حملة انتخابية هادئة في تونس تؤثر على نسبة المشاركة

البرود الذي يحف بالانتخابات قد يعيد تكرار نتائج المناسبات الانتخابية السابقة (انتخابات البرلمان والمجالس المحلية، واستفتاء الدستور)، وتعميق ظاهرة العزوف الشعبي عن التصويت.
الجمعة 2024/10/04
معارضة معزولة عن نبض الشارع

مرت الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة باردة لا يكاد يشعر بها التونسيون عدا ظهور قليل في الإعلام العمومي والخاص وجدل محدود على مواقع التواصل

قد يخدم هذا البرود مصلحة الرئيس قيس سعيد الذي يبدو أكبر مستفيد من انشغال الناس عن الحملات وعن سماع مقاربات خصميه زهير المغزاوي والعياشي زمال، فهو فقط من يرونه ويسمعون أخبار أنشطته، ما يجعله المؤهل للحصول على أصوات الأغلبية التي ستشارك.

لكن المشكلة تكمن في أن البرود الذي يحف بالانتخابات قد يعيد تكرار نتائج المناسبات الانتخابية السابقة (انتخابات البرلمان والمجالس المحلية، واستفتاء الدستور)، وتعميق ظاهرة العزوف الشعبي عن التصويت، بما يخفي موقفا سلبيا من السياسة والسياسيين وأداء الأحزاب والشخصيات السياسية والحكومة ورئيس الجمهورية.

في 2019 بلغ الاهتمام الشعبي بالتنافس على الانتخابات الرئاسية مستوى كبيرا، نجح في تحصيل مشاركة فعلية جعلت الرئيس المنتخب في الدور الثاني مسنودا بعمق شعبي وسياسي وحزبي كبير، وهو ما استثمره قيس سعيد في تنفيذ إجراءات 25 يوليو 2021 وبينها حل البرلمان وبناء منظومة سياسية جديدة بدءا بتغيير الدستور وصولا إلى مناسبات انتخابية متعددة.

◄ هناك معطى مهم سيؤثر على نسبة المشاركة، وهو اهتمام جزء من النخب والنشطاء على مواقع التواصل بالتطورات الإقليمية والحرب في غزة ولبنان، ما سيحول الأنظار عن الاهتمام بالانتخابات

ويفترض أن انتخابات 2024 تحافظ على نفس الزخم وتستقطب الناس للتصويت ليس مهما لصالح من، ولكن الهدف هو رفع نسبة المشاركة لإظهار أن السلطة المنتخبة مسنودة بموقف شعبي كبير حتى ولو كان فارق الفوز للرئيس المرتقب محدودا.

إذا فاز قيس سعيد بنسبة بين 11 و20 في المئة، وهو الأمر المتوقع، أو فاز غيره، فإن النسبة تصبح مثار تشكيك في شرعية السلطة لأن الانتخابات عملية تقنية لكشف مستوى تمثُّل الديمقراطية في البلاد، وليست أداة غلبة واستقواء.

هناك أسباب لبرود الحملات الانتخابية ومحدودية الاهتمام الشعبي بها، أول هذه الأسباب أنها تبدو في صورة انتخابات خاصة ببعض النخب، أي بين أنصار قيس سعيد وبعض الأحزاب الحليفة، وبين خصوم قيس سعيد سواء من يوجد ممثل لهم في الانتخابات أو ممن لا ممثل لهم.

بصورة أكثر وضوحا، فإن اقتصار الاهتمام بالانتخابات على نخب تصدّر خطابا عدائيا يسيطر عليه التشكيك والتخوين سيعزلها عن الناس، وهو ما يمكن أن يفسر خلو الحملات من البرامج وقضايا الناس المعيشية واقتصارها على شعارات عامة من دون تقديم برامج تفصيلية تجعل الناخب العادي يفاضل بينها.

وفي مجال الاهتمام الشعبي، هناك قضايا محلية خاصة بكل منطقة، سيكون على المرشحين بسط مواقفهم منها، وهذا ما لم يحصل، من ذلك الموقف من تمركز آلاف الأفارقة في محيط مدينة صفاقس، وشكاوى الناس من الظاهرة. وهناك مواضيع قطاعية مثل تسوية ملف الحظائر أو المعلمين والأساتذة المتعاونين مع وزارة التربية وتعثرت عملية توظيفهم بشكل رسمي.

وللعلم، فإن الانتخابات في أغلب الدول يتم فيها الفرز على مواقف المرشحين من قضايا تفصيلية صغيرة مثل مقاربة موضوع الضرائب أو الخدمات.

◄ إذا فاز قيس سعيد بنسبة بين 11 و20 في المئة، وهو الأمر المتوقع، أو فاز غيره، فإن النسبة تصبح مثار تشكيك في شرعية السلطة لأن الانتخابات عملية تقنية لكشف مستوى تمثُّل الديمقراطية في البلاد

ما الذي يدعو الناس إلى المشاركة بكثافة في التصويت أو الاهتمام بالمنافسة والنقاش حولها في بيوتهم أو في المقاهي أو في وسائل النقل إذا كان الصراع الانتخابي ما يزال محور القضايا السياسية والمحاور الأيديولوجية. لو أن النقاش الانتخابي كان حول الاستثمار والمشاريع وخطط الحد من البطالة وتحسين الخدمات والبنى التحتية لكان الناس في الصدارة من دون انتظار الدعوات التي تحث على المشاركة.

الناخب لا تعنيه أبدا حياة المرشح الشخصية ولا تاريخه ولا حزبه وخلفيته الأيديولوجية، ما يعنيه هو قدرته على خدمة الناس.

وهناك معطى آخر يجعل الاهتمام بالمناسبة الانتخابية محدودا، وهو غياب المنافسة. في المشهد الحالي تذهب التحاليل باتجاه فوز قيس سعيد إذا لم يكن من الدور الأول فمن الدور الثاني لوجود منافسين أقل وزنا وخبرة. لنأخذ مثلا المغزاوي، فإن جولاته على المناطق لم تظهر أن الحزب الذي يقف وراءه، أي حركة الشعب، قويا، فضلا عن خلافات داخلية تهدد بانشقاق الحزب بسبب وجود تيارين رئيسيين الأول يدعم المغزاوي والثاني يدعم قيس سعيد ويعتقد أن الحركة أخطأت باختيار منهج المعارضة الذي سيفقدها الوضع المريح الذي عاشته منذ 25 يوليو 2021.

المرشح الثالث، أي زمال، موجود في السجن، ولا يقود الحملة بنفسه، وحظوظه تبدو ضعيفة بالرغم من دعوة شق محسوب على حركة النهضة وائتلاف الكرامة إلى انتخابه للتنغيص على قيس سعيد، وهو شق غير مؤثر في مقابل دعوات المقاطعة التي تعتقد أن قيس سعيد حسم فوزه، وأن التصويت لزمال لن يفيد سوى في رفع نسبة المشاركة، وهو في النهاية سيخدم قيس سعيد بإظهار أن الانتخابات شهدت إقبالا وتنافسا.

◄ هناك أسباب لبرود الحملات الانتخابية ومحدودية الاهتمام الشعبي بها، أول هذه الأسباب أنها تبدو في صورة انتخابات خاصة ببعض النخب، أي بين أنصار قيس سعيد وبعض الأحزاب الحليفة

ويعتقد الكثيرون أن مكابرة هيئة الانتخابات ورفضها قرار المحكمة الإدارية بترشيح كل من منذر الزنايدي وعبداللطيف المكي وعماد الدائمي يساهمان في غياب المنافسة وضعف الإقبال الشعبي، وأن وجود الثلاثي المحسوب على المعارضة كان سيعطي نسقا قوي للانتخابات من دون أن يضر ذلك قيس سعيد.

وهناك معطى مهم آخر سيؤثر على نسبة المشاركة، وهو اهتمام جزء من النخب والنشطاء على مواقع التواصل بالتطورات الإقليمية والحرب في غزة ولبنان، ما سيحول الأنظار عن الاهتمام بالانتخابات خاصة على مواقع التواصل التي هي المساحة الأهم لحوار التونسيين في ظل انكماش الإعلام العمومي ومحدودية قدرات الإعلام الخاص وتراجع الاهتمام بالحوارات والبرامج السياسية خلافا لما كان عليه الأمر قبل 2021.

حل الجدل عن الحرب في الإقليم وتشابكاتها وأداء حماس وحزب الله وإيران مكان الحديث عن الانتخابات، وخرج خطاب التخوين والاستعلاء من المحلي إلى الإقليمي بين نفس الخصوم، تيار إسلامي يبخس أنشطة إيران وحزب الله ويستدعي مفردات طائفية من الماضي السحيق وتيار يساري وقومي يمدح تلك الأنشطة ويظهر الولاء لطهران بالرغم من التناقض الجذري بين أرضياتهما الفكرية.

8