العرب بيت سوريا الضامن

مع دخول سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد سقوط نظام الأسد وبروز حكومة انتقالية جديدة، يبرز المحيط العربي، وعلى رأسه دول الخليج، كركيزة أساسية لضمان استقرار سوريا وتنميتها. والدور العربي يتجاوز كونه واجبًا تاريخيًا وقوميًا ليصبح ضرورة إستراتيجية تفرضها معادلات المنطقة، والدور المتزايد لأطراف إقليمية خارجية.
يشكل البيت العربي الحاضنة الطبيعية لسوريا التي تأثرت بسنوات من التصدعات والانقسامات الداخلية والإقليمية، والرغبة العربية في إعادة سوريا إلى حضنها ليست جديدة، فهي متجذرة في تاريخ العلاقات العربية – السورية، وتجددت بقوة خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع إدراك العرب لحجم الكلفة الباهظة لترك الساحة السورية رهينة تدخلات أجنبية عميقة.
استعادة الدور العربي في سوريا يحمل بعدين رئيسيين، أهمهما سد الفراغ الإقليمي، فدروس الماضي بشأن الهيمنة الإيرانية في سوريا لا يمكن مواجهتها إلا عبر موقف عربي موحد يعيد التوازن إلى المشهد السوري، ويضع نهاية لسياسات التجريف الثقافي والديموغرافي التي شهدتها سوريا خلال العقد الأخير. كما لا بد من معالجة المخاطر المستقبلية، وعدم ترك سوريا لتكون ساحة صراعات مفتوحة تزيد من احتمال تحولها إلى بؤرة دائمة للتوتر وعدم الاستقرار، ما سيمثل تهديدا مباشرا لجيرانها العرب، بما فيها دول الخليج.
◄ البيت العربي يشكل الحاضنة الطبيعية لسوريا التي تأثرت بسنوات من التصدعات والانقسامات الداخلية والإقليمية، والرغبة العربية في إعادة سوريا إلى حضنها ليست جديدة
شكلت دول الخليج العربي عمود الدعم لسوريا منذ اندلاع أزمتها، حيث استثمرت جهودًا واضحة لدعم السوريين في كل المراحل، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو التحركات السياسية. ومع المتغيرات الأخيرة، باتت دول الخليج أكثر استعدادًا للعب دور قيادي لإعادة بناء سوريا واستقرارها، حين أظهرت ريادة دبلوماسية عبر مبادرات مكثفة تجاه فتح قنوات التواصل مع سوريا الجديدة، متبنية موقفًا براغماتيًا يعلي من أهمية التنمية وإعادة الإعمار، والأدوار السياسية التي تقوم بها لضمان العودة الكاملة لسوريا إلى الحاضنة العربية، وتواصل تأكيد موقفها الراسخ تجاه ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، مع دعمها لإعادة بناء الدولة السورية بمؤسسات شاملة تضمن مشاركة كافة المكونات في صياغة المستقبل.
تمثل المرحلة الجديدة في سوريا فرصة تاريخية لتجاوز العقود الماضية التي هيمنت فيها التدخلات الأجنبية على القرار الوطني، وتواجد دول الخليج كلاعب رئيس في المرحلة الجديدة قد يوفر بدائل اقتصادية وأمنية للإدارة السورية الجديدة، تخفف من ارتباطات سوريا السابقة والجديدة مع قوى إقليمية “غير عربية”.
ويتطلب بناء سوريا المستقبل دعما عربيا مباشرا، يتضمن رفعا جزئيا أو كليا للعقوبات الاقتصادية، وضمان تدفق الاستثمارات الخليجية لإعادة بناء المدن السورية التي دمرتها الحرب، وبناء اقتصاد قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي. والحلول في سوريا الجديدة لا يمكن أن تكون عسكرية أو إقصائية، بل يجب أن تكون سياسية شاملة تحترم التنوع الطائفي والعرقي، ما يتطلب إشراكا فعليا لكل الأطراف السورية من دون استثناء، فمعاناة سوريا مع التدخلات الخارجية والولاءات المزدوجة تُظهر أهمية تعزيز الهوية الوطنية التي تحتكم للمواطنة أولا، بعيدا عن التفرقة الطائفية أو العرقية، بما يضمن التعايش والسلام المجتمعي.
لا شك أن الطريق إلى استقرار سوريا ليس ممهّدا، وهناك عقبات تواجه أي مبادرات عربية، رغم تراجع النفوذ الخارجي على مفاصل الحكم، وسيظل التحدي الأكبر هو قدرة الحكومة السورية الانتقالية على الاستقلال الكامل عن هذه التدخلات، وتقديم بدائل موثوقة لها، فإرث النظام السياسي السابق، وأثره على الإدارة الجديدة، يجعل الإصلاح الشامل مهمة معقدة، خاصة مع بروز مخاوف إزاء الأيديولوجيات المرتبطة ببعض الجهات الفاعلة.
وفي ظل الفراغ الذي خلفه التحول السياسي في سوريا، تظهر الدول العربية كضامن وحيد لانتقال سوريا إلى حقبة الاستقرار والبناء. والبيت العربي ليس فقط خيارا إستراتيجيا، بل الحل الأمثل لإعادة الاعتبار للسيادة الوطنية السورية، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وحماية أمن المنطقة. ومن خلال الدعم العربي الشامل، يمكن تحقيق الأمل بسوريا جديدة مستقلة وآمنة.