقل الطفل وبناء شخصيته.
الاثنين 2025/01/13
اللعب ينمي مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية

يبقى أدب الطفل من أكثر الفنون الدقيقة التي يجب التعامل فيها بوعي كبير مع فئة عمرية غاية في الأهمية، إذ لا يقف دور هذا الفن في الترفيه والمتعة وإنما هو رسالة تربوية متكاملة. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة والمختصة في تربية الطفل السورية فتون الصعيدي، حول أدب الطفل والمسالك التربوية السليمة لبناء جيل مستقبلي.

في عالم مليء بالتحديات، يظل أدب الأطفال نافذة مشرقة تفتح الأفق لغرس القيم والمعاني والإبداع، عبر قصص تحمل بين طيّاتها عوالم مدهشة وشخصيات محببة لدى الطفل.

وقد تمكنت الكاتبة فتون الصعيدي من أن تصنع بصمة فريدة في أدب الطفل، من خلال كتاباتها التي تجمع بين الحكمة والخيال.

وفي حوارها مع “العرب” نستكشف رحلتها في عالم الكتابة للأطفال، ونتعرف على مصادر إلهامها، وأساليبها في صياغة القصص لتحاكي أحلام الصغار، ورؤيتها لدور أدب الطفل في تشكيل الأجيال القادمة.

أدب له خصوصية

أدب الأطفال أحد أنواع الآداب والفنون، وعلى عكس ما يظن الآخرون هو أوسع من مهمة التربية والتعليم بكثير

تبدأ الصعيدي حديثها لـ”العرب” عن بداياتها ومراحل طور تجربتها تقول “بدأت تجربتي منذ المرحلة الثانوية في المدرسة بمحاولات خجولة في الكتابة للأطفال، وأدركت وقتها أن عالم الأطفال غامض جدا وأردت سبر أغواره من خلال الدراسة في هذا المجال في كلية التربية وعلم النفس، وأنا أدرس العديد من الأبحاث في علم النفس أو التعليم، لم أجد كل ما أريده من معلومات لذا لجأت أيضا إلى كتب الأطفال لفهم عالمهم من وجهة نظرهم والطبيعة الحقيقية للطفولة.”

وتتابع “أدب الأطفال هو في الواقع مدخل بسيط للولوج إلى لغز الطفولة والأطفال لنرى العالم بعيونهم وبطريقة مختلفة عنا نحن البالغين، من ثم ربطت زادي التربوي وما يضمنه من مراحل نمو الطفل اللغوي والعقلي والنفسي بالأدب، وكتبت قصص مغامرات في عدة مجموعات ومستويات، ثم أكملت دراساتي العليا في مجال التربية الخاصة والأطفال أصحاب الهمم وفئة المتفوقين وألفت مجموعة قصص عن هذه الفئات المتميزة تهدف إلى تحفيزهم والإضاءة عليهم وتعريف الآخرين بهم، وأنا الآن بصدد إنهاء كتابي الجديد حجر الحضارة الذي يحكي عن مغامرات طفل إماراتي بطريقة خيالية ومشوقة.”

نسألها هل يختلف أدب الطفل عن غيره من الآداب؟ وأين تكمن صعوبته في نظرها؟ فتجيبنا “أدب الأطفال هو أحد أنواع الآداب والفنون، وعلى عكس ما يظن الآخرون هو أوسع من مهمة التربية والتعليم بكثير، وعلى أدب الأطفال أن يقدم للطفل إمكانية خوض التجارب الحياتية بنفسه، ويدعوه إلى طرح الأسئلة من خلال مغامرة مسلية مملوءة بالخيال والمتعة، وأن يعارض فكرة التعليم المبني على التلقين، وصعوبته تكمن في هذه المعادلة، إنه للأطفال ولكن يكتبه البالغون، إنه يستعمل كأداة تربوية ولكن يجب أن تكون بأسلوب أدبي، هو معلم  ولكنه فنّان، إنّه علم نفس ولكنه خيال ممتع.”

تكتب الصعيدي القصص القصيرة للأطفال والدراسات والمقالات، إضافة إلى انشغالها بالخيال العلمي ومناهج القراءة الذكية، تتحدث لـ”العرب” حول هذا التنوع تقول “أحب التنوع بين المجالات التي تعنى بالأطفال ما بين مناهج علمية ودراسات ومقالات وأدب. أريد أن أساهم بكل معلومة اكتسبتها لتطوير عقل الطفل وبنائه السوي بكل مجالات النمو، لأن مرحلة الطفولة هي من أهم مراحل الإنسان وفيها تتكون شخصيته في الحياة ومن خلالها يمكننا استثماره لنهضة المجتمعات، وبناء الإنسان هو أعلى وأهم قيمة في الدنيا، وكل هذه الألوان قريبة إلى قلبي، هي كبستان الزهور أتجول فيها كيفما ومتى أرغب وأشاء، حتى دار النشر التي أسستها أسميتها ‘أطياف’ تعبيرا عن اهتمامي بكل الألوان.”

تحدثنا الصعيدي عن مؤلفاتها وأهميتها بالنسبة إلى الطفل والأهل، تقول “ألفت مناهج الحساب الذهني على آلة الاباكوس بكل الأجزاء للأطفال لما لديها من قدرة على تنمية الجانب العقلي والحركي لدى الطفل وتنمية الخيال والعمل على شقي الدماغ من أجل تقوية الروابط العصبية، وأيضا بالنسبة إلى الجانب النفسي تعمل على القضاء على الفوبيا تجاه مادة الرياضيات، أيضا منهاج ستيم الذي يدمج الفنون والعلوم مع التكنولوجيا بطريقة جذابة وممتعة للأطفال، ومنهاج القراءة الذهنية الذي يعلم الأطفال كيفية التعاطي مع النصوص بطرائق صحيحة والحفظ بأساليب ممتعة والتفاعلية في التعلم وتقوية الإدراك البصري السمعي والذاكرة البصرية والسمعية، وكذلك الخرائط الذهنية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره والتجويد.”

التعامل مع الأطفال

كيف يمكن أن نساعد الأطفال الموهوبين على تطوير إمكانياتهم؟
كيف يمكن أن نساعد الأطفال الموهوبين على تطوير إمكانياتهم؟

كما تذكر المناهج التي اشتغلت عليها مثل تعلم جداول الضرب بطرائق ممتعة والألعاب التربوية والتعليمية، وعلاوة على ذلك نشرت مجموعة قصص ما قبل النوم، وحيوانات الغابة وقصة لماذا بكت زهرة النرجس ومجموعة قصص لونا، وانتهاء بقصة حجر الحضارة لطفل إماراتي مغامر، وكذلك قدمت كتبا أكاديمية عديدة منها “سيكولوجية الإبداع وتنمية الخيال العلمي للأطفال”.

كونها متخصصة بتربية الأطفال والتفوق العقلي، تتطرق الكاتبة السورية في حوارها معنا إلى توقعاتها لمستقبل التعليم في الوطن العربي في ظل ما هو محتمل وقادم، تقول “أرى أن التعليم في عالمنا العربي يسير نحو التطور والانفتاح خاصة عند الدول الأكثر تقدما. وهذه حقيقة علاقة طردية بين النهضة والتعليم، فحيثما يكمن التطور الاقتصادي ينهض التعليم، وفي المقابل التعليم ينهض بالمجتمعات والتعلم في اللعب هو الإستراتيجية الملائمة لمراحل الطفولة خاصة المبكرة.”

التعلم في اللعب هو الإستراتيجية الملائمة لمراحل الطفولة خاصة المبكرة واللعب هو أهم الأدوات التربوية الفعالة

عن كيفية استخدام الألعاب السلوكية الإيجابية لدى الأطفال، تقول “اللعب هو أهم الأدوات التربوية الفعالة بتعديل سلوك الأطفال وتنمية مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، تعديل سلوك الطفل باللعب بشكل إيجابي هو إستراتيجية تربوية مبتكرة تسهم في تطوير شخصية الطفل بشكل إيجابي خاصة في عصرنا، يحتاج الأطفال إلى تعلم كيفية التواصل، والتعاون، واحترام القواعد، وكل هذا يمكن تحقيقه بطرق تناسب طبيعية الطفل من خلال اللعب، حيث يصبح التعلم تجربة ممتعة ومليئة بالابتسامات لأن الألعاب تعزز التواصل وتزيد من ثقة الطفل بنفسه، مثل ألعاب البناء وتبادل الأدوار تساعد على فهم مشاعر الآخرين وتمكن الأطفال من التفاعل بشكل إيجابي مع محيطهم، مما يُعزز لديهم الوعي الذاتي والإحساس بالمسؤولية بشكل مرح ومؤثر.”

أما عن الفرق بين التعليم الأساسي والتعلم باللعب من حيث تأثيره على الأطفال، فتشير الصعيدي إلى أن التعلم باللعب يناسب طبيعة الأطفال التي يخلقون وهم يحملونها، نشاهد المولود منذ أيامه الأولى في الحياة يريد اللعب ويستخدمه لاستكشاف العالم، لهذا يجب استثمار هذه الطبيعة في التعليم وعدم معاكستها بطريقة التلقين التقليدية لكي لا نسيء للطفل والتعليم في نفس الوقت.

نسألها كيف يمكن أن نساعد الأطفال الموهوبين على تطوير إمكانياتهم؟ وكيف للأهل والمعلمين ابتكار ألعاب بسيطة باستخدام مواد بسيطة؟ لتجيب “بالواقع هناك مراحل نعمل عليها لنحقق الفائدة القصوى في استثمار الموهوبين وتنمية مواهبهم إلى أقصى ما يمكن، تكمن في إستراتيجيات التعامل معهم بطريقة علمية بدءا من استكشافهم إلى المراحل المهمة في صقل شخصياتهم وتفجير ينابيع الإبداع لديهم، ودائما أقول إن الأهل من الممكن أن يوفروا بيئة غنية بالمثيرات للطفل في مراحله الأولى من خلال المواد الطبيعية والمواد الأولية البسيطة للعب من صلصال وألوان وأوراق ومكعبات حتى الرمل مفيد للأطفال، فالطبيعة والطفل والإبداع ثلاثية لا تفترق.”

أما عن دمج الفنون (مثل الموسيقى والرسم) في التعامل مع الأطفال، فتقر الصعيدي بأن الفنون والعلوم يمكن دمجها من خلال أنظمة تعليمية مثل نظام ستيم، وهذا ما عملت عليه من خلال مؤلف يشرح للمعلم والطفل كيفية خوض تجارب العلوم ودمجها بفقرات ممتعة ومفيدة.

قصص مثيرة

وتضيف “لا توجد ألعاب معينة يفضلها الأطفال ودائما أحب أن أنوه بأهمية تنويع الألعاب للأطفال من حيث عدد اللاعبين، جماعية أم فردية ومن حيث طبيعتها رياضية أم فكرية ومن حيث نوعها إلكترونية أم عادية، ومن حيث هدفها تربوية أم ترفيهية، ليكتسب الأطفال كل الفائدة منها.”

وتبين أن هناك مؤشرات لمراقبة الطفل تشير إلى تحسن مهاراته، إذ ترى أن نمو الطفل تجب ملاحظته في جميع المجالات الجسدية واللغوية والنفسية والاجتماعية والعقلية من خلال عدة أساليب، ولا ننسى أن مقارنة الطفل بأقرانه خطأ يجب ألا نقع فيه، هنالك جداول نمو علمية يمكننا الاستئناس بها لهذه الغاية.

وتوجه الصعيدي رسالة للأهل الذين لا يعطون وقتا كافيا للعب مع أطفالهم، تقول “يجب إعطاء الطفل الوقت الكافي للعب لينمو بشكل سليم. كل الدراسات أكدت أهمية اللعب للطفل وبدونه لا يمكن أن ينمو ويتعلم والحرية أيضا بدون قيود، فقط عليهم التأكد من سلامة البيئة المعدة للعب والمراقبة بدون تدخل والتثقف في هذا الموضوع المهم جدا والأساسي في التربية.”

أما عن استخدام أسلوب احترام شخصية الطفل والسلطة الحازمة، فتؤكد أن من الخطأ التوبيخ بطريقة الإذلال العلني للطفل، لأنها تؤدي إلى تعميق الشعور بالنقص لديه والتأثير على احترامه لذاته، لكن هناك طرقا أخرى لتأديب الأطفال وتقويم سلوكهم تعد أكثر فعالية ولطفا على المدى الطويل من التوبيخ، وتنصح الأهل بالاطلاع عليها وتعلمها من أجل أطفالهم.

تسألها “العرب” ككاتبة ومختصة كيف يمكن لكل منا جعل طفله مميزا؟ لتجيبنا “الإدراك أن طفلنا مميز بطبيعته بشخصيته بشكله الذي ولد عليه، أن نحبه ونتقبله إن كان من ذوي الاحتياجات الخاصة أو عاديا أو موهوبا، وأن نسعى لتطوير جميع جوانبه بكلا حالاته من خلال تشجيعنا له ودعمه بكل الأشياء التي يحبها وصقل هواياته وإعطائه الحب والدعم اللا محدود لنجعل منه شخصا سويا سعيدا وهذا هو التميز، والحرية والسعادة والأمان والحب غير المشروط هي أمور توصلنا إلى الإبداع وبالتالي إلى التميز.”

12