غزة بعد القمة العربية

فرضت تحديات مستقبل ما بعد الحرب في غزة نفسها على جدول أعمال القمة العربية الطارئة في القاهرة، خصوصا مخططات التهجير ومشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحويل غزة إلى الريفييرا! وسلطت الأنظار على كيفية تعامل البيت العربي مع الضغوط الأميركية والإسرائيلية. ومن الاجتماع التشاوري في الرياض إلى قمة القاهرة ظهرت الخطة المصرية – العربية لإعادة الإعمار والتي نجحت ولو على الصعيد الإعلامي في كبح جماح خطة ترامب.
ما بعد القمة تزداد التساؤلات حول إن كانت المخرجات قرارات سياسية أم إستراتيجيات قابلة للتنفيذ؟ مقررات القمة تعكس موقفا عربيا موحدا – على الأقل في الخطاب – يرفض التهجير القسري للفلسطينيين، ويدعو إلى استئناف مفاوضات السلام وفق حل الدولتين، مع التأكيد على إعادة إعمار غزة تحت مظلة فلسطينية وعربية ودولية. ولكن هل تملك الدول العربية آليات حقيقية وأدوات ضغط فعلية لتنفيذ هذه المقررات، وتحديدا في ظل الانقسام العربي حول مستقبل إدارة حماس في غزة.
القمة لم تطرح بوضوح موقفا نهائيا من الدور المستقبلي لحماس في قطاع غزة، لكن من الواضح أن هناك سعيا عربيا لإعادة ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني بطريقة تقلص من نفوذ الحركة. ورغم أن بعض قيادات حماس أبدت استعدادا لمراجعة سياساتها، إلا أن الانقسامات الداخلية والتباينات في مواقف الفصائل تجعل من أيّ ترتيب سياسي مستقبلي أمرا معقدا. والخطة المصرية لإعادة إعمار غزة باتت ملفا مركزيا يطرح أسئلة جوهرية حول الجهة التي ستتولى الإشراف عليه، والضمانات الأمنية والسياسية التي سترافق هذه العملية، وإشكاليات معقدة مثل التمويل فعلى الرغم من وجود تعهدات دولية، فإن الدول العربية، لاسيما الخليجية، مترددة في تمويل مشاريع ضخمة دون ضمانات بعدم تكرار الدمار بعد سنوات قليلة، خصوصا لو علمنا عن قنوات الاتصال المفتوحة حاليا بين فريق ترامب وحماس والتي قد ينتج من خلالها صفقات سريعة قد تعيد حماس إلى المشهد ولو على المدى القصير، ما قد يعيد غزة للمربع الأول قبل السابع من أكتوبر 2023.
◄ البيت العربي نجح في الالتفاف حول خطة ترامب البعيدة عن الواقعية حول غزة، ولكن يبقى التساؤل حول مستقبل الخطة العربية في ظل استمرار وجود حماس
جاءت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن العفو عن جميع المفصولين من حركة فتح، واستحداث منصب نائب للرئيس لتثير جدلا واسعا حول مستقبل القيادة الفلسطينية والترتيبات المحتملة للمرحلة القادمة. وبينما بدت هذه التصريحات وكأنها محاولة لاحتواء الخلافات الداخلية، فإنها تعكس في جوهرها إدراك السلطة الفلسطينية لحجم الضغوط التي تواجهها، سواء داخليا بفعل الانقسامات السياسية، أو خارجيا نتيجة الضغوط العربية لإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني. ولذلك، تأتي التصريحات في سياق استجابة جزئية للمطالب العربية التي شددت على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة التحديات الراهنة.
على قدر النوايا تكون العطايا، ولا نستطيع تفسير توقيت تصريحات عباس إن كانت خطوات جدية نحو المصالحة الوطنية أم تكتيكا سياسيا؟ أو محاولة لاستقطاب شخصيات سياسية يمكن أن تسهم في تعزيز موقف فتح داخليا، أم أنها مجرد خطوة رمزية لإرضاء الأطراف العربية التي طالبت بإنهاء الخلافات الداخلية؟ وبينما يُنظر إلى العفو على أنه خطوة إيجابية، إلا أن المصالحة الفعلية تتطلب إصلاحات أعمق، تشمل إصلاح منظمة التحرير وإجراء انتخابات، وهو ما لا يبدو مطروحا بجدية في الوقت الراهن.
نجاح الخطة العربية في تحقيق أهدافها سيكون مرهونا بقدرة الدول العربية على ترجمة قراراتها إلى خطوات عملية، وحسم مسألة خروج حماس من المشهد، وإيجاد أدوات ضغط حقيقية على الولايات المتحدة وإسرائيل، سواء من خلال التحركات الدبلوماسية الفاعلة، أو عبر استخدام أوراق القوة الاقتصادية والسياسية التي تملكها بعض العواصم العربية. وبكل تأكيد نجح البيت العربي في الالتفاف حول خطة ترامب البعيدة عن الواقعية حول غزة، ولكن يبقى التساؤل حول مستقبل الخطة العربية في ظل استمرار وجود حماس، ووجود بوابة خلفية للتواصل ما بين إدارة ترامب وحماس؟