الرياض تقود وحدة الساحات الدبلوماسية العربية والإسلامية

شعار "وحدة الساحات" خدم إسرائيل بشكل واضح وفاضح وجرّ لها المساعدات العسكرية والاقتصادية والمالية، وإن كان هذا الشعار غايته إلحاق الضرر بإسرائيل إلّا أنّ ما جرى كان على النقيض تماما.
الثلاثاء 2024/11/05
البحث عن حلول ممكنة قابلة للتحقيق

من المنطق بمكان أن يخضع كل تحرك عسكري وسياسي للتقييم ويوضع في موازين الربح والخسارة، مع الأخذ بالحسبان أن أيّ حرب شُنّت على مدى التاريخ تكون غايتها تحقيق أهداف محددة وتتوقف الحرب بعد تحقق هذه الأهداف. فخوض الحرب واحتمال تكلفتها العالية ليست هواية تمارسها الدول أو الأحزاب، ويُقامر عبرها بماضي الدولة وحاضرها ومستقبلها وبالشعب وحياته وتاريخه وحضارته.

وفي حين لم تحقق هذه الحروب أهدافها وأتت بنتائج عكسية، وكانت وبالا على من باشر وشارك فيها من حركات وأحزاب تقع تحت مسمّيات جميلة وبراقة كـ”المقاومة الإسلامية” وغيرها، يتوجب هنا الوقوف مطوّلا ومراجعة كل الفكر والمفاهيم والأسس التي قامت عليها هذه الحزب أو تلك الحركة والعودة إلى جذور تأسيسها، وطرح أسئلة أقلّ من عادية بانتظار أجوبة واقعية ومفسّرة لما حدث وجرى من هزائم وخسائر، تذهب عقل اللبيب منذ أكثر من عام.

أعتقد أن لسان حال كل فلسطيني هو: ماذا ربحنا من طوفان الأقصى؟ وهل تحققت الأهداف التي تحدث عنها رئيس أركان كتائب القسام محمد ضيف أبوخالد في كلمته المسجّلة يوم السابع من أكتوبر، عن تحرير الأسرى ووقف الاستيطان وإنهاء العربدة الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس ووقف الاقتحامات للمسجد الأقصى الشّريف وتدنيسه من قبل قطعان المستوطنين؟

◄ ما تقوم به المملكة العربية السعودية من فراسة سياسية وبُعد نظر دبلوماسي ليس غريبا عنها، كونها تضع في أولوياتها، السلام والعدالة والمصالح العربية فوق أيّ اعتبار، وتتصرف بندية مع كل دول العالم

وفي اتجاه آخر، هل أوقفت إسرائيل حرب الإبادة الشاملة والكاملة ضد الشعب الفلسطيني وعمرانه في قطاع غزّة، أو على الأقل قللت من شراستها ومن قوّتها الناريّة وقدرتها التدميرية وحدّت من وحشيتها، بعد المساندة العسكرية لكل من حزب الله والحوثي والفصائل الإسلامية في العراق وتبادلهم للقصف مع إسرائيل؟ الجواب طبعا هو لا.

صار حقا على كل عربي مسلم سني أو شيعي أن يطرح هكذا أسئلة وينتظر إجابات مقنعة في هيئة اعتذارات. لا أتوقع أن الاعتذار اللفظي سيكون كافيا وسيفي بالغرض، وهو لم يتحقق لليوم ولم تبادر به الفصائل الإسلامية، سنية كانت أم شيعية، لأنه يدينها من لسانها، ولأن التعالي وضع عصابة على أعينها، ولأنها أساسا لا تكترث بما حصل للشعب وهذا لا يعنيها من قريب أو بعيد، وآخر ما يحظى باهتمامها، بل كل ما يعنيها هو حال حزبها، وخير دليل على ذلك تصريحات ومقابلات خالد مشعل الإعلامية، فهو يردد دائما “حماس بخير”. وعلى ذلك من قادة الأحزاب والحركات التي على شاكلتها.. فقس.

تتجنب حماس، ومن ورائها أخواتها، أي اعتذار أو اعتراف بخطأ تصرفاتها وعدم صواب تقديراتها، لأن هذا سيكون مدخلا لإجراء مراجعات عميقة داخليا، ويضعها تحت سيف المساءلة الوطنية خارجيا، وعليهِ من الأفضل أن تعتذر عن الحياة السياسية ككل، وتتغيب عن المشهد إلى حين، حتى يتسنى لها تقييم وتقويم الاعوجاج الفكري داخل حركتها.

فشعار “وحدة الساحات” خدم إسرائيل بشكل واضح وفاضح، وجرّ لها المساعدات العسكرية والاقتصادية والمالية، وإن كان هذا الشعار غايته إلحاق الضرر بإسرائيل، فما جرى كان على النقيض تماما، فقد حقق لها المنفعة والفائدة، وتسبب للمشاركين في “وحدة الساحات” وبلدانهم وأنصارهم بالضرر البالغ، وهذا أمر لا يحتاج إلى استنتاج.

وفي خضم هذه الغوغائية الفكرية والشعبوية التي تعمّ المنطقة، يبرز لنا دور سعودي مهمّ يقود وحدة السّاحات الدبلوماسية العربية والإسلامية. لكن وحدة الساحات السياسية والدبلوماسية التي تتقدمها الرياض، هدفها وقف العدوان الإسرائيلي الفظيع وكبح جماح ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة، ووضع خاتمة للمجازر اليومية في كل من قطاع غزّة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وتقديم مواقف لافتة لتقصير عمر العدوان، وجلب المنفعة والسلام للشعبين الفلسطيني واللبناني ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وإلحاق الخسارة السياسية والدبلوماسية بإسرائيل.

إذا.. هي على العكس تماما من وحدة الساحات العسكرية التي تزعمتها طهران، التي وسّعت من دائرة العنف والمذابح والهدم والتدمير من غزّة إلى لبنان، وأعطت أسبابا فعلية لإطالة عمر حرب الإبادة وتمدد العدوان الإسرائيلي، كما أتت بنتائج مغايرة تماما وأفادت إسرائيل في حين كانت الثمرة مختلفة عما تمّ بذره وسقاؤه.

فوحدة الساحات السعودية التي تغاير الإيرانية لن تشمل مشاركة الدول العربية والإسلامية فقط، بل تعدته إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية والأفريقية المساندة لحل الدولتين وإنجاز السلام في المنطقة ووحدت الرؤى خلف هدف واحد ألا وهو حل الدولتين.

فبعد اجتماع التحالف الدولي لحل الدولتين في الرياض، وما نتج عنه من قرارات بالغة الأهمية على طريق حل النزاعات القائمة بين إسرائيل والعرب، تستخدم المملكة حنكتها الدبلوماسية وفراستها السياسية المعروفة في حشد أقصى تأييد ممكن لهذا التوجه، باستضافتها في قمة متابعة عربية – إسلامية مشتركة في 11 -11 – 2024.

◄ حماس، ومن ورائها أخواتها، تتجنّب أي اعتذار أو اعتراف بخطأ تصرفاتها وعدم صواب تقديراتها لأن هذا سيكون مدخلا لإجراء مراجعات عميقة داخليا ويضعها تحت سيف المساءلة الوطنية خارجيا

ما تقوم به المملكة العربية السعودية من فراسة سياسية وبُعد نظر دبلوماسي ليس غريبا عنها، كونها تضع في أولوياتها، السلام والعدالة والمصالح العربية فوق أيّ اعتبار، وتتصرف بندية مع كل دول العالم وحتى العظمى منها بلا استثناء.

وهذا الأمر تجلى لنا، بالحياد والنأي بالنفس عن الحرب الأوكرانية، بل أضف إلى ذلك، أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لعبتا دورا محوريا في تبادل الأسرى بين الطرفين المتحاربين.

وفي ذات الفكرة، من المهم قراءة أبعاد موقف مجلس التعاون الخليجي الذي ندد بالاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران، وبالأخص عندما بات واضحا لدى الجميع أن ما يحصل هو مسرحية هزلية بين تل أبيب وطهران وتبادل للضربات غير الموجعة واستعراض عسكري أمام شعبي الدولتين لا غير، تكون غايته امتصاص الحنق الشعبي والرفع من أسهم القيادة السياسية والعسكرية.

وفي المحصلة، لا تتوانى المملكة العربية السعودية عن مساندة الدولة الوطنية في كافة الدول العربية، وخلق مسارات سياسية تؤدي إلى حلول ممكنة وقابلة للتحقيق، تسحب المنطقة بأسرها من كثبان العنف والفوضى المتحركة، التي أوجدها تقاطع المصالح بين إسرائيل من جهة وإيران والإخوان المسلمين من جهة أخرى، هذه الكثبان المتحركة التي هدفها الأساس، إغراق الدولة الوطنية في الخراب والحروب الخاسرة، وتصدّر الميليشيات والأحزاب الغريرة الضريرة للمشهد.

9