محمد جابر فنان يوظف الذكاء الاصطناعي للتذكير بأجيال من الفنانين المصريين

"فن وجينات".. تصاميم متخيلة ومبتكرة تجمع فنانين بأبنائهم.
الخميس 2025/01/09
بورتريهات من "فن وجينات"

"فن وجينات" هكذا عنون الفنان المصري محمد جابر مشروعه الفني الذي يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة صور صممها لفنانين من أجيال مختلفة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي ليسلط الضوء على مواهبهم وقيمة الفن المصري وإشعاعه عربيا، وهو يؤكد لصحيفة "العرب" أن الذكاء الاصطناعي لا ينافس الفنان وإنما يمنحه مساحات أكبر لتنويع مجالات اشتغاله وأفكاره.

لا أحد يمكنه أن ينكر ريادة الفن المصري في المنطقة العربية منذ عقود، وتحديدا في مجال التمثيل سواء في المسرح أو السينما والدراما التلفزيونية عموما، فأجيال متعاقبة كبرت على أعمال فنية مصرية حظيت منذ ستينيات القرن الماضي بشهرة عربية واسعة.

وشهرة نجوم التمثيل وحتى نجوم الموسيقى في مصر منذ ثمانينات القرن الماضي جعلتهم رموزا للفن العربي، تعرفهم أجيال ولا تزال وفية لمتابعة أعمالهم، ومن ثمة متابعة أعمال أبنائهم ممن دخلوا المجال الفني ودعمها وتشجيع البعض منهم على مواصلة مسيرة الآباء.

وفي حين يرى البعض أن الفن صار مثله مثل الحرف التقليدية مهنة تورث للأبناء حتى وإن افتقروا للموهبة، يعتبرهم البعض الآخر امتدادا منطقيا للبيئة التي نشأوا فيها، كيف لا ونحن شعوب تؤمن بأن “ابن الوز” عليه بالضرورة أن يكون “عواما.”

ورغم أن نجومية الآباء تسلط بالضرورة ضوءا مجانية على مواهب أبنائهم الداخلين حديثا للمجال الفني، وأحيانا هي تضع بعضهم في مقارنة غير منصفة، مثلما يحصل بين محمد إمام ووالده الزعيم عادل إمام، أو كريم محمود عبدالعزيز ووالده “الساحر” محمود عبدالعزيز، ودنيا وإيمي بموهبة والديهما سمير غانم ودلال عبدالعزيز، وفي السابق تمت مقارنة هيثم أحمد زكي بوالده “النمر الأسود” أحمد زكي، والقائمة لازالت طويلة جدا.

بوكس

وفي محاولة منه لتثمين موهبة الآباء والأبناء، وتسليط الضوء على أسماء مشعة في الفن، اختار المصمم المصري محمد جابر أن يصمم بورتريهات وصورا وفيديوهات بالذكاء الاصطناعي لأشهر العائلات الفنية في المحروسة، تجمع الآباء والأبناء وتتخيلهم في مواقف ومناسبات عديدة.

بعض هذه الصور، التي تشابهت في الأسلوب ذاته، أطلق عليها الفنان عنوان “فن وجينات”، ولاقت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية، وتداولها الفنانون مظهرين احتفاء غير مسبوق بمثل هذه التصاميم الذكية.

عن هذا المشروع الفني يقول محمد جابر لـ”العرب” “أحببت أن أجمع النجوم الحاليين في الفن المصري الذين توارثوا الفن من آبائهم أو أمهاتهم، وأركب صورا وتصميمات لهم، تجمع الجيل الأول والثاني، في بورتريهات، مثلا يكون الأب والأم في الخلفية والابن في المنتصف، هو بيولوجيا نتاج تمازج جيناتهم، لكنه فنيا أيضا هو انعكاس واستمرار لموهبتهم. بدأت الفكرة بالاشتغال على الفنانين واحدا تلو الآخر. كنت أبحث في البداية عن مدى القرابة بين الفنان وبين الابن فالبعض أحيانا ينسب لفنان لكنه ليس ابنه بل يكون أحد أفراد عائلته الموسعة، بعد ذلك اشتغلت على الفكرة وتطويرها.”

ويضيف: “هذا المشروع سيكون على جزأين الأول يجمع الآباء بالأبناء والثاني يمر نحو الجيل الثالث، وسأطلق عليه اسم الحفيد.”

والمتأمل لمجموعة الصور ضمن مشروع “فن وجينات”، سيلحظ أن الفنان تعمد التركيز على ملامح الوجوه، تبنى صورا أكثر شبابا وحيوية للفنانين الكبار أو الراحلين مثل فريد شوقي وعادل إمام ومحمود ياسين وأشرف عبدالغفور وصلاح السعدني وخالد صالح وفاروق الفيشاوي وسمير غانم ودلال عبدالعزيز، تظهرهم في أوج لحظات شبابهم وشهرتهم. إذا كانت الصورة تحتوي على وجهين فقط، فإن المصمم يجعل صورة الأب في المركز وأكثر وضوحا على أن تكون صورة الابن في الخلفية، وهنا تتركز عين الناظر إلى مدى الشبه بين الأب والابن، وهو ينوع في اختيار توزيع الصور بدقة ليسلط الضوء على دقة الشبه بين الأجيال وكيف يكتسب الابن جيناته من والديه.

ويسود اللون الأسود على التصميمات جميعها، وهو لون حيادي، جعله المصمم خلفية لكل الصور كما ألبسه لكل الشخصيات، جميعها ترتدي الزي ذاته، قمصان سوداء بسيطة. واللون الأسود لون مميز، يمكن وصفه بالجدية، فهو يمثل من جهة القوّة والفخامة والتعقيد، ومن جهة أخرى هو رمز للغموض. وفي عالم التصميم يعرف هذا اللون بأنه يحمل دلالات متباينة من الرسمية والقوة إلى الحزن والحِداد، وهو بالتالي لون قويّ لا مزاح معه. وعادة ما يتم دمجه مع العديد من الألوان الأخرى لإيصال رسائل مختلفة.

وفي “فن وجينات” طغى الأسود ولم يمزج سوى ببشرة الفنانين التي جاءت متقاربة في درجة سمارها. ويلحظ دقة تركيز الفنان على ملامح الوجوه وإبراز تفاصيلها، حيث تبدو شديدة الواقعية بثنايا التجاعيد ونظرة العين والابتسامات الخفيفة.

هذه الصور لم تثر فقط اهتمام المشاهدين لها بالشبه الكبير بين الآباء والأبناء بل أثارت نقاشات لا تزال مستمرة حول مدى الشبه بينهم في الموهبة، وأحدث مقارنات بين أعمال الجيل الأول والثاني من هذه العائلات الفنية، وكانت فرصة لاستعادة الكثيرين أشهر الأعمال الفنية الخالدة للفنانين الكبار، ولإعادة الحديث عنها ومشاهدتها وتوجيه ملاحظات للفنانين من الجيل الثاني كي لا يسقطوا في فخ “التشبه” و”تقليد” الآباء.

هي حكاية ترويها الصور، وهذا ما أراد الفنان التركيز عليه، حيث يقول في تصريحه لـ”العرب”: “لا أحب أن أنشأ تصميمات لصور لمجرد التصميم فقط، إنما أعتبر أن الصورة حكاية، وللصور قدرة كبيرة على الحكي، لذلك أرفع شعار ‘أصنع تصميما لأحكي قصة’، والتصميم إن لم يكن يحكي قصة مفهومة وبسيطة لا أعتقد أنه يكون ناجحا أو له قيمة، والتصميم بالنسبة لي لوحة يمكن أن تشاهدها فتلمح فيها رحلة معاناة أو نجاح أو تجدها تثير فيك التفكير في قيمة من القيم الإنسانية المهمة مثل الصبر والاجتهاد والتشبث بالحلم.”

14